عاد مؤخرًا، الحديث عن إعادة بعث الصناعة الكهرومنزلية للوجود في الجزائر، بعدما كان شبه مجمد منذ أزيد من ثلاث سنوات، وجاءت حالة الركود التي شهدتها شعبة الصناعة الإلكترونية والكهرومنزلية في أعقاب انفجار فضائح تركيب السيارات، ووقف نشاط التجميع، والذي أطلق عليه سابقًا "نفخ العجلات"، وسجن المتعاملين المتورطين في الاستفادة من الامتيازات غير المستحقة، حيث دفع منتجو التجهيزات الكهرومنزلية الثمن أيضًا، بسبب تشابه الصيغة القانونية لنشاط تركيب السيارات وتلك المتعلقة بالتجهيزات الكهرومنزلية والإلكترونية.
ويأتي ذلك بعد قرار وقف استيراد أجزاء "أس كا دي" و"سي كا دي" وإزاحة الامتيازات والإعفاءات الجمركية التي كان يظفر بها أصحاب المصانع، حيث ما فتئت تمر أشهر قليلة عن تجميدها، حتى توقف الإنتاج بشكل شبه كلي وشرع المتعاملون في تسريح العمال، وارتفعت قيمة التجهيزات الكهرومنزلية بنسبة 80 بالمائة.
كما اختفت الهواتف النقالة من السوق بفعل وقف تركيبها محليًا، وتجميد استيرادها، وأصبح الظفر بهاتف نقال يستلزم اقتناء ذلك المستورد بطرق غير قانونية عبر تجارة "الكابة" أو "الشنطة"، بسعر مضاعف ودون الاستفادة من أية خدمة للضمان أو ما بعد البيع.
ويجمع متعاملون على أن توقيف هذا النشاط أعاد صناعة التجهيزات الكهرومنزلية إلى النقطة صفر، في وقت كان يفترض أن تحتفل هذه الشعبة اليوم بـ 22 سنة من الوجود، وتصبح قادرة على إنتاج تلفزيون أو ثلاجة جزائرية بنسبة مائة بالمائة، خاصّة وأن هذا النشاط مؤطر وفق المرسوم التنفيذي الصادر سنة 2000، والذي يتيح للخواص الاستثمار في هذا القطاع وينظم العملية.
وبعد اخذ وشد ولقاءات عديدة مع الوزارة الوصية، وهي وزارة الصناعة، يطالب المتعاملون بالإفراج عن دفتر شروط جديد، يحمي الاقتصاد الوطني ويصحح طرق احتساب نسبة الإدماج ويعالج كيفية التعامل مع المصنعين وفق شروط معقولة وقابلة للتجسيد، كما يرفض هؤلاء دفتر الشروط الصادر في حقبة وزير الصناعة السابق فرحات آيت علي ويصفونه، بالمتضمن للعديد من التناقضات والمغالطات.
عودة الإنتاج.. ومبشرات في الأفق
وفي السياق يؤكد المدير العام لمجمع "إيريس" جمال قيدوم في حديث لـ"الترا جزائر"، أن إنتاج التجهيزات الكهرومنزلية شهد خطوات جديدة خلال الفترة الماضية، حيث فتحت وزارة الصناعة الأبواب للمهنيين وللمنظمة الجزائرية لمنتجي التجهيزات الكهرومنزلية، التي تضم قرابة 20 متعاملًا، واستمعت إلى انشغالات هؤلاء، لاسيما فيما يتعلق بدفتر شروط التصنيع، وتم تقديم مقترحات تتيح لهذه الشعبة تحقيق نسبة إدماج معقولة، خلال الاشهر المقبلة، من خلال التركيز على النوع والكم وليس المبلغ المالي في احتساب الإدماج، وبرر ذلك بأن المبلغ المالي متغير بتغير فاتورة النقل البحري وسعر الدينار وأسعار الشحن، في حين أن نسبة الإدماج التي تحتسب وفقًا لما ينتجه المتعامل محليًا من حيث ما يتم تقديمه كمدخلات للإنتاج وليس سعر هذه القطع.
وسيساهم هذا المقترح، يقول قيدوم، على هامش ندوة صحفية عقدها بالجزائر العاصمة بتاريخ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، في اعتماد طريقة صحيحة لتحديد مدى قدرة المتعامل على إنتاج جهاز جزائري سواء كان تلفازا أو ثلاجة أو أي صنف آخر.
ويشدد جمال قيدوم على أن صدور دفتر شروط تصنيع السيارات خلال الفترة الماضية، وفق مقاربة تعتمد نفس هذه الرؤية يوحي بأن وزارة الصناعة ستنتهج هذا المبدأ في إعادة بعث الصناعة الكهرومنزلية مستقبلًا، وهو التوجه نفسه الذي تم اعتماده لتطوير الصناعة الصيدلانية، مضيفًا "هناك بوادر توحي بتحسن الوضعية خلال المرحلة المقبلة واستئناف الإنتاج بشكل أحسن من السابق".
وأضاف قيدوم: "اليوم تجاوزنا مرحلة كورونا بنجاح واستطعنا إعادة بعث المنتوج الجزائري في السوق، ونتوقع خلال الأيام المقبلة تحقيق قفزة مهمة في هذا الإطار".
وعن سبب ارتفاع أسعار الهواتف النقالة، أرجعه المتحدث إلى انتشار تجارة "الشنطة" التي تعد الوسيلة الوحيدة لتمرير هذه التجهيزات للسوق، مشددا على انه تم مطالبة الحكومة بالسماح للمتعاملين بتركيب هذه الهواتف محليا دون الاستفادة من أية امتيازات جمركية عند استيراد أجزاء "سي كا دي" و"أس كا دي"، أي خلافًا لما كان في الماضي، وفتح استيراد أيضا هذه الهواتف لمنح خيارات أكبر للزبون وبسعر أحسن، مع ضمان خدمات ما بعد البيع، كما ستتم عملية الاستيراد تحت عين ومراقبة الدولة، وبعيدًا عن أية تجاوزات.
نواب يطالبون بتشجيع شعبة الصناعة الكهرومنزلية
وفي السياق يؤكّد عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني هشام صفر في تصريح لـ"الترا جزائر" أنه آن الاوان اليوم لإعادة بعث شعبة صناعة التجهيزات الكهرومنزلية التي حققت إنتاجًا معقولًا خلال السنوات الماضية، رغم كل الانتقادات التي طالتها والنقائص التي رافقت المشروع في بدايته، مشددًا على أن الأسعار كانت على الأقل في متناول المواطن.
ويشدد المتحدث على أنه آن الأوان اليوم لإعادة بعث هذه الصناعة وفق اسس صحيحة، بعيدة عن احتكار مجموعة من الصناعيين للقطاع، مقابل إعفاءات جمركية وامتيازات جبائية على غرار ما حدث في حقبة النظام السابق، بل يجب حسبه، منح رخص الإنتاج لمن يستحقها، والسعي جديًا لتحقيق نسبة إدماج متنامية تدريجيًا مع توفير المنتوج وطنيًا بأسعار معقولة والعمل مستقبلًا حتى على تصدير هذه المنتجات نحو الخارج، وهي التجربة التي نجحت لعدد من المتعاملين اليوم حيث يصدرون نحو أوروبا وإفريقيا وأمريكا ودول عربية مختلفة، ناهيك عن توظيف عدد معتبر من اليد العاملة الجزائرية، على حدّ قوله.
ويدعو صفر أيضًا إلى مراعاة مدى جودة المنتوج، وذكّر في السياق، بمجد الصناعة الكهرمنزلية للشركات الجزائرية العمومية في ثمانينات القرن الماضي، حيث صنع المتعامل "إيني" و"أونيام" و"كهرباء الجزائر" تجهيزات ذات جودة عالية، في حين تغرق هذه الشركات اليوم في الديون والعجز المالي، داعيًا إلى خطة لإنقاذها وإعادة بعثها بشكل تنافسي من جهة، ولا يرهق خزينة الدولة من جهة أخرى.
"كلوستر" خاص على مستوى وزارة الصناعة
وبين كل هذه التجاذبات قامت وزارة الصناعة بتأسيس "كلوستر" او تجمع مهني لصناعيي التجهيزات الكهرومنزلية، تم استقباله على مستوى الوزارة وفق مصادر "الترا جزائر" ثلاث مرات لغاية الساعة، حيث يرتقب الإفراج عن ميثاق لنشاط المتعاملين قريبا ودفتر شروط ينظم عمل الفاعلين في القطاع ويحدد الحقوق والواجبات للمهنيين، وكيفية تحقيق نسبة الإدماج المطلوبة، والضمانات اللازمة لحماية المستهلك ومخططات التصدير للمرحلة المقبلة.
وفي النهاية يسعى المتعاملون إلى تحقيق صناعة كهرومنزلية متكاملة، في وقت يحلم الجزائريون باقتناء تلفاز أو ثلاجة جزائرية بنسبة مائة بالمائة، وهو ما سبق وأن نادى به الرئيس في خطاب له عند تنصيب أعضاء المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، شهر أيلول/سبتمبر 2021 قائلًا: "نريد صناعة حقيقية قائمة على إنتاج تجهيزات كهرومنزلية جزائرية بصفة كاملة".
تعليقات الزوار
لا تعليقات