أخبار عاجلة

قنابل إسرائيلية تلحق أضرارا بالغة بآثار متحفية يمنيّة

176 قطعة أثرية اُنتشلت من بين حطام الخراب الذي أصاب المتحف الوطني بصنعاء، جراء الغارات الإسرائيلية في العاشر من أيلول/سبتمبر الجاري، والتي استهدفت جواره تمامًا. وكشف تقرير حديث تحصلت عليه «القدس العربي» تضُرُر 12 قطعة أثرية تضررًا بالغًا، وتعود جميعها لما قبل الميلاد؛ فيما تؤكد إدارة المتحف أن معظم مخزون المتحف تضرر وسيتضرر مستقبلاً، جراء المواد الكيميائية السامة التي حملتها القنابل الإسرائيلية، والتي قتلت في جوار المتحف 32 صحافيًا وإعلاميًا، وسوت مبان بالأرض، بينما كانت الأضرار بمبنى ومعروض ومخزون المتحف كبيرًة؛ لا يمكن تجاوزها.
لقد تغير كل شيء؛ فالمتحف الذي أُعيد افتتاحه في نيسان/أبريل الماضي بعد إغلاق طويل، تتسبب قنابل إسرائيلية ليس في إغلاقه وحسب، بل في إلحاق أضرار بالغة في مبناه ومقتنياته؛ وهو ما يمثل جريمة حرب؛ باعتبارها نالت مما يمثل مخزونًا ثقافيًا للذاكرة الجمعية للبلد.
مبنى المتحف، وهو مبنى تاريخي تضرر كثيرًا؛ فسقوفه تأثرت، وبينما سقط بعض طبقات تلك السقوف هبط بعضها، أما معظم النوافذ فقد لحق بها ضرر كبير؛ لدرجة لا تشعر أن ثمة نافذة بقيت سليمة؛ وهو ما يظهر للزائر في واجهة المبنى. وكذلك الأبواب، بينما تكسرت فترينات العرض جميعها، وتضررت قطع أثرية.
لقد تحول المبنى، بما فيه، إلى حالة من الخراب، جراء القنابل الإسرائيلية التي لم تستهدف المبنى بشكل مباشر، وإنما استهدفت مبان ومرافق صحيفة «26 سبتمبر» في دائرة التوجيه المعنوي التابعة لوزارة الدفاع؛ وهي المرافق المجاورة تمامًا لمجمع المتحف، الذي جميع مبانيه تاريخية؛ فكان نصيب المتحف من الأضرار الكثير.
بمجرد أن تدلف من شارع الشهيد علي عبد المغني، عبر البوابة الرئيسية للمجمع المتحفي، وتتجاوز ممر المدخل ستفاجئ بمنظر يضطرب له فؤادك؛ إذ أن واجهة المبنى الرئيسي لم تعد كما كانت! فالنوافذ تساقطت وآثار الدمار واضحة للعيان.
وفي عمل إنقاذي سريع تم استبدال بعض النوافذ بألواح خشبية من الداخل، وبعضها بمقاطع حجرية؛ بما يسمح بدخول بعض الإضاءة والتهوية.
المرافق المحيطة بالمبنى الرئيسي، وبالذات في الناحيتين الشرقية والغربية تأثرت واجهاتها، مثلما تأثرت واجهات المبنى الرئيسي (المتحف).
بمجرد أن تضع قدميك في بهو الصالة الرئيسية للطابق الأول ستجد التراب والغبار يغطي كل شيء، بما فيها تمثالا ملك مملكة سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات، ذمار علي وابنه ثاران، وكذلك تمثال هوثر عثث، وغيرها من القطع الأثرية؛ في إشارة إلى مدى تضرر المبنى؛ أي لم يعد كل شيء كما كان؛ فكل شيء صار في حالة من الضرر الكبير.
عملت إدارة الهيئة العامة للآثار والمتاحف وإدارة المتحف على تنفيذ مشروع إنقاذي ما زال مستمرا؛ لتحريز مقتنيات العرض المتحفي، ورفع تقرير بما صار عليه حالها؛ جراء تأثيرات الضربة الإسرائيلية؛ وهو وضع يؤلم النفس! فهذه الآثار تمثل جزءًا أصيلُا من ذاكرة اليمن الجمعية. في هذا المبنى المكوّن من خمسة طوابق، بالإضافة إلى عدد من المرافق، تم إعادة افتتاح المتحف الوطني عام 1971 كثاني متحف أفتتح في اليمن، بعد المتحف الذي افتتح في عدن عام1937؛ وقد شهد هذا المجمع مشاريع ترميم وتوسيع وتطوير ثقافي، لكنها تعثرت لاحقًا بسبب الحرب.
تأتي خطورة ما تعرض له مؤخرًا جراء الضربة الإسرائيلية انطلاقًا من أهميته، باعتباره أهم وأكبر مجمع متحفي يمنيّ، ويتفرد باحتوائه على مجموعات من نفائس آثار اليمن، ومنها ما يعود للقرن العاشر قبل الميلاد.
اُعيد افتتاح هذ المتحف الواقع وسط العاصمة صنعاء في 28 نيسان/أبريل الماضي، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، جراء الحرب المستعرة هناك منذ أكثر من عشر سنوات، والتي تسببت، للأسف، في إغلاق 23 متحفًا حكوميًا؛ بينما ما زال الكثير مغلقًا، وتضرر بعضها كثيرًا، بما فيها متاحف تعرضت لغارات جوية من طائرات التحالف، كمتحف ذمار الإقليمي الذي دُمر تمامًا.

القطع الأثرية

وللتعرف إلى حجم المخاطر والأضرار التي تعرضت له القطع الأثرية في المتحف الوطني جراء الضربة الإسرائيلية، كشفت مدير عام المشاريع الرقمية في الهيئة العامة للآثار والمتاحف، آمال الخاشب، لـ«القدس العربي» أن «عدد القطع المنتشلة من بين الحطام بلغ (176) قطعة أثرية، تضررت (12) قطعة منها بشكل كبير نتيجة الكسور بمختلف أنواعها».
وأضافت: «تشمل هذه القطع: تماثيل برونزية آدمية وحيوانية، أدوات برونزية، مذبح ومباخر وأواني حجرية ومرمرية».
وأشارت إلى «قطعة واحدة لسهم برونزي تكسر لجزئين معروض في قاعة المعارض ضمن معرض حماية التراث مسؤولية الجميع».
وأردفت: «كما تعرضت النقوش الكبيرة في قاعة النقوش لأضرار نتيجة تطاير الشظايا».
وأوضحت أن جميع القطع المتضررة تعود في تاريخها إلى ما قبل الميلاد، بما فيها تمثال سيدة البخور التي انكسرت يديها الإثنتين والأصابع.
كما أشارت إلى تمثال انكسرت يده اليمني إلى 89 جزءا. وقالت إن مصدر هذه القطعة هو مأرب، وتحديدًا معبد آوام، موضحة أن ارتفاع التمثال نحو 50 سم، ويعود للقرن السادس قبل الميلاد.
وأوضحت: «هو تمثال لرجل واقف يرتدي إزاراً تلتقي أطرافه في الأمام وعلى الساق اليسرى ثبت الإزار بحزام في الخصر، الذراعان مثنيتان عند المرفق، اليد اليمنى مرفوعة والكف مبسوط، واليد اليسرى تقبض بشيء ما. بعض المتخصصين رجح أن تماثيل معبد آوام تمثل المعبود (إلمقه) على أساس أن هذه التماثيل قُدمت للمعبود، وفي معبده، وعلى أساس حركة اليد المرفوعة للمباركة، أما البعض فيرى أن حركة اليد إشارة تعبد وصلاة».
وذكرت «أن الاضرار التي لحقت به: تكسر اليد اليمنى من تحت الكتف إلى 89 جزءا، وتشققات في الصدر واليد اليمنى والرقبة وعدة مناطق في بدن التمثال».

مبنى المتحف ومخزونه

بينما اُفتتح المتحف الوطني بصنعاء لأول مرة في مستهل السبعينيات في قصر دار الشكر المجاور، أُعيد افتتاحه في الثمانينيات في قصر دار السعادة.
وتعد هذه الدار أحد المباني التي شيّدها العثمانيون في صنعاء، وهو المبنى الذي حوّله الإمام يحيى بن حميد الدين ملك المملكة المتوكلية اليمنية في النصف الأول من القرن العشرين قصرًا له، واسماه دار السعادة.
عن الأضرار التي لحقت بالمبنى جراء الضربة الإسرائيلية؛ يقول رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف، عُباد الهيال، لـ«القدس العربي»: «مبنى التحف قديم، والقنابل الإسرائيلية ألحقت به ضررًا بليغًا، وتسببت في خلخلة هيكله، فهناك خلخلة في السقوف، وبعض السقوف هبطت، وتشققات في الجدران، كما ألحقت الضربة ضررًا كبيرًا في مخزون المتحف الأثري؛ فبعض الشظايا ضربت أحد المستوعبات على سبيل المثال، وما زال المستودع تحت الفحص، كما تضررت قطع أثرية».
وأضاف: «في يوم الضربة تحول لون التراب إلى مائل للزرقة، نتيجة ما تحمله القنابل من مواد كيميائية».
بينما قال مدير عام المتحف وكيل الهيئة، إبراهيم الهادي، لـ«القدس العربي» إن مبنى المتحف أصبح هيكلًا فارغًا، ولم يعد هناك نوافذ وأبوات صالحة، كما كانت، وهناك تشققات في المبنى، كما تسببت الضربة في انقطاع الكهرباء تمامًا عن المتحف.
وتحدث عن أضرار في القطع الأثرية، وأخطر تلك الأضرار، والتي لم يتنبه لها أحد- كما يقول- «ستكون واضحة في المستقبل، ومتمثلة في تأثير المواد الكيميائية السامة التي حملتها القنابل، والتي ستؤثر مستقبلًا على القطع الأثرية».
وأكدَّ أن المخزون الأثري للمتحف كله تأثر بشكل غير مباشر، وخاصة فيما يتعلق بتأثره بالمواد الكيميائية السامة للقنابل.
وقال إن ما تعمله إدارة المتحف حاليًا «هو عملية انقاذ أولية؛ فالكهرباء لم تعد موجودة، والحماية لم تعد متوفرة، ويتم تحريز المبنى والمخازن، حتى لا يتعرض للسرقة، وهذا التحريز يتمثل في سد النوافذ بمقاطع حجرية، بما يسمح بدخول الضوء والتهوية الملائمة»، مضيفا «أن القطع الأثرية بحاجة إلى ترميم وتنظيف تام وإزالة الترسبات التي عليها».
يقع المتحف الوطني في منطقة بستان المتوكل، وهي منطقة واقعة خارج سور مدينة صنعاء القديمة، وتنتمي لما تُعرف بمدينة صنعاء التاريخية، ويُرجِع مؤرخون تاريخ هذا الحي إلى القرن التاسع عشر الميلادي، ويخص مؤرخون ببعض الخصوصية فترة حكم الوالي العثماني أحمد أيوب باشا، لاهتمامه ببناء القصور الأميرية، ومنها هذا القصر، الذي كان في الأصل مستشفى للجنود العثمانيين، وكان اسمه، حينها، بيمارستان.

الخصوصية الثقافية

وتنطلق الخصوصية الثقافية للمتحف الوطني بصنعاء مما يحتويه من مجموعة القطع الأثرية والنقشية من مواقع الجوف، والتي تعود في بعضها إلى الألف الأول قبل الميلاد. ومن أقدم القطع الأثرية التي يضمها المتحف الوطني، على سبيل المثال، تمثال معد كرب، الذي يعود لما بين القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد.
يقول وكيل الهيئة القائم بأعمال مدير المتحف الوطني، إبراهيم الهادي، إن المتحف الوطني بصنعاء يمثل أهم مخزون متحفي على مستوى اليمن؛ وقد شهد مشاريع عديدة، لكنها لم تكن تكتمل، ولم تكن كافية.

أجنحة المتحف

فيما يقول مدير عام الشؤون الهندسية بالهيئة العامة للآثار والمتاحف، محمد قاسم الشميري، إن الكلفة التقديرية لإعادة تأهيل المتحف تقدر في حدود ثمانية ملايين ريال (16 ألف دولار تقريبًا)، وفي حدود ثلاثين مليون ريال (60 ألف دولار تقريبا) ما يخص المبنى، وحوالي 45 مليون ريال (90 ألف دولار تقريبا) مع المرافق.
لو عدنا لوضع المتحف قبل الضربة الإسرائيلية وما كان يضم، عند إعادة افتتاحه مؤخرًا، فقد كان يضم معروضات أثرية في طابقين؛ ففي الطابق الأول ما زال هناك تمثالان برونزيان لملكين عظيمين من ملوك مملكة سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وأعرابهم؛ وهما الملك ذمار علي يهبر، وابنه الملك ثاران يهنعم؛ واللذين يعود تاريخها للقرنين الثالث والرابع الميلادي، ويرجعا إلى فترة حكم مملكة حِميّر. بالإضافة إلى هاتين القطعتين ما زال هناك تمثال برونزي لـ«هوثر عثث» وهي شخصية سبئية هامة. كما أن هناك تمثالا برونزيا لأسد في وضعية وقوف، يرجع للقرنين الخامس والسادس الميلادي في عصر مملكة قتبان في شبوة (شرق).
كما كان يوجد في الطابق الثاني من المتحف قطع أثرية ونقوش من تاريخ ممالك اليمن القديم، ومنها (سبأ، حمير، معين، حضرموت). لقد تعرض هذا الطابق لأضرار كبيرة جراء الضربة الإسرائيلية؛ فالتشققات ظاهرة في السقوف والجدران، والأضرار واضحة فيما تبقى من قطع أثرية لم يشملها التحريز. أما آثار العصر الإسلامي فتم نقلها إلى جناح في أحد مرافق المجمع المتحفي، كما تم نقل جزء من آثار التراث الشعبي إلى متحف الموروث الشعبي المجاور للمتحف الوطني.

جريمة حرب

استهداف الآثار والمتاحف والمعالم الثقافية تمثل جريمة حرب في نصوص قانونية دولية رئيسية مثل اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح عام 1954 وبروتوكولاتها الملحقة، بالإضافة إلى البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف لعام 1977، التي تُبطل استخدام الممتلكات الثقافية لأغراض عسكرية، واتفاقية اليونسكو لعام 1970 التي تجرّم الإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.
وقد اعتبرت قرارات المحكمة الجنائية الدولية، لاحقاً، تدمير التراث الثقافي جريمة حرب.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر «إن الممتلكات الثقافية محمية في أوقات النزاع المسلح بموجب معاهدات محددة وخاصة البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف المؤرخين في عام 1977 واتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكوليها وكذلك القانون الدولي الإنساني العرفي».
وأضافت: «تلتزم الدول الأطراف بموجب القانون الدولي الإنساني بملاحقة ومعاقبة من تثبت إدانتهم بارتكاب انتهاكات خطيرة للأحكام المشار إليها. وتقضي المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بأن الانتهاكات الخطيرة تشكل جرائم حرب. وهناك حالات قليلة جدًّا من هذه النوعية حتى الآن، ولكن يمكننا أن نلاحظ بوضوح بأن هناك قلقًا متزايدًا من هذا النوع من جرائم الحرب واهتمامًا بملاحقة مرتكبيها».
أما لماذا تكتسي الممتلكات الثقافية أهمية كبيرة في خضم انتهاكات القانون الدولي الإنساني المرتكبة ضد حياة البشر والهياكل الأساسية الحيوية؟ فتقول اللجنة الدولية: «لا فرق بين احترام كرامة السكان واحترام ثقافتهم. فالهجمات المتعمدة على الممتلكات الثقافية هي دلالة على انتهاك الحرمات، ويمكن أن يتخذ ذريعة أو عذرًا لارتكاب انتهاكات أسوأ، وكثيرًا ما تكون هذه هي البداية».
وأضافت: «فتدمير الممتلكات الثقافية لا ينطوي على تدمير لكنائس أو مكتبات على سبيل المثال بل تدمير لهوية مجتمع بأسره. لهذا السبب، يأتي الدفاع عن الممتلكات الثقافية للسكان وما يتضمنه من احترام لكرامتهم في قلب العمل الإنساني، الذي يهدف إلى حماية السكان أنفسهم. علاوة على ذلك، بات الناس أكثر وعيًا بالآثار طويلة الأمد والجسيمة الناتجة عن تدمير الممتلكات الثقافية لا سيما أثناء عملية إعادة العلاقات بين الأطراف المتحاربة في السابق وإعادة المصالحة في المجتمعات التي مزقتها الحرب».

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات