من المقرر أن يجتمع المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابنيت)، مساء الخميس، في مقر قيادة فرقة غزة (جنوب)، للمصادقة على خطط عملية “عربات جدعون 2” الرامية إلى احتلال مدينة غزة. وتستغرق هذه العملية، وفق التقديرات، عدة شهور، بمشاركة نحو 130 ألف جندي احتياط بدأت سلطات الاحتلال بإرسال مذكرات استدعاء لهم.
بالتزامن مع ذلك، لم ترد إسرائيل بعد على مقترح صفقة جزئية قدّمها الوسطاء ووافقت عليها حركة “حماس”، لكنها في الوقت ذاته لم تعلن رفضها لها. وتشير تقارير إلى وجود اتصالات سرية قد تفضي إلى إرسال بعثة مفاوضات إلى الدوحة، حسبما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية. ويرى محلل الشؤون الاستخباراتية في الصحيفة، رونين بيرغمان، أن نتنياهو يتجه لإطلاق حملة “عربات جدعون 2” بالتوازي مع المفاوضات للضغط على “حماس” وتحسين شروط الصفقة لمصلحة إسرائيل.
ويستفيد نتنياهو، وفق محللين، من الدعم الأمريكي المتجدد، حيث صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن “نتنياهو رجل طيب وبطل”، مؤكداً أن استعادة المختطفين لن تتم إلا عبر تدمير حركة “حماس”. أما السفير الأمريكي في القدس المحتلة، مايك هاكابي، فقال في حديث للإذاعة العبرية إن واشنطن “لن تضغط على إسرائيل لقبول الصفقة، فهي تعرف كيف تحمي مصالحها اليوم وغداً”.
داخلياً، يستغل نتنياهو أيضاً ضعف المعارضة الإسرائيلية، حيث أعلنت مصادر في حزب بيني غانتس عن استعدادها للانضمام إلى الحكومة من أجل تمرير الصفقة، رغم معارضة وزراء متشددين مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
من يقود من؟
يثور التساؤل: هل تعطيل الصفقات واستمرار الحرب – التي تُعد الأطول والأكثر دماراً للفلسطينيين والأعلى كلفة للإسرائيليين منذ نكبة 1948 – هو قرار شخصي من نتنياهو، أم أنه نتيجة ضغوط شركائه المتشددين؟
كثير من المراقبين يرون أن نتنياهو يفضّل البقاء في الحكم على حساب ما يسمّى “المصالح العليا” لإسرائيل، بما في ذلك توسيع “اتفاقات أبراهام”. فتصريحاته وخطواته توحي بأنه لا يريد اتفاقاً يوقف الحرب قبل تحقيق أهدافه غير المعلنة، وعلى رأسها الانتقام من الفلسطينيين، محو أثر عملية “طوفان الأقصى” بالحديد والنار، ومحاولة فرض واقع جديد عبر إيقاع نكبة ثانية وربما إعادة بناء الاستيطان في قطاع غزة.
بحسب هؤلاء المراقبين، يتحرك نتنياهو بدوافع أيديولوجية تهدف إلى “كيّ وعي” الفلسطينيين والإسرائيليين، بينما توفر له الحرب مكاسب سياسية داخلية، شخصية وحزبية. وفي مواجهة الضغوط الخارجية – خاصة الأمريكية – يلجأ نتنياهو إلى الاحتماء بمواقف سموتريتش وبن غفير لتبرير استمرار الحرب.
“نتنياهو يقودنا إلى الهاوية”
رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك شنّ هجوماً جديداً على نتنياهو، مؤكداً أنه يقود إسرائيل نحو الهاوية. وفي مقال له على موقع القناة 12 العبرية، وصف باراك العملية المخطط لها في غزة بأنها “فخ موت”، معتبراً أن حركة “حماس” ليست مهدَّدة بهذه العملية، بل سترحب بصور الدمار والقتل لأنها تحوّل هزيمتها العسكرية السابقة إلى إنجاز سياسي ودولي يتمثل في إدانة إسرائيل عالمياً.
وأضاف باراك أن “لا شيء يمكن أن يرهب حماس بقتل المزيد من المدنيين أو بتسوية غزة بالأرض، فقياداتها تعيش أصلاً في الجحيم. أما القضاء الكامل على الحركة فهو أمر مستحيل، لأنها متجذرة وسط ملايين المدنيين”.
وبينما أيّد باراك الخطة المصرية لإدارة غزة بعد الحرب، أكد أنها “الوحيدة القادرة على منع عودة حماس للحكم”، مشيراً إلى أن نتنياهو عرقل هذه الخطة منذ اليوم الأول للحرب، رغم قابليتها للتنفيذ حتى الآن. وبرأيه، فإن حماس لا تخسر شيئاً من استمرار الدمار، بل تراهن على أن يُغرق إسرائيل في مأزق سياسي وأخلاقي أمام العالم.
وتابع باراك أن نتنياهو يهرب من وصمة العار التي لاحقته منذ هجوم 7 أكتوبر، بعد أن فقد ثقة أغلبية الإسرائيليين، وهو يحاول تعويض ذلك بمغامرة عسكرية خطيرة قد تفضي إلى كارثة. وأردف: “الضرر الذي لحق بمكانة إسرائيل الأخلاقية والسياسية سيستغرق إصلاحه جيلاً أو جيلين، ولن يحدث ذلك إلا بإسقاط هذه الحكومة والعودة إلى مسار الدولة الصهيونية – اليهودية – الديمقراطية كما نصّت وثيقة الاستقلال”.
الأثمان الباهظة
وختم باراك بالقول إن استمرار نتنياهو في رئاسة الحكومة هو أصل الأزمة الراهنة، مؤكداً أن “الأسرى لن يعودوا عبر إبادة حماس، بل سيُقتلون خلال المحاولات العقيمة لتحقيق ذلك”. وبرأيه، فإن “إسقاط نتنياهو شرط ضروري لإعادة الأسرى وإنهاء الحرب”.
في السياق ذاته، حذّرت صحيفة هآرتس في افتتاحيتها من أن أطماع نتنياهو ستُكلف إسرائيل أثماناً دبلوماسية واقتصادية باهظة، فيما دعا محللها السياسي أوري مسغاف قادة الجيش إلى “التمرّد على المستوى السياسي ورفض قراراته الجنونية”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات