أخبار عاجلة

جدل واسع في الأوساط السياسية والحقوقية حول مقترح قانون التجريد من الجنسية في الجزائر

يثير مقترح قانون الجنسية الجزائرية الجديد، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والحقوقية، تزامنا مع شروع لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني في دراسته، وسط تأكيد رسمي على طابعه الاستثنائي والخاص لحالات معينة.

وفي اجتماع للجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالغرفة الأولى للبرلمان، تم الاستماع إلى عرض قدمه النائب هشام صفر صاحب اقتراح القانون، بحضور وزير العدل حافظ الأختام لطفي بوجمعة، وعبد الغني تومي رئيس المجموعة البرلمانية للتجمع الوطني الديمقراطي، إلى جانب إطارات من وزارتي العدل والعلاقات مع البرلمان.

وفي كلمته، أكد رئيس اللجنة أن اقتراح تعديل قانون الجنسية يندرج ضمن سياق وطني ودستوري يراعي التحولات والتحديات الراهنة، ويهدف إلى تحصين المنظومة القانونية وحماية أحد أعمدة الدولة وسيادتها.

وشدد عبد القادر تومي على أن الجنسية الجزائرية ليست امتيازا شكليا، بل التزام أخلاقي وقانوني وسياسي يقوم على الولاء للوطن والدفاع عن وحدته وأمنه. كما أوضح أن الاقتراح يضع آليات قانونية واضحة للتعامل مع الحالات الاستثنائية الخطيرة، مع الحرص على التوفيق بين حماية الدولة واحترام الضمانات الدستورية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، من خلال ضبط دقيق للإجراءات بما يمنع التعسف ويكرس دولة القانون والمؤسسات.

من جهته، قدم النائب هشام صفر عرضا تناول فيه الأهداف والمضامين الأساسية للنص المقترح، موضحا أنه يهدف إلى تكييف الإطار القانوني المنظم للجنسية مع أحكام الدستور والالتزامات الدولية ذات الصلة، لا سيما في ما يتعلق بحالات التجريد من الجنسية. وأكد أن “الوطنية الحقة تقوم على الولاء الصادق للوطن وحماية سيادته ووحدته، معتبرا أن الجنسية ليست مجرد صفة قانونية، بل رابطة انتماء ومسؤولية”.

وأوضح صاحب المقترح أن التجريد من الجنسية الجزائرية، سواء كانت أصلية أو مكتسبة، لا يعد قاعدة عامة، بل إجراء قانونيا استثنائيا ومحدودا، لا يُلجأ إليه إلا في حالات نادرة وثابتة تتعلق بالإضرار المتعمد بمصالح الوطن العليا أو التنكر الصريح لواجب الولاء. وأضاف أن المقترح لا يستهدف مبدأ ازدواج الجنسية في حد ذاته، وإنما يواجه حالات سوء استغلالها للإفلات من المسؤولية أو المساس بأمن الدولة.

وأشار النائب إلى أن النص المقترح يهدف إلى تعديل وتتميم قانون الجنسية بما يتماشى مع أحكام الدستور، خاصة المادة 36، ومع الالتزامات الدولية ذات الصلة، من خلال تأطير دقيق لحالات التجريد، مع توفير ضمانات قانونية وإجرائية صارمة تمنع أي تعسف وتكفل حقوق المعنيين.

واستعرض في هذا الإطار الأفعال الخطيرة التي يراها موجبة للتجريد، مثل المساس بأمن الدولة ووحدتها، وإظهار الولاء لدولة أجنبية مع نبذ الولاء للجزائر، والتعامل مع جهات معادية، أو الانخراط في جماعات إرهابية أو تخريبية أو تمويلها أو الدعاية لها إضرارا بمصالح الدولة.

وفي ما يتعلق بالإجراءات، أوضح هشام صفر أن التجريد يتم بموجب مرسوم رئاسي بعد توجيه إنذار لا يتجاوز 60 يوما، مع تبليغ المعني بكل الوسائل القانونية وتمكينه من تقديم ملاحظاته، مع إمكانية استرجاع الجنسية الأصلية وفق شروط محددة.

من جانبه، أوضح وزير العدل حافظ الأختام لطفي بوجمعة أن إعادة النظر في أحكام اكتساب أو فقدان الجنسية أو التجريد منها تعد إجراء استثنائيا جدا، ويطبق فقط في حالات محددة تشمل الضرر بالمصالح العليا للوطن، أو الخيانة العظمى، أو التخابر مع دولة أجنبية، أو المساس بوحدة المجتمع الجزائري.

وأكد الوزير أن النص المقترح محدود في نطاقه ويستهدف الحالات الخطيرة جدا المرتبطة بأمن الدولة ووحدتها الوطنية، مع التركيز على الأشخاص الذين يستغلون جنسيتهم الأخرى للنيل من الجنسية الجزائرية الأصلية.

في المقابل، عبّرت شخصيات سياسية وحقوقية عن مواقف ناقدة للمقترح. فقد جدد المحامي عبد الرحمن صالح، رئيس اتحاد القوى الديمقراطية والاجتماعية، تأكيده على خطورة مشروع تعديل قانون الجنسية، معتبرا أن لغة النص، من حيث الشكل، تفتقد لما وصفه بـ“الريشة القانونية”، وأن المواد صيغت بأسلوب أدبي بعيد عن الرصانة والدقة والتحديد والتجريد الذي يميز الأسلوب القانوني. كما رأى أن عددا من الأحكام جاء بصيغة فضفاضة وغير محددة، بما يفتح المجال للتأويل والتفسير بما قد يخالف إرادة المشرع.

بدوره، اعتبر يوسف خبابة، وهو نائب سابق، أن التوجه نحو التجريد من الجنسية سبق أن طُرح في الماضي وتم التراجع عنه نظرا لخطورة هذا الإجراء على الحقوق الأساسية للأفراد وحرية الرأي والتعبير.

وأبدى خبابة تخوفه من أن يكون هذا النزوع الجديد مدفوعا بنزعة القمع والعقوبة العاجلة أكثر من مراعاة المصالح العليا للبلاد، معتبرا أن المصلحة العليا، في تقديره، تقتضي ملاحقة الجاني وفقا لإجراءات القانون الدولي وإنزال العقوبة به، بدل تجريد الدولة من ولايتها عليه.

من جهتها، حذرت منظمة شعاع لحقوق الإنسان من مخاطر مشروع تعديل قانون الجنسية، معتبرة أنه يشكل توجها تشريعيا خطيرا يفتح الباب أمام المساس بحق الجزائريين في جنسيتهم الأصلية، استنادا إلى مفاهيم وصفتها بالفضفاضة، قد تُستعمل لتجريم الرأي وحرية التعبير. وربطت المنظمة المشروع بالسياق القضائي الراهن، الذي يشهد، بحسبها، توسعا في استعمال القوانين الزجرية، خاصة ضد المنتقدين والمعارضين، ولا سيما المقيمين في الخارج، مطالبة بسحب المشروع وتحييد الجنسية الأصلية عن أي إجراء عقابي.

مضمون المقترح

ووفق النص المقترح، سيصبح التجريد من الجنسية الجزائرية الأصلية، ممكنا، لكل جزائري يقيم خارج البلاد ويقوم بأفعال تضرّ بمصالح الدولة أو تهدد وحدتها الوطنية، أو يُظهر الولاء لدولة أخرى مع الإصرار على نبذ ولائه للجزائر، أو يقدم خدمات أو دعما لدولة أجنبية بقصد الإضرار بالمصالح الوطنية رغم إنذاره من قبل السلطات الجزائرية.

ويشمل التجريد أيضا كل من يواصل التعامل مع قوات عسكرية أو أمنية أجنبية أو يقدم لها مساعدات رغم الإنذار، وكل من يتعامل مع دولة أو كيان معادٍ للجزائر، أو ينخرط في الخارج ضمن جماعة إرهابية أو تخريبية أو يموّلها أو يروّج لها بما يمسّ أمن الدولة. كما يمكن تطبيق نفس الإجراء على من اكتسب الجنسية الجزائرية إذا ارتكب الأفعال نفسها داخل التراب الوطني. وحدد المقترح أن مجال التجريد يقتصر على هذه الحالات دون سواها، احتراما لحقوق الأشخاص وضمانا لعدم توسيع نطاق الإجراء خارج ما ورد في النص.

أما من حيث الإجراءات، فيتم التجريد من الجنسية الجزائرية بموجب مرسوم رئاسي يصدر بعد إنذار المعني بالتوقف عن الأفعال المنسوبة إليه في أجل لا يتعدى ستين يوما، مع تبليغه بالقرار بكل الوسائل القانونية الممكنة بما في ذلك النشر في الصحافة أو الإخطار الإلكتروني، وتمكينه من تقديم ملاحظاته ودفاعه. كما نص المشروع على إمكانية استرداد الجنسية بعد مرور أربع وعشرين شهرا على الأقل من تاريخ التجريد منها، في حال زوال الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هذا الإجراء.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات