عاد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إلى التأكيد على أن المخرج الوحيد للأزمة السياسية في ليبيا يبدأ من صناديق الاستفتاء، وليس من غرف التفاوض أو الترتيبات المؤقتة.
وخلال مشاركته في فعالية «أيام طرابلس الإعلامية»، شدد على أن طرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي هو الخطوة الحاسمة لبناء شرعية مستقرة تسمح بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مباشرة، معتبراً أن الليبيين يمتلكون الحق الكامل في اختيار من يقودهم عبر إجراءات ديمقراطية واضحة وقوانين دستورية معتمدة.
وهاجم الدبيبة الأطراف التي تسعى، وفق وصفه، إلى فرض رؤى سياسية أو أيديولوجية على الليبيين، محذراً من محاولات السيطرة على الدولة بقوة السلاح أو إعادة إنتاج النظام السابق بأدوات ما قبل الديمقراطية.
وقال إن مسودة الدستور التي صاغتها لجنة الستين لا يجوز أن تبقى في الأدراج، وإن جهات بعينها ما تزال تعرقل طرحها للاستفتاء، وهو ما يراه حرماناً مباشراً لليبيين من حقهم في تقرير مصيرهم.
وتوقف الدبيبة عند موقف الأمم المتحدة التي تعتبر المسار الدستوري “صعباً”، لكنه انتقد استمرار المنظمة في طرح حلول انتقالية لا تقدم نهاية حقيقية للأزمة. وأعاد التأكيد على أن الاتفاق على دستور يحدد شكل الدولة هو المدخل الضروري لشرعية لا تهتز.
ورغم أن الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور صوّتت عام 2017 لصالح مشروع دستور دائم، ظل المشروع معلقاً بسبب الخلافات حول شكل الدولة بين المركزية والاتحادية، وتوزيع الثروات، وعدد أعضاء مجلس الشيوخ، ومقر العاصمة والعلم الوطني وهي الخلافات ذاتها التي كانت من الأسباب الرئيسية في انهيار خارطة انتخابات كانون الأول/ ديسمبر 2019، وما زالت ترافق العملية السياسية حتى اليوم، في ظل وجود حكومتين تتنافسان على الشرعية وتعمّقان الانقسام.
وبينما يرفع الدبيبة شعار العودة إلى المسار الدستوري، فإن الواقع الأمني في غرب ليبيا يقدّم صورة أكثر اضطراباً إذ تتواصل بؤر التوتر المسلح في المدن الساحلية، في ظل غياب قدرة الأجهزة الأمنية على فرض سيطرة موحدة وجاءت مدينة الزاوية مجدداً في صدارة المشهد بعد تجدد الاشتباكات بين مجموعات مسلحة، وسط غياب تام لأي تعليق رسمي من حكومة الوحدة.
وانتشرت المركبات المسلحة في شوارع المدينة وسمع السكان أصوات إطلاق نار متقطع، فيما أغلقت طرق رئيسية بالسواتر الترابية، من بينها كوبري الخضرة الذي حاول مسلحون قطعه بإشعال الإطارات وبحسب المتحدث باسم جهاز الإسعاف أسامة علي، أُغلق الطريق الساحلي بالكامل، ما أدى إلى شلل شبه تام في الحركة بين مناطق الغرب
وتفاقمت المخاوف بعد إعلان المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وفاة طفل كان قد أصيب خلال اشتباكات الأسبوع الماضي في منطقة الحرشة، التي اندلعت عقب مقتل أحد عناصر «الكتيبة 103» المعروفة باسم «السلعة»، الخاضعة لإمرة عثمان اللهب، عندما تعرض رتل يتبعها لإطلاق نار أثناء مروره بالطريق الساحلي.
وكانت تقارير سابقة قد وثّقت أن الزاوية تحولت إلى نقطة اشتباك دائم بفعل تنافس المجموعات المسلحة على طرق تهريب الوقود والمهاجرين، إضافةً إلى الصراعات الانتقامية والاعتقالات المتبادلة.
كما أشارت إلى أن موقع المدينة الاستراتيجي، بما فيه المصفاة والميناء والطريق الساحلي، جعل السيطرة عليها هدفاً اقتصادياً وسياسياً للتشكيلات المسلحة التي ترتبط اسمياً بالحكومة لكنها تعمل فعلياً باستقلالية ميدانية واسعة.
وامتدت الاضطرابات إلى مدينة صبراتة التي شهدت عملية نوعية نفذها جهاز مكافحة التهديدات الأمنية انتهت بمقتل أحمد الدباشي المعروف بـ»العمو»، أحد أبرز القادة المحليين.
وقال الجهاز إن العملية جاءت رداً على هجوم مسلح استهدف إحدى بواباته قرب تقاطع المستشفى وأدى إلى إصابة ستة من عناصره بجروح بليغة.
وشهدت المدينة اشتباكات عنيفة في عدة محاور، بينها طريق المستشفى والتنارة والدبابشية وجزيرة النخلات ومنطقة خرسان، وسط انتشار أمني مكثف.
وأوضح الجهاز أن قواته داهمت وكراً تابعاً للمجموعة المسلحة التي يقودها الدباشي، حيث قُتل خلال العملية وأُلقي القبض على شقيقه، مؤكداً أن عملياته ستستمر لتعقب كل العناصر التي تهدد أمن المدينة.
وتتقاطع هذه التطورات مع ما سبق رصده في تقارير سابقة لمشهد أمني شديد السيولة تتوزع فيه السيطرة بين مجموعات مسلحة لكل منها نفوذها وامتداداتها، بينما تعجز الدولة عن فرض مظلة أمنية موحدة ويرتبط هذا الواقع بالأزمة السياسية المزمنة والانقسام المؤسساتي وتعثر المسار الدستوري الذي يعاد طرحه اليوم كمدخل وحيد للحل.
وبين خطاب الدبيبة الداعي إلى دستور جامع وبين الميدان المشتعل في الزاوية وصبراتة، تبقى ليبيا أسيرة المفارقة ذاتها: دولة تبحث عن شرعية مستقرة بينما تُدار شوارعها بقواعد القوة والسلاح.
الدبيبة يعبر عن تمسكه بالمسار الدستوري

تعليقات الزوار
لا تعليقات