أخبار عاجلة

لماذا تتم الاستهانة بهذه المؤشرات الخطيرة في الجزائر؟

مؤشرات خطيرة طفت على السطح في الجزائر في المدة الأخيرة، أتوقع أن تكون لها تداعيات مهمة على استقرار البلد السياسي، على المدى المتوسط وحتى القريب، إذا استمرت هذه الاتجاهات الثقيلة التي تعكسها هذه المؤشرات، قائمة. أخاف أن هناك استهانة كبيرة في التعامل معها من قبل صاحب القرار، كما يظهر على مستوى السكوت عنها، ورفض فتح نقاش عام حولها، وعدم منحها الأهمية التي تستحقها، كما حصل مع الازدياد الملاحظ في وتيرة الهجرة السرية – الحرقة، كما بينته حالة مراهقي تمنفوست بالقرب من العاصمة الشهر المنصرم. يبدو وكأن صاحب القرار، نفض يديه منها لعجز في تصور الحلول لها وتنفيذها على الميدان.
الإعلان عن اعتزال، أو «ابتعاد» مبكر لقيادات حزبية من تنظيماتها السياسية، من المؤشرات الخطيرة التي طفت على السطح السياسي، يمكن إضافتها إلى هذا المشهد المشحون، الذي يحيل إلى أزمة كبيرة يتخبط فيها العمل الحزبي السياسي. بعيدة جدا على مسألة التداول على السلطة، التي تحاول بعض الآراء ربطها بهذه القرارات، التي مست أكثر من وجه سياسي، كان آخرها جيلالي سفيان (حزب جيل جديد) بعد زبيدة عسول.

وجوه استمرت لوقت طويل تدافع عن مواقفها الوسطية المعقولة، المعبرة عن طموحات الفئات الوسطى، التي يبقى من السهل التفاوض حولها، كان يمكن إدماجها في اللعبة السياسية الرسمية بكل يسر، لو حصل ذلك الانفتاح المطلوب داخل النظام السياسي الوطني، الرافض للإصلاح. «استقالات» حصلت بعد أن تأكدت هذه القيادات بالملموس من عجزها عن الاستمرار في نشاطاتها اليومية العادية وهي على رأس أحزابها. ضمن حالة سياسية مغلقة. ابتعد فيها المواطن عن الأحزاب. وتغولت فيه السلطة واستحوذت على مقاليد الأمور، على غرار الريع المالي والإعلام واحتكار العنف الذي قد يسلط على من يخرج عن المسار المقرر. تصريحات وزير الفلاحة الجديد، يمكن عدها ضمن مؤشرات هذا المسار الخطير وهو يخبرنا أن الحكومة، بل حتى رئاسة الجمهورية كانت تصلها معلومات مغلوطة من وزارة الفلاحة عن قصد، تمنى لو كانت مغلوطة كلها وليس نصف مغلوطة فقط، لأن تأثيرها في هذه الحالة أخطر! تصرفات قد تكون هي التي أدت إلى توقيف مسار وزير الفلاحة السابق، الذي كانت مصادر إعلامية وسياسية قد تكلمت عن إمكانية وصوله إلى مراتب سياسية اعلى من منصب الوزارة، نتيجة ما سُرب، عن قرب خاص للرجل من رئيس الجمهورية. علما أن ثقافة المعلومة المغلوطة أو نصف المغلوطة ليست جديدة داخل مؤسسات النظام السياسي الجزائري، فقد تكلم عنها وزير سابق -غازي حيدوسي منذ أكثر من عقدين ـ في كتابة الصادر في فرنسا منذ سنوات ـ الاستقلال غير المكتمل -1995 عبر إرسال معلومات إحصائية شبه مغلوطة لرئاسة الجمهورية والوزارة الأولى عن قصد. مقابل التقارير الصحيحة، التي يتم الاحتفاظ بها على مستوى وزارة التخطيط للعمل عليها ليلا مع مجموعة قليلة موثوقة! وضع مرتبط بالصراعات بين الأجنحة داخل السلطة، التي تستعمل فيها أنصاف الحقائق الرقمية هذه لتصفية الحسابات في ما بينها وتغليطها أمام الرأي العام! ليبقى الجديد الأخطر هذه المرة ما قيل إنه هروب لضابط عسكري كبير نحو إسبانيا في قارب صغير – بوطي، كما فعل شباب تمنفوست. تكلمت عنه الصحافة الإسبانية بعد أسبوع تقريبا من الضجة السياسية التي أثارها اختفاؤه من إقامته الجبرية، بعد إقالته من منصبه الحساس على رأس الأمن الداخلي العسكري. حادثة لم يتكلم عنها الإعلام الوطني المكمم لحد اليوم، ولم يصدر عنها أي بيان رسمي لتنوير الرأي العام الوطني وعدم تركه فريسة للتلاعب به، رغم أن الحادثة تحولت إلى خبر رئيسي على الوسائط الاجتماعية. استغلتها معارضة سياسية – إعلامية مقيمة في الخارج. لتزيد في منسوب تأثيرها بين أبناء مجتمع ابتعد بشكل واضح عن مؤسسات إعلامه الوطني في الداخل، بعد تحولها إلى بوق سياسي، من دون تأثير فعلي لا يخدم لا مصلحة النظام ولا مصلحة الجزائريين، الذين تحولوا نحو الإعلام الأجنبي بغثه وسمينه، ينهلون منه المعلومة المؤكدة والشائعة المغلوطة.
لتبقى هذه القضية المرتبطة بما قيل إنه هروب ضابط عسكري كبير نحو إسبانيا، من الحوادث الخطيرة التي تميزت ضمن المشهد السياسي المضطرب. لأنه ببساطة يمس المؤسسة العسكرية ـ الأمنية، العمود الفقري للسلطة، المعروفة بأدوارها ضمن الإطار المؤسسي للنظام السياسي في الجزائر. رغم كل ما عرفته من تغييرات على رأس مصالحها المختلفة في الداخل والخارج في السنوات الأخيرة، هي التي كانت معروفة لوقت قريب باستقرار كبير على رأسها، لتؤكد هذه التغييرات لمن يريد أن يعرف، أنها لم تخرج من حالة الاضطراب الذي تعيشه منذ سنوات أن لم يكن من عقود. أدت في نهاية الأمر إلى إضعاف مكانة الجزائر وتدهور في أدوارها الدولية. في وقت يعيش فيه العالم والمحيط الإقليمي القريب حالة اضطراب قصوى. لم تعد الجزائر حاضرة وفعالة فيه كما كانت في السابق.
ضمن مشهد وطني استمر فيه منسوب الفساد على الوتيرة نفسها ولم يتقلص، على الأقل كما كان يتمنى المواطن الجزائري ذلك، حتى وهو يعاين المحاكمات العديدة التي مست وجوها معروفة. ستبقى تداعياتها محدودة مهما كان صدق نوايا صاحب القرار، من دون تحقيق شروط معروفة على رأسها تأتي استقلالية القضاء الذي بقي لحد الآن من مطالب المواطن الجزائري الأساسية، كما تم التعبير عنها في الحراك الشعبي، ليأتي بعده فتح المجال الإعلامي الذي يسمح للمواطن بالتدخل وإبداء الرأي بكل حرية في الشأن العام، حتى لا يبقى القرار فيها احتكارا على نخب معزولة وقليلة العدد، لم تعد تحظى بالقبول الشعبي، ما يستدعي ربط ذلك بفتح مجال الحريات السياسية، بل تقوية حضور الأحزاب والطبقة السياسية التي يجب دعمها وتقوية حضورها، من خلال تنافسية مطلوبة تعبر عن نفسها عبر انتخابات شفافة، لم تعشها الجزائر منذ الاستقلال، كفيلة بإنتاج نخبة سياسية تتكفل بتسيير الشأن الوطني، الذي ازداد تعقيدا مع الوقت. في نظام سياسي استعصى على التغيير جُربت معه كل الوصفات المعروفة دون نجاح.

ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات