أخبار عاجلة

مجلة يمينية فرنسية تزعم وجود يد لأردوغان في ملف تجريم الاستعمار في الجزائر

لا يزال قانون تجريم الاستعمار يصنع الحدث في الجزائر، بعد المصادقة عليه بالإجماع داخل المجلس الشعبي الوطني، وسط احتفاء واسع من قبل المجموعات البرلمانية التي وصفته بكونه إنجازا تاريخيا ومحاولات تشكيك على الطرف الفرنسي وصلت إلى حد الزعم بوجود يد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الملف.

وفي تأكيد على حالة الإجماع السياسي حول هذا المقترح، شدد المجموعات البرلمانية بالمجلس الشعبي الوطني، إلى جانب ممثل مجموعة النواب غير المنتمين، في بيان لها أهمية مقترح قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، معتبرة أن المصادقة عليه تشكل إنجازا تاريخيا يعكس وعيا جماعيا بضرورة حماية التاريخ الوطني وصون الذاكرة من أي محاولات للتشويه أو المزايدة.

وأبرز البيان أن الذاكرة الوطنية ليست مجالا للاستثمار السياسي الظرفي، بل قضية سيادية جامعة تتطلب مقاربة مسؤولة بعيدا عن الحسابات الضيقة. وأكدت المجموعات البرلمانية أن تجريم الاستعمار كان خيارا سياديا ومطلبا تاريخيا ظل حاضرا في الوجدان الوطني، معتبرة أن توثيق هذا المسار عبر نص قانوني يمثل سجلا رسميا ورسالة واضحة مفادها أن قضايا الوطن الكبرى لا يمكن معالجتها إلا بالوحدة والاحتكام إلى الحقيقة التاريخية. كما اعتبرت أن المصادقة على القانون تشكل ردا سياديا على السياسات العدائية التي تنتهجها الدولة الاستعمارية السابقة، وفق ما ورد في بيان المجلس الشعبي الوطني.

وذكّر المصدر ذاته بأن مقترح القانون جاء عقب تشكيل لجنة برلمانية مشتركة، برئاسة رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، وضمت جميع المجموعات البرلمانية إلى جانب ممثل النواب غير المنتمين، وذلك بهدف إخراج ملف تجريم الاستعمار من أي توظيف حزبي ومنحه بعده الوطني الجامع.

وأشار البيان إلى أن اللجنة أعدت مسودة أولية خضعت لنقاشات ومراجعات دقيقة، مع الاستعانة بخبراء في القانون والعلاقات الدولية، إضافة إلى استشارة الأمين العام لمنظمة المجاهدين وأبناء الشهداء ومنسق اللجنة الوطنية للتاريخ والذاكرة، لضمان قوة النص من الناحيتين القانونية والسياسية، وصون الذاكرة الوطنية.

وفي السياق ذاته، عبّرت المجموعات البرلمانية عن امتنانها لرئيس المجلس لرعايته مسار إعداد القانون، معتبرة إياه ثمرة جهد برلماني جماعي وتجسيدا لمطلب وطني جامع. وبعد استكمال مراحل الإعداد والصياغة، عرض المقترح على المجلس الشعبي الوطني وصوّت عليه النواب بالإجماع بتاريخ 24 ديسمبر الماضي، في خطوة وصفت بأنها تعكس إجماعا وطنيا حول قضية الذاكرة.

رد فعل اليمين الفرنسي

ويقابل هذا التوافق الجزائري على مقترح تجريم الاستعمار، بتشكيك لافت من قبل الأوساط اليمينية الفرنسية حول دوافعه. وفي هذا السياق، خصصت مجلة “لوبوان” الفرنسية حيزا لانتقاد النص من خلال مقالات حاولت تقديم قراءة مغايرة للسياق الجزائري. ففي مقال له، تحدث الكاتب الجزائري ـ الفرنسي كمال داود، عما وصفه بـ”أسلمة” السردية التاريخية الوطنية، في إشارته إلى مسعى تجريم الاستعمار في الجزائر.

وفي مقال آخر أكثر مباشرة، ذهبت المجلة نفسها إلى ربط المصادقة على قانون تجريم الاستعمار بما وصفته بصراع نفوذ جيوسياسي بين فرنسا وتركيا. واعتبر كاتب المقال أن القانون الجزائري، الذي يصف الاستعمار بأنه جريمة، يتجاوز بعد الذاكرة، ليصبح أداة سياسية داخلية وخارجية، مدعيا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوظف ملف الذاكرة الاستعمارية لتعزيز نفوذ بلاده في المغرب العربي ومواجهة باريس. وذهب المقال إلى القول إن أنقرة تستثمر هذا الملف في سياق أوسع مرتبط بالتوترات الفرنسية التركية، لاسيما في ما يتعلق بقضايا تاريخية أخرى.

كما أشار المقال إلى أن تبني البرلمان الجزائري للقانون يأتي في سياق أزمة علاقات بين الجزائر وفرنسا، محاولا نسب الدفع الأساسي للمشروع إلى نواب وصفتهم الصحيفة بالإسلاميين، في طرح يعتقد بوجود طرف خارجي أثر في قرار البرلمان الجزائري.

وسبق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تطرق في مناسبات عدة إلى مجازر فرنسا في الجزائر، غير أن السلطات الجزائرية لم تكن تستقبل تلك التصريحات بترحاب، بل عبّرت في مناسبتين خلال السنوات الماضية عن رفضها الصريح لاستغلال التاريخ الجزائري وذاكرة الثورة في سياقات سياسية مرتبطة بخلافات تخص دولا أخرى. لكن في السياق الحالي، لم تظهر أي تصريحات رسمية أو دلائل ملموسة تشير إلى وجود دور تركي أو تأثير خارجي، خارج الكليشيهات التي تحاول ربط بعض النواب الإسلاميين الذين كانوا فاعلين في هذا المسار التشريعي بمسألة الولاء لتركيا، وهو طرح لم تدعمه، وفق مراقبين، الوقائع ولا مسار إعداد القانون داخل البرلمان.

أهداف القانون الجزائري

يذكر أن النص الذي صوت عليه البرلمان الجزائري، يتضمن خمسة فصول تضم سبعًا وعشرين مادة، تتمحور حول تحديد أهداف النص التشريعي، وحصر جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وضبط الأحكام القانونية المتعلقة بمسؤولية الدولة الفرنسية عن ماضيها الاستعماري، إلى جانب آليات المطالبة بالاعتراف والاعتذار الرسميين، وإقرار أحكام جزائية تُجرّم تمجيد الاستعمار أو الترويج له بأي شكل من الأشكال.

ويؤسس المقترح في مادته الأولى للإطار المبدئي للقانون، من خلال التأكيد على أن الجزائر، استنادا إلى تضحيات شعبها وتمسكه بوحدته الوطنية وهويته الثقافية، تناهض الاستعمار بكل أشكاله وتدين ممارساته، وتلتزم بدعم الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى تصفيته.

أما المادة 3 فتمنح توصيفا قانونيا صريحا للاستعمار الفرنسي باعتباره “جريمة دولة”، وهو توصيف يحمل أبعادا قانونية وسياسية، لأنه يربط الانتهاكات بمسؤولية كيان سيادي، لا بأفعال معزولة. وتنسجم هذه المادة مع المادة 4 التي تلزم الدولة الجزائرية بالعمل على كشف الحقائق التاريخية المرتبطة بالاستعمار ونشرها، في تأكيد على مركزية الذاكرة والتوثيق في مقاربة هذا الملف.

ويُعد الفصل الخاص بجرائم الاستعمار، من أكثر فصول المشروع تفصيلا، حيث تسرد المادة 5 قائمة واسعة من الأفعال التي تُصنّف كجرائم، بدءا من القتل العمد والهجمات العسكرية ضد المدنيين، وصولا إلى الاستخدام المفرط للقوة والأسلحة المحرمة دوليا، بما فيها زرع الألغام والتجارب النووية. ويبرز في هذا السياق إدراج التفجيرات النووية ضمن الجرائم، مع ما تحمله من أبعاد إنسانية وبيئية طويلة الأمد، وهو ما ينسجم مع الإشارة لاحقا إلى ضرورة تنظيف المواقع الملوثة وتعويض الضحايا.

ولا تقتصر المادة نفسها على الجرائم العسكرية، بل تمتد إلى الجرائم الاقتصادية والاجتماعية، مثل السطو على خزينة الدولة، والنهب الممنهج للثروات، ومصادرة الممتلكات، وفرض القوانين الاستثنائية على الجزائريين دون غيرهم. كما تسجل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من تعذيب جسدي ونفسي، وتمييز عنصري، وحرمان متعمد من الحقوق الأساسية، والنفي والترحيل القسري، والاختطاف والإخفاء القسري، والاحتجاز خارج الأطر القانونية.

وتولي المادة 5 اهتماما خاصا بالانتهاكات الثقافية والدينية، من خلال تجريم تدنيس دور العبادة، والتنصير القسري، ومحاولات طمس الهوية الوطنية، إضافة إلى الاعتداء على حرمة الموتى والتنكيل برفاتهم، وهو ما يعكس شمولية المقاربة التي لا تحصر الجريمة في بعدها المادي فقط. وتُضاف إلى ذلك ممارسات مثل التجنيد الإجباري، وإنشاء محاكم خاصة دون ضمانات، واستخدام المدنيين كدروع بشرية.

وتأتي المادة 6 لتؤكد مبدأ عدم التقادم، حيث تنص صراحة على أن جرائم الاستعمار لا تسقط بالتقادم، بغض النظر عن صفة مرتكبيها أو أدوارهم، سواء كانوا فاعلين أصليين أو شركاء أو محرضين أو منفذين لأوامر صادرة عن سلطات استعمارية. ويمنح هذا النص للقانون بعدا ردعيا وتاريخيا، باعتبار أن مرور الزمن لا يلغي المسؤولية. وتكمل المادة 7 هذا التوجه بتجريم كل صور التعاون مع السلطات الاستعمارية، واعتبارها خيانة عظمى، في سياق يربط بين الذاكرة الوطنية والمساءلة القانونية.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات