نشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية تقريرا اليوم من إعداد الصحافي الجزائري فريد عليلات أكد فيه أن تم اعتقال الجنرال عبد القادر حداد، المعروف باسم ناصر الجن، الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن الداخلي، في حي يقع على مرتفعات العاصمة الجزائرية. وذلك بعد مرور ثمانية وعشرين يومًا “من هروبه الغريب، الذي أثار الذعر في قمة الدولة ووضع أجهزة المخابرات الجزائرية والإسبانية والفرنسية والمغربية في حالة تأهب”. وذكرعليلات أنه وفقا لمعلوماته، كان ناصر الجن متوجها بعد ظهر أول أمس الأربعاء إلى مكتب خلفه، الجنرال عبد القادر آيت وعربي، المعروف باسم الجنرال حسان، عندما تم القبض عليه من قبل أعضاء من المديرية العامة للأمن الداخلي.
وذكر التقرير أنه تم تقديم ناصر الجن أمام المدعي العام للمحكمة العسكرية في البليدة، المدينة الواقعة على بعد 45 كيلومترًا غرب الجزائر، وتم إيداعه الحبس في السجن نفسه الذي يضم حوالي عشرين جنرالاً وضابطاً من الجيش وجهاز الاستخبارات بتهم الفساد، والاختلاس، أو المساس بأمن الدولة. ولفت إلى أنه في السجن نفسه تم سجن الجنرال حسن من عام 2015 إلى عام 2020 بعد إدانته بـ “تدمير الوثائق” و”انتهاك التعليمات العسكرية”.
“شيطان الأمن الداخلي” يختفي في الطبيعة
وكتب عليلات أنه “باعتقال ناصر الجن، الذي أطلق عليه هذا اللقب بسبب سمعته كشيطان أو ملاك شرير اكتسبها خلال سنوات مكافحة الإرهاب، تنتهي 28 يوما من الشائعات والتكهنات والتخمينات حول دوافع وظروف هروبه وكذلك حول أماكن اختبائه، في الجزائر أو في الخارج”. وأضاف أن “هروب ناصر الجن يغذي أسطورته كطيف أو شيطان لا يمكن الإمساك به: البعض زعم أنه لجأ إلى إسبانيا، وآخرون قالوا إنه تم القبض عليه من قبل الأجهزة الجزائرية، وآخرون زعموا أنه سلم نفسه طواعية لسلطات بلاده”.
وأكد أن الحظر التام الذي فرضته السلطات الجزائرية حول هذه القضية المتعلقة بأمن الدولة لا يزيد إلا في تغذية الشائعات وتكثيف الغموض حول هذه الهروب. وأنه لا يمكن إلا القول إن قضية ناصر الجين قد هزت الرئاسة، وهيئة الأركان العامة للجيش، والأجهزة لاستخباراتية المختلفة بشكل كبير. واعتبر الكاتب أن قضية ناصر الجن ستترك آثارًا لأنها تبرز الثغرات الأمنية، والانقسامات، والهشاشة، والتوترات داخل هذه المؤسسات الثلاث. وأكد أن “رواية إقالة ناصر الجن وإدارة مصيره بعد إقالته تكشف عن وجود مناخ من الشك وعدم الثقة بين الرئاسة وهيئة الأركان العسكرية، التي تبدو ظاهريًا أنها تحافظ على علاقة من التماسك والثقة”.
وأكد أن جنرال في قلب أسرار النظام الجزائري ورجاله، هارب لمدة تقارب الشهر: هذه حلقة غير مسبوقة في تاريخ الأجهزة السرية الجزائرية. وذكر أن ناصر الجن عينه الرئيس تبون في مايو 2024، والذي أظهر له ثقته قبل تعيينه في هذا المنصب الحساس، قبل عزله بشكل مفاجئ من منصبه بعد أقل من عشرة أشهر.
وذكر الكاتب أن ناصر الجن الذي كان “مقتنعًا بسقوطه الوشيك، كان يخبر المقربين منه أنه لن يُخدع مثل المبتدئين”.
الجنرال الذي كان يعرف الكثير
ولفت الكاتب إلى أن ناصر الجن ولأنه خاض غمار مكافحة الإرهاب، ولأنه كان في قلب السلطة، فهو يعلم أن السقوط غالبًا ما يصاحبه قضاء فترة طويلة أو قصيرة في السجن. وتساءل عليلات في المقابل: لماذا يتم التخلص بسرعة من رئيس جهاز الأمن الداخلي الذي كان على توافق مع الرئيس تبون؟ وبحسب الكاتب فبموجب المهام الموكلة إلى الأمن الداخلي ومكافحة التجسس، قام ناصر الجن بتكليف عملائه بإجراء تحقيقات حول مقربين من رئيس الدولة يُشتبه في تورطهم في الأعمال التجارية. ووفق عليلات فإن “الرئيس تبون مثل قائد الجيش سعيد شنقريحة، كان يتلقى ملفات مُحرجة. وأنه في مواجهة الضغوطات أحيانًا غير الملائمة من محيطه، أمره تبون حتى بعدم الرد على هذه التدخلات”. وتساءل عليلات: ” هل أثر ناصر الجن على مصالح مرتبطة بالدائرة الرئاسية؟ هل أزعج بعض الأشخاص في هذه الدائرة الضيقة؟ وينقل الكاتب هنا عن مصدر من أحد معارف ناصر الجن أن الأخير “اقترب كثيرًا من دائرة النار وأنه سيتم إقالته”، كما كان يتحدث باحتقار أحد المقربين من تبون إلى دائرة أصدقائه قبل عدة أسابيع من سقوط ناصر الجن”.
ووفق التقرير فبمجرد إقالة ناصر الجن، كان لا بد من البت في مصيره. وأن 4 خيارات كانت مطروحة على الطاولة: السجن، الإقامة الجبرية، المراقبة القضائية مع منع مغادرة البلاد أو الحرية التامة. وأكد أن الرئاسة كانت قد وضعت كل ثقلها لصالح الخيار الأول، بينما كان رئيس الأركان، الفريق أول سعيد شنقريحة، يعيق ذلك بكل قوته لتجنب وقوع ناصر الجن خلف القضبان.
وبحسب الكاتب فناصر الجن يحتفظ بتقدير شنقريحة ولديه صداقات قوية ودعما في الدائرة العسكرية، التي تعمل كنادي مغلق بين الضباط وأبنائهم وحتى أحفادهم. وذكر أنه تم اتخاذ قرار بوضعه تحت الإقامة الجبرية من قبل عناصر من المركز الرئيسي للتحقيقات العسكرية (CPMI) في فيلا في الجزائر. وكان يستقبل زوجته ويتحدث عبر الهاتف مع أصدقائه وأقاربه”. وبحسب عليلات يروي أحد الأشخاص الذين حافظوا على الاتصال مع ناصر الجن أنه ” بعد حوالي شهر، أُطلق سراحه، مما أغضب الرئاسة التي لم تكن لتقدّر هذا المعاملة. ولكن بعد ثلاثة أو أربعة أيام من الحرية، تم وضعه مرة أخرى تحت الإقامة الجبرية، وهذه المرة تحت إشراف المديرية المركزية لأمن الجيش.
وتساءل عليلات: ” هل شعر ناصر الجن بالخطر الوشيك أم كان يخشى على سلامته؟ مما دفعه في ليلة الأربعاء 17 إلى الخميس 18 سبتمبر الماضي، بمخادعة حراسه والاختفاء في الطبيعة”.
وذكر أنه تم إطلاق الإنذار على الفور، في صباح يوم الخميس، في الساعة 8:30صباحا وقد سارعت عناصر من المديرية العامة للأمن وحماية الرئاسة بإحاطة مقر إقامة رئيس الدولة الواقع في مرتفعات الجزائر، بينما يتم إغلاق حي “الغولف”، حيث يقع مقر الرئاسة، بإحكام من قبل قوات الأمن.
هل كانت السلطات تخشى من انقلاب أو هجوم على هذين المكانين مما يفسر هذا الانتشار الكبير؟ تساءل الكاتب، الذي ذهب للقول إن “الواقع هو، على أي حال، غير مسبوق ويكشف عن الذعر الذي انتاب السلطات بعد هذه الحادثة. وأنه كان هناك، بالمناسبة، تبادل حاد بين عبد المجيد تبون وسعيد شنقريحة، حيث كان كل منهما يلقي باللوم على الآخر في هذه الفضيحة، التي لم تكشف بعد عن جميع أسرارها”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات