التمست نيابة القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بالجزائر العاصمة، توقيع عقوبات مشددة بحق المتهمين في قضية الفساد المتعلقة بالوكالة الوطنية للنشر والإشهار (أناب) التي يقع على عاتقها توزيع الدعاية الحكومية على الصحف، والتي يظهر من بين المتابعين فيها، وزيران سابقان للإعلام زمن الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
وفي مرافعته، طلب ممثل النيابة عقوبة عشر سنوات سجنًا نافذًا، وغرامة مالية قدرها مليون دينار في حق الوزير الأسبق للاتصال جمال كعوان، والمدير العام السابق للوكالة الوطنية للنشر والإشهار، أمين شيكر، المتابَعيْن بتهم تتعلق بإساءة استغلال الوظيفة وتبديد المال العام ومنح امتيازات غير مبررة.
كما التمس ممثل الحق العام عقوبة ست سنوات سجنًا نافذًا وغرامة مماثلة ضد الوزير الأسبق للاتصال حميد قرين، وثماني سنوات سجنًا في حق المدير الأسبق لفرع الاتصال والإشارات بـ”أناب”، والمدير العام الأسبق لشركة التوزيع السريع التابعة للوكالة ذاتها. وطالت التماسات النيابة باقي المتهمين بأحكام تتراوح بين خمس وسبع سنوات سجنًا نافذًا، مع غرامة مالية قدرها مليون دينار لكل منهم، في انتظار النطق بالحكم في جلسة مبرمجة بتاريخ 22 أكتوبر الجاري.
وتتعلق القضية التي يمثل فيها 13 متهمًا، والتي تعرف إعلاميا بـ”أناب 2″، بوقائع تبديد أموال عمومية، ومنح امتيازات غير مبررة من خلال التلاعب بالإشهار العمومي، ومنح مساحات إعلانية بطرق مشبوهة لجرائد مجهرية وأخرى وهمية.
وخلال استجوابه، صرّح كعوان أنه كان يشغل منصب المدير العام لـ”أناب” بين أيار/ مايو 2015 وأيار/ مايو 2017، قبل أن يُعيّن وزيرًا للاتصال ثم يُحال على التقاعد. ودافع المتهم عن نفسه، وفق ما نقله موقع “الطريق نيوز” نافيًا كل التهم المنسوبة إليه، معتبرًا أن ما ورد في الملف مجرد “افتراءات دون أدلة واضحة”، مؤكّدًا أن الإشهار نشاط تجاري لا يخضع لقانون خاص يحدد كيفية منحه، وأن الوكالة مؤسسة ذات طابع تجاري تتعامل مع زبائن في إطار صفقات تهدف إلى تحقيق الأرباح.
وأشار كعوان إلى أن وسائل الإعلام التي كانت تتحصل على مساحات إشهارية قبل توليه المنصب، استمرت في الاستفادة منها بعد تعيينه مديرًا عامًا، مضيفًا أن الوكالة كانت تراعي المصلحة التجارية وتمنح الإشهار وفق ما يخدم مردوديتها المالية. وردًّا على سؤال القاضية حول مدى التزام الوكالة بقانون الصفقات، قال كعوان إن المؤسسة كانت تحترم القوانين المعمول بها، موضحًا أن منح الإشهار أشبه بصفقة رياضية تراهن فيها على “لاعب فاشل”، في إشارة إلى وسائل الإعلام التي كانت تتلقى دعمًا إشهاريًا رغم ضعفها.
وخلال تدخله، واجه وكيل الجمهورية، كعوان بتصريح سابق له يتناقض مع أقواله في الجلسة، حيث أشار إلى أنه سبق ووجّه تعليمات برفع قيمة الإشهار لجريدتي “البلاغ” و”البلاغ الرياضي”، ما اعتبره وكيل الجمهورية دليلاً على وجود محاباة في منح الإشهار. غير أن كعوان تمسك بإنكاره، مؤكدًا أن الوكالة كانت تحقّق أرباحًا بنسبة 30 بالمئة من نشاطها وأن 99 بالمئة من الجرائد التي استفادت من الإشهار كانت محدودة السحب، مضيفًا أن غياب قانون واضح ينظم توزيع الإشهار جعل العملية خاضعة لاجتهادات إدارية وتجارية داخلية.
ويتابع المتهمون في هذه القضية، وفق اللغة القانونية، بتهم إساءة استغلال الوظيفة، وتبديد أموال عمومية، ومنح امتيازات غير مبررة للغير عند إبرام صفقات مخالفة للتشريعات. وقد أُودع الوزير الأسبق كعوان والمدير العام السابق شيكر الحبس المؤقت منذ سنة 2023، بعد تحقيق قضائي أنجزته المصلحة الإقليمية للتحقيق القضائي التابعة للمديرية العامة للأمن الداخلي، كشف عن تسيير وصف بـ”العشوائي والكارثي” للوكالة بين سنتي 2008 و2018. وكشفت التحقيقات عن محاباة في منح عقود لبعض العناوين الصحافية على حساب الشفافية وتكافؤ الفرص. كما تبين أن أحد المديرين الأسبقين للوكالة خصص مساحات إشهارية لزوجته دون وجه حق، وهو ما اعتُبر تبديدًا للأموال العمومية.
وتُعد هذه القضية الثانية من نوعها التي تطال الوكالة الوطنية للنشر والإشهار خلال السنة الجارية، بعد الأحكام الصادرة في الرابع من يونيو 2025 ضد الوزير الأسبق للشباب والرياضة عبد القادر خمري، في ملف فساد مشابه (أناب 1) تورط فيه إلى جانب مديرين ومسؤولين من الوكالة ذاتها. فقد أدانت المحكمة خمري بثماني سنوات سجنًا نافذًا وغرامة قدرها مليون دينار، إلى جانب إدانة مدير النشر السابق لبتر لزهاري، ومدير المالية والمحاسبة “ع.م” والمدير العام السابق أحمد بوسنة بعامين حبسًا نافذًا وغرامة مالية قدرها 500 ألف دينار.
كما أُدين المدير السابق للوكالة الوطنية لتسلية الشباب بخمس سنوات سجنًا نافذًا وغرامة مالية بمليون دينار، إلى جانب عقوبات تراوحت بين ثلاث وأربع سنوات في حق مسؤولين آخرين بوزارة الشباب والرياضة. أما باقي المتهمين من المتعاملين الاقتصاديين والموظفين فقد صدرت ضدهم عقوبات بين 18 شهرًا وخمس سنوات، مع استفادة عشرين متهمًا من البراءة.
وكشفت هذه القضية التي تداخلت فيها ملفات الوكالة الوطنية للنشر والإشهار وقطاع الشباب، وفق ما ورد في المحاضر القضائية، عن صفقات أبرمت بالتراضي خارج قانون المناقصات، وتمويل مشاريع ترفيهية وهمية من ميزانية قُدّرت بـ620 مليار سنتيم، خُصصت لإنشاء قرى وألعاب ترفيهية في عدد من الولايات، وفق ما نقلته صحيفة الشروق اليومي.
تعليقات الزوار
لا تعليقات