أخبار عاجلة

صراع الزعامة في أزجر يوقظ الهواجس الأمنية في واحدة من أكثر مناطق الجزائر حساسية

تشهد منطقة أزجر، الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي للجزائر، حالة احتقان غير مسبوقة بعد تفجر الخلاف بين الزعيم التقليدي الحاج البكري غومة، ونظيره الطامح إلى الزعامة حسين بن كلالة، في نزاع يتجاوز طابعه القبلي المحلي إلى ما هو سياسي وإقليمي، بحكم الموقع الحساس للمنطقة المجاورة لحدود مالي والنيجر وليبيا، وهي فضاءات ملتهبة بالصراعات المسلحة والتحولات الجيوسياسية المتسارعة.

النزاع الذي بدأ في الظاهر صراعا على "الشرعية التقليدية" داخل منظومة الطوارق، تحول تدريجيا إلى اختبار لقدرة الدولة الجزائرية على ضبط توازنات الجنوب والحفاظ على تماسكه الاجتماعي في لحظة هشّة تشهد فيها علاقاتها مع جيرانها في الساحل، خاصة مالي، توترا متصاعدا.

وتعود جذور الخلاف إلى مرحلة ما بعد وفاة الزعيم القبلي الراحل أمنوكال إبراهيم غومة، حين انتقل المنصب إلى نجله الحاج البكري غومة بدعم من كبار الأعيان وتزكية رسمية من السلطات الجزائرية، غير أن هذا الانتقال لم يُرض الجميع، إذ سرعان ما برز صوت المعارض حسين بن كلالة، الذي بدأ منذ سنة 2021 في الدفع باتجاه استعادة الشرعية التاريخية لآل كلالة، مستندا إلى إرث جده المقاوم إبراهيم آق أبكدة (1885–1962)، أحد أبرز رموز المقاومة ضد التوسع الاستعماري الفرنسي في الصحراء.

وفي المقابل، ردّ الحاج البكري غومة ببيان شديد اللهجة وصف فيه ما يجري بأنه "تحركات غير شرعية ومضللة"، مشددا على أن اختيار الزعيم القبلي يخضع لتقاليد صارمة تقوم على التزكية الجماعية وليس المبايعات الفردية، حيث اتهم في لهجة مباشرة "جهات داخلية وخارجية" بالسعي إلى تفتيت وحدة الصف الطارقي وإعادة رسم الخريطة الاجتماعية للجنوب على أسس جديدة لا تراعي الأعراف المتوارثة، مؤكّدا أن وحدة إقليم أزجر خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وهي التصريحات التي تحمل إشارات أن النظام الجزائري ليس من مصلحته وحدة الصف الطارقي .

ويُنظر الى الحاج غومة، بأنه يتمتع بنفوذ واسع ويشغل مواقع متقدمة داخل مؤسسات النظام الجزائري، منها عضويته في المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير التجزائرية وعضويته في مجلس الأمة ضمن كتلة الثلث الرئاسي، حيث أن هذا الارتباط يعتبره معارضوه سببا لتهميش أبناء المنطقة وإضعاف الرابط القبلي التقليدي الذي مثّل تاريخيا مصدر شرعيته. 

أما حسين بن كلالة، الذي كان يُنظر إليه قبل سنوات كوجه متمرّد على السلطة، فقد نجح في إعادة تموضعه داخل المشهد الاجتماعي والسياسي المحلي، بفضل شبكة علاقاته الممتدة خارج الحدود مع فروع الطوارق في ليبيا والنيجر، استطاع تقديم نفسه بوصفه "البديل العصري" القادر على إعادة الاعتبار للهوية الطارقية وإخراج المنطقة من دائرة التهميش. .

ولم يصدر النظام الجزائري، أي موقف رسمي من إعلان بن كلالة نفسه "أمنوكالا جديدا" وأزمة الزعامة بأزجر، وسط تجاهل للاعلام الرسمي الجزائري، ما يعكس رغبة الدولة في إدارة الأزمة بصمت، كما فعلت في نزاعات سابقة داخل الهقار أو تمنراست، كما ان الجزائر تدرك أن الجنوب يشكّل أحد أكثر مناطقها هشاشة، بسبب المساحة الشاسعة وقربها من بؤر التوتر في الساحل .

ويحضر في هذا السياق تصريح سابق للزعيم الطارقي البارز أكلي شاكا، الذي حذّر من أن الطوارق قد يحملون السلاح في وجه النظام الجزائري إذا واصل سياسة الإقصاء والتهميش، مؤكّدًا أن الجزائر تعتبر نفسها وصية على الطوارق وتتحكم في مصيرهم وثرواتهم دون أن تمنحهم نصيبهم من التنمية. 

ورغم أن هذا التصريح صدر في سياق إعلامي خاص، فإنه يعكس حجم الاحتقان الكامن في الجنوب الجزائري ، خصوصا مع تراجع الثقة بين الدولة والمجتمع الطارقي، وما يزيد من حساسية الوضع، البُعد الإقليمي المعقد، إذ تأتي الأزمة في أزجر في لحظة توتر واضح بين الجزائر ومالي، وبعد سلسلة من المواقف المتبادلة حول قضايا أمنية وسياسية، أبرزها انسحاب باماكو من اتفاق الجزائر للسلام ، وأزمة اسقاط الطائرة المالية من قبل الجيش الجزائري التي أضحت محط دعوى قضائية في محكمة العدل الدولية.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات