يتهيّأ رئيس حركة مجتمع السلم السابق في الجزائر، عبد الرزاق مقري، لخوض معركة قضائية ضد عدد من وسائل الإعلام الجزائرية، بعد حملة اتّهامات طالته عقب مشاركته في “أسطول الصمود” لكسر الحصار على غزة، وبلغت حدّ وصفه بـ“الخيانة العظمى” و“التخابر مع مصالح أجنبية”.
وفي بيان له، أعلن مكتب مقري، الشروع في توثيق ما وصفه بـ“التجاوزات والإساءات والترويج المغرض للإشاعات” التي استهدفته، مؤكداً أن العمل جارٍ على فرز وترتيب ما تمّ جمعه بالتعاون مع متطوعين ومحامين وخبراء قانونيين. ودعا في بيانه المتابعين إلى تزويد فريقه بكل ما يمكن توثيقه من إساءات أو مشاركات في نشر الأكاذيب عبر المنصات الرقمية ووسائل الإعلام المختلفة، بهدف إعداد ملف متكامل يُحال إلى القضاء. وأوضح أن هذه الخطوة تأتي “تكريسًا لثقافة الاحتكام إلى القانون ومحاربةً للإشاعة والإعلام الفاسد”، مشيرًا إلى أن الهدف منها “صون سمعة الأفراد والهيئات من التشويه والتشهير والتزوير”.
وفي تعليق قانوني على هذه القضية، قدّم المحامي عمار خبابة الذي اختير لتولي الملف، تكييفًا مفصلاً لما اعتبره “اتهامًا علنيًا خطيرًا يمسّ الأمن الوطني”. وأوضح أن توجيه اتهام لشخص بأنه “يتخابر مع مصالح أجنبية” لا يمكن إدراجه ضمن جنحة القذف البسيطة، لأن طبيعة الواقعة والآثار المترتبة عنها تتجاوز المساس بالشرف الشخصي لتصل إلى المساس بأمن الدولة وسلامتها. وأشار إلى أن المادة 296 من قانون العقوبات تتعلق بإسناد واقعة تضرّ بالشرف أو الاعتبار، غير أن اتهام شخص بالتخابر مع جهات أجنبية يندرج في إطار الجنايات التي تمسّ أمن الدولة الخارجي المنصوص عليها في المواد 61 وما بعدها.
وأضاف خبابة أن نشر مثل هذه الاتهامات عبر وسائل الإعلام يمكن أن يندرج كذلك ضمن الجريمة المنصوص عليها في المادة 196 مكرر، والمتعلقة بنشر أخبار كاذبة من شأنها المساس بالنظام العام أو الأمن الوطني، مشددًا على أن هذا النوع من الأفعال يضرّ بالمصلحة العامة، ويُحدث اضطرابًا في الثقة الوطنية بالأشخاص والمؤسسات. واعتبر أن الفارق الجوهري بين القذف والاتهام بالتخابر يكمن في المصلحة القانونية المحمية، إذ يُقصد في الحالة الأولى حماية الكرامة الفردية، بينما يُمسّ في الثانية الأمن الوطني والاعتبار العام. وخلص إلى أن “توجيه اتهام علني بالتخابر لا يمكن أن يُعدّ قذفًا بسيطًا، بل هو فعل مركّب يستوجب تكييفًا يراعي خطورته على الأمن العام والسمعة الوطنية”.
وكانت الملابسات التي دفعت مقري إلى هذا المسار القانوني قد بدأت فور وصوله تركيا بعد الإفراج عنه من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث نشرت بعض القنوات والمواقع تقارير زعمت أن الإفراج عنه تم بـ“تنسيق مخابراتي تركي إسرائيلي”، وأنه “رفض التعامل مع أعضاء السفارة الجزائرية” التي كانت تتكفل بمتابعة المشاركين الجزائريين في القافلة. وأشارت بعض هذه التقارير إلى أن الموساد الإسرائيلي أطلق سراحه “بواسطة تعاون حصري مع الأجهزة التركية”، وأنه أبدى “ولاءً سياسياً لتركيا بدل الجزائر”.
وردّ فريق مقري على تلك المزاعم بنشر صور تُظهر القنصل الجزائري في إسطنبول وهو في استقبال المشاركين الجزائريين، في ما اعتُبر تكذيبًا صريحًا لما تم تداوله. كما أثارت الحملة الإعلامية موجة واسعة من التضامن على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر ناشطون وسياسيون عن استيائهم من “التشهير بشخصية وطنية شاركت في عمل إنساني”.
وكتب النائب عبد الوهاب يعقوبي منشورًا مطولًا أعلن فيه “كامل التضامن والاحترام والتقدير للدكتور مقري”، معتبرًا ما حدث “محاولة يائسة للنيل من صورة رجل عُرف بثباته على المبادئ ورفعة خلقه”.
وتحوّلت القضية إلى محور نقاش سياسي وإعلامي واسع، إذ رأى بعض المعلقين أن ما جرى يعكس توتراً قديماً بين التيار الإسلامي وبعض المنابر الإعلامية، بينما اعتبر آخرون أن اللجوء إلى القضاء خطوة ضرورية لإرساء ثقافة المساءلة وحماية المجال الإعلامي من الانفلات. كما تساءل عدد من البرلمانيين والنشطاء عن دور سلطة الضبط السمعي البصري ووزارة الاتصال في مواجهة مثل هذه الحملات، داعين إلى وضع ضوابط واضحة تحمي الممارسة الإعلامية من الاستعمال السياسي والتشهير.
وتكتسب هذه القضية بعدا خاصا بالنظر إلى شخصية مقري الجدلية، والذي ظلّ فاعلاً في الحياة السياسية، رغم عدم توليه أي منصب رسمي في الوقت الراهن. فقد شغل رئاسة حركة مجتمع السلم في مرحلة حساسة، ويترأس حاليًا منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة. كما برز منذ اندلاع الحرب على غزة بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، وشارك في مظاهرات تضامنية بالعاصمة الجزائرية عقب قصف مستشفى المعمداني، قبل أن يُمنع مؤقتًا من السفر، ثم يُرفع عنه المنع لاحقًا.
تعليقات الزوار
لا تعليقات