شهدت الجزائر وإسبانيا خطوة جديدة نحو ترسيم عودة العلاقات إلى طبيعتها، مع زيارة وزير الداخلية الإسباني إلى البلاد، بعد الأزمة التي عرفها البلدان سنة 2022 والتطورات الكبيرة التي أعقبتها، على خلفية تغير الموقف الإسباني من قضية الصحراء الغربية.
وجاءت الزيارة لتؤكد حسب البلدين، الرغبة المشتركة في توسيع مجالات التعاون الأمني والشرطي والقضائي، ومواصلة التنسيق في ملفات الهجرة غير الشرعية واسترجاع الأموال، إلى جانب تفعيل اتفاقيات التعاون في مجالات الحماية المدنية والسلامة المرورية.
وفي كلمة له، أبدى وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية بالجزائر، سعيد سعيود، ارتياحه لمستوى العلاقات الثنائية وما تشهده من ديناميكية متجددة تعكس حسبه، الإرادة السياسية في مواجهة التحديات المشتركة.
وأوضح أن اللقاء يشكل مناسبة لتبادل الرؤى حول القضايا الأمنية والإقليمية، وفي مقدمتها الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، مؤكداً ضرورة توحيد الجهود لإيجاد حلول عملية ومستدامة.
وأكد سعيود أن التعاون الشرطي بين البلدين عرف تطوراً ملموساً خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى انتظام الزيارات وتكثيف التبادلات المهنية بين المصالح الأمنية، على غرار مشاركة المدير العام للأمن الوطني في مؤتمر نظمته الشرطة الإسبانية بمدريد في ديسمبر 2024، وزيارة وفد أمني إسباني رفيع المستوى إلى الجزائر في أغسطس 2025، حيث تم الاتفاق على تنسيق الجهود في مكافحة شبكات الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة.
وأعلن الوزير عن إعداد برنامج تدريبي مشترك للسنوات 2025 و2026، يركز على تعزيز قدرات عناصر الشرطة ومكافحة الهجرة عبر البحر، إلى جانب تنظيم تكوينات لضباط جزائريين في أكاديمية أفيلا الإسبانية.
وفي السياق، أشار سعيود إلى نتائج اللجنة المشتركة للتعاون الأمني التي انعقدت بمدريد في أكتوبر 2025، والتي توصل فيها الجانبان إلى عدة تفاهمات تتعلق بتبادل الحلول التقنية الخاصة بالكشف عن الوثائق المزورة، وتبادل الخبرات بشأن إنشاء مراكز استخبارات متخصصة في مكافحة الجريمة المنظمة، ووضع آلية لتبادل البصمات الجينية والمعطيات البيومترية للمهاجرين المفقودين، إلى جانب تسريع دراسة طلبات الإنابة القضائية المتعلقة باسترجاع الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة.
كما تطرق الوزير كذلك إلى التعاون في مجال الحماية المدنية، مذكراً بالاتفاق الإداري الموقع بين البلدين سنة 2013، ومشدداً على ضرورة تفعيله لمواجهة المخاطر الطبيعية وحرائق الغابات. ودعا إلى اجتماع قريب بين خبراء الجانبين لوضع خطة عمل محددة الأهداف على المدى القصير، بما يعزز الأمن والسلامة في كلا البلدين.
واللافت، أن الوزير الجزائري خصص جزءا مطولاً في كلمته عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية، معتبراً أنها تمثل تحدياً مشتركاً يتطلب مقاربة متوازنة تأخذ في الاعتبار الأبعاد الإنسانية والأمنية.
وأوضح أن الجزائر تواجه تدفقات متزايدة من المهاجرين القادمين من إفريقيا وآسيا، وتتعامل مع الظاهرة بحزم ومسؤولية دون اللجوء إلى المساومة أو الابتزاز، مضيفاً أن الجهود الأمنية مكنت خلال سنتي 2024 و2025 من منع أكثر من مئة ألف مهاجر غير شرعي من العبور نحو شمال إفريقيا وأوروبا، وإعادة أكثر من اثنين وثمانين ألف مهاجر إلى بلدانهم في ظروف تحترم كرامتهم. وأبرز سعيود التعاون القائم مع المنظمة الدولية للهجرة، الذي سمح بعودة 8500 مهاجر سنة 2024 وأكثر من 7000 منذ بداية 2025، بينهم عدد من المهاجرين الذين حاولوا الوصول إلى إسبانيا.
إشادة إسبانية
من جانبه، أشاد وزير الداخلية الإسباني بجودة العلاقات الثنائية وفعالية التنسيق بين البلدين في مختلف المجالات الأمنية والقضائية. وأكد أن الجزائر تعد شريكاً موثوقاً واستراتيجياً لإسبانيا في المنطقة المتوسطية، نظراً لتقاطع المصالح والتحديات المشتركة، مشيراً إلى أن بلاده تقدر جهود الجزائر في التخفيف من ظاهرة الهجرة غير النظامية ومكافحة الشبكات الإجرامية واحترام حقوق الإنسان.
وأوضح الوزير الإسباني أن الجانبين عملا على إعادة تفعيل اتفاق التعاون العلمي والتقني الموقع سنة 2013 في مجال الحماية المدنية، لما يمثله من أهمية في مواجهة الكوارث الطبيعية. كما أشار إلى التعاون القائم في مجال السلامة المرورية، موضحاً أنه تم تحديد خطوط التعاون العامة بين المديرية العامة للمرور في إسبانيا ونظيرتها الجزائرية عقب زيارة وفد جزائري إلى مدريد نهاية سبتمبر الماضي، مؤكداً أن الجزائر تمتلك المقومات لتكون نموذجاً إفريقياً في هذا المجال. وختم الوزير الإسباني حديثه بالتأكيد على أن التقدم لا يتحقق إلا عبر تعاون وثيق بين الخبراء والتقنيين، موجهاً دعوة رسمية لنظيره الجزائري لزيارة مدريد قريباً لمتابعة تنفيذ المشاريع المشتركة.
حادثة المراهقين السبعة
وخارج الكلمات الرسمية، تناول الوزيران في تصريحاتهما على الهامش، قضية الأطفال الجزائريين السبعة الذين هاجروا بطريقة غير شرعية إلى إسبانيا بداية شهر سبتمبر/ ايلول الماضي، والتي أثارت جدلا واسعا في الجزائر.
وحول هذا الموضوع، أوضح الوزير الإسباني أن لجنة تقنية ستتولى دراسة اتفاق إعادة الترحيل لتحديثه عند الحاجة، مؤكداً أن النيابة العامة الإسبانية تتابع الإجراءات الخاصة بإعادة القُصّر بناء على الوثائق التي قدمتها السلطات الجزائرية. وأشار في حديثه إلى الإرادة الواضحة للوالدين في استعادة أبنائهم.
وأكد الوزير سعيود، من جانبه، مواصلة الجهود لإعادة الأطفال السبعة إلى الجزائر، مشدداً على أن البلدين يتقاسمان نفس الرؤية في محاربة الهجرة غير الشرعية وحماية الفئات الضعيفة.
أول زيارة منذ الأزمة
وتعد هذه أرفع زيارة لمسؤول إسباني إلى الجزائر منذ 2022 سنة انتكاسة العلاقات بين البلدين، بعد قرار حكومة مدريد تبني خطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية وهو ما تعارضه الجزائر التي تدافع عن حق الصحراويين الذين تستضيف جزءا منهم على أراضيها كلاجئين في تقرير المصير. وتقرر إثر ذلك، سحب السفير الجزائري من مدريد، ثم قرار الرئاسة الجزائرية، التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة مع المملكة الإسبانية سنة 2002.
وشكّل القرار الإسباني في ذلك الوقت مفاجأة للجزائر، على اعتبار مدريد هي القوة الاستعمارية السابقة في الصحراء الغربية ولا تزال القوة المديرة للإقليم. وذكرت الرئاسة الجزائرية في مبرراتها في ذلك الوقت أن ما فعلته إسبانيا “يعد انتهاكا لالتزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية للسلطة المسؤولة عن الإقليم والتي تقع على كاهل مملكة إسبانيا حتى يتم إعلان إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية من قبل الأمم المتحدة”.
لكن اتجاه العلاقات بعد نحو سنتين من ذلك، بدأ يسير نحو التقارب، حيث قامت الجزائر بتعيين سفير لها من جديد في مدريد في الثلث الأخير من سنة 2023، في وقت استعاد السفير الإسباني في الجزائر هامش المبادرة من خلال إجرائه لقاءات مع الفاعلين في الحقل الاقتصادي بالجزائر، قبل أن يزور مسؤولون جزائريون رفيعون إسبانيا العام الماضي أبرزهم الوزير الأول السابق نذير العرباوي.
تعليقات الزوار
لا تعليقات