أشعل التصويت على مقترح تعديل قانون الجنسية في الجزائر، نقاشا حادا بين معارضين ومؤيدين للنص، في ظل وجود مخاوف من المساس بحق دستوري أصيل، مقابل دعوات ترى في التعديل أداة قانونية ضرورية لمواجهة ما يوصف بالمساس الخطير بمصالح الدولة ووحدتها.
وكان المقترح الذي تقدم به مجموعة من نواب المجلس الشعبي الوطني، قد مرّ يوم الأربعاء الماضي بأغلبية مطلقة، في جلسة شهدت أيضا التصويت على مقترح قانون تجريم الاستعمار الذي نال الحظ الأكبر من الاهتمام كونه كان محل إجماع من أغلب التشكيلات السياسية والنخب.
وإثر المصادقة على المقترح، عبّر الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري عن رفضه الصريح لهذه المبادرة، معتبرا أن الأمر يتجاوز كونه إجراء عاديا أو حالة بسيطة يمكن التعامل معها بسهولة. وذهب إلى أن التصويت بالإجماع داخل المجلس الشعبي الوطني، رغم إسقاط تعديلات وصفها بالأساسية والمهمة، يعكس – بحسبه – تراجعا عميقا في الحياة السياسية، و”موت السياسة” في البلاد.
وأشار مقري إلى أن بعض تبريرات النواب للتصويت، المبنية على الخوف من اتهامهم بالتعاطف مع حركتي “الماك” و”رشاد” (تصنفهما الجزائر كحركتين إرهابيتين)، تكشف تراجعا في الحكمة السياسية، وانغلاقا في فضاء الحوار حتى داخل المجموعة الوطنية، مع غياب الشجاعة السياسية والمسؤولية الوطنية، بما قد يفتح الباب، حسب رأيه، أمام مخاطر أحادية الرأي على البلاد.
وأكد مقري أن قانون نزع الجنسية بصيغته الحالية، وباعتماده على إجراءات إدارية وعبارات فضفاضة، يمكن أن يُستعمل بتعسف كبير، وهو ما يجعله غير متناسب مع مستوى التشريع العام الذي يُفترض أن يحكم بلدا بأكمله، خاصة إذا كان مبرره، كما قال، “شطحات سياسية لأفراد لا ينالون حتى تأييد عائلاتهم”.
واعتبر أن مواجهة خيانة “الماك” (التنظيم الانفصالي) كان يفترض أن تمر عبر الملاحقة القضائية الدولية، ومعالجة الاختلالات الداخلية التي ساهمت في بروز هذه الظواهر، مع العمل على رص الجبهة الداخلية بالعدل، وترقية المواطنة، وضمان الحقوق والتنمية، مبرزا أنه كان بالإمكان حصر القانون، إن لزم الأمر، في الحالة التي قيل إنها كانت سببا في تشريعه.
وشدد مقري على أن الجنسية، في نظره، انتماء راسخ وجذور عميقة وحق أصيل، لا يُمنح كامتياز ولا يُنزع بقرار، محذرا من تحويلها إلى حق هش تحكمه التقلبات السياسية. كما أبدى تخوفه من أن تتضمن المواد المصادق عليها إمكانات استعمال لاحقة ضد معارضين سياسيين وطنيين، مذكّرا بأن القوانين لا تُشرّع لمرحلة بعينها أو لحاكم يقدم ضمانات لفظية، بل هي نصوص تمتد آثارها عبر الزمن، معتبرا أن إسقاط التعديلات التي كانت توفر ضمانات قانونية يعزز هذه المخاوف المستقبلية.
من جهته، طرح الدبلوماسي والوزير السابق عبد العزيز رحابي تساؤلات حول “الحق” و”التوقيت” في ما يتعلق بالتجريد من الجنسية الجزائرية الأصلية، ملاحظا أن المقترح المعروض ليس مشروعا حكوميا، بل مبادرة برلمانية، وأن قراءته تكشف – حسب تقديره – افتقاره إلى المنهجية القانونية، وغياب ضمانات قضائية جادة ومستقلة ومنصفة. واعتبر الرجل أن النص المقترح يتعارض بشكل صارخ مع الأحكام القانونية الدولية المتعلقة بتجريد المواطن من جنسيته الأصلية، والتي تُعد في أغلب الأنظمة القانونية حقا طبيعيا لا يُمس إلا في حالات استثنائية للغاية.
ورأى رحابي أن المقترح، فضلا عن عدم انسجامه مع الضمانات الدستورية الوطنية، يبدو استجابة لظروف ظرفية مرتبطة بقضيتي بوعلام صنصال وفرحات مهني، أكثر من كونه معالجة لمسألة وطنية جوهرية. وذهب إلى أن تضخيم ظاهرة إعلامية وصفها بالثانوية، ومنحها بعدا وطنيا ملحا، لا يتناسب مع واقع العلاقات الرسمية بين الجزائر وباريس، كما أن التركيز على “مغامر سياسي” – في إشارة إلى فرحات مهني – منحه أهمية لم يكن يحظى بها سابقا، خاصة في منطقة القبائل. وحذر رحابي من أن الانفعال السياسي والإعلامي والتعبئة المؤسسية الجارية قد تخدم، عكس المرتد منه، أهداف هذه الأطراف في الخارج، حيث تعتمد على دعم دول وجماعات معادية للجزائر.
واستحضر رحابي التجربة التاريخية بعد الاستقلال، مذكّرا بأن الآباء المؤسسين لم يلجؤوا إلى تجريد عشرات الآلاف من الحركيين (المتعاونين مع الاستعمار)، الذين وصفهم بخونة الأمة، من جنسيتهم، رغم خطورة أفعالهم، بل فرضوا عليهم قيودا إدارية محددة دون المساس بالجنسية الأصلية أو معاقبة عائلاتهم. واعتبر أن الدولة آنذاك كانت تدرك أولوياتها، وفضّلت الحفاظ على النظام العام والتماسك الوطني، مؤكدا أن مسألة الجنسية لم تتحول حينها إلى موضوع جدل وطني أو أولوية قصوى في حياة الأمة.
وأكد رحابي أن الانتماء إلى الجزائر شرف ومسؤولية في آن واحد، لكن تقدير مدى الوفاء بهذه المسؤولية يجب أن يبقى من صلاحيات العدالة وحدها، محذرا من أن تتحول الجنسية إلى موضوع نقاش تحكمه التطورات الدولية أكثر من المصالح الحقيقية للأمة. ودعا المنتخبين إلى توخي الحذر حتى لا يتحولوا إلى صدى لجدالات خارجية، بما قد يضر بالسيادة الوطنية، معتبرا أن ذلك يندرج ضمن خصائص ما سماه الحروب غير النظامية الحديثة التي تستهدف الجزائر ومؤسساتها وشعبها.
في المقابل، جاء رد المدون والإعلامي نزيم مايزة مباشرا على طرح عبد العزيز رحابي، حيث رأى أن التساؤل حول التوقيت والشرعية يستحق النقاش، لكنه شدد على أن هذا النقاش يجب أن يُدار على أسس قانونية صلبة، لا عبر مقارنات تاريخية تقريبية أو قراءات ظرفية مختزلة. وخالف مايزة رأي رحابي بالقول إن التجريد من الجنسية ليس ابتكارا جزائريا ولا شذوذا قانونيا، بل إجراء موجود، بأشكال مختلفة، في عدد من دول القانون، من بينها ألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا وكندا وفرنسا، في حالات استثنائية تتعلق بالخيانة أو الإرهاب أو الاعتداء الخطير على المصالح الأساسية للدولة.
واعتبر مايزة أن التعديلات التي أقرتها لجنة الشؤون القانونية في المجلس الشعبي الوطني أدخلت، بحسبه، تأصيلا دستوريا صريحا لهذا الإجراء، معتبرا أن ذلك مسار لا بد من الشروع فيه. كما رأى أن توصيف الجنسية الأصلية باعتبارها “حقا طبيعيا غير قابل للمساس” يحتاج إلى تدقيق، مؤكدا أن القانون الدولي لا يمنع، من حيث المبدأ، التجريد من الجنسية الأصلية، وأن النص الجزائري يشترط صراحة توفر جنسية أخرى ووقائع ذات خطورة استثنائية مثبتة قضائيا.
وردّ مايزة على استحضار ملف الحركيين بالقول إن المقارنة ذات طابع رمزي أكثر منها قانوني، مذكرا بأن سياق الخروج من حرب التحرير، وغياب دولة قانون مكتملة سنة 1962، وأولوية الاستقرار، لا يمكن أن تُتخذ معيارا قانونيا لدولة دستورية في سنة 2025. واعتبر أن ربط المبادرة التشريعية بقضايا بعينها لا ينفي مشروعيتها القانونية، لأن القوانين غالبا ما تتطور استجابة لأزمات تكشف فراغات تشريعية، خاصة في ظل ما سماه التهديدات العابرة للحدود والحروب الهجينة.
وأكد مايزة أن الانتماء الوطني، وإن كان شرفا، فإنه يقتضي أيضا حدّا أدنى من الولاء، وأن من يقطع هذا الرابط بشكل صريح ومثبت قضائيا لا يمكنه، في رأيه، المطالبة بالحماية ذاتها التي توفرها الجنسية. وذهب إلى أن التجريد من الجنسية، وإن لم يكن كافيا لوحده، يجب أن يرافقه عقاب جزائي صارم يتناسب مع خطورة الأفعال المرتكبة، معتبرا أن حماية السيادة ووحدة الدولة تقتضي صرامة القانون لا التساهل.
بدوره، عبّر المحامي سعيد زاهي عن موقف معارض لسحب الجنسية، مؤكدا أن الجنسية حق دستوري أصيل ورابطة قانونية دائمة لا يجوز تحويلها إلى أداة عقاب أو تصفية سياسية. واعتبر زاهي أنه حتى في الحالات القصوى، مثل خيانة مسؤول لقطاعات حساسة أو هروبه بأسرار الدولة وأموال الشعب، فإن الحل لا يكمن في نزع الجنسية، لأن ذلك لا يعيد الأموال ولا يكشف الشبكات ولا يردع الفساد، بل قد يريح الفاسد ويُبعده عن المحاسبة الوطنية.
وشدد على أن الدولة القوية، في نظره، لا تتخلى عن مواطنيها المخطئين، بل تحاسبهم باعتبارهم جزءا منها، عبر محاكمات جزائية كاملة، ومصادرة الأموال، وتفعيل التعاون القضائي الدولي، معتبرا أن نزع الجنسية يمثل هروبا من العدالة وضربا لمبدأ المساواة، وأن استعادة السيادة الحقيقية تكون بفرض سلطة القانون لا بنزع الانتماء.
وكان وزير العدل حافظ الأختام لطفي بوجمعة، قد اوضح أن إعادة النظر في أحكام اكتساب أو فقدان الجنسية أو التجريد منها تعد إجراء استثنائيا جدا، ويطبق فقط في حالات محددة تشمل الضرر بالمصالح العليا للوطن، أو الخيانة العظمى، أو التخابر مع دولة أجنبية، أو المساس بوحدة المجتمع الجزائري.
وأكد الوزير أن النص المقترح محدود في نطاقه ويستهدف الحالات الخطيرة جدا المرتبطة بأمن الدولة ووحدتها الوطنية، مع التركيز على الأشخاص الذين يستغلون جنسيتهم الأخرى للنيل من الجنسية الجزائرية الأصلية.
مضمون النص
ووفق النص المقترح، سيصبح التجريد من الجنسية الجزائرية الأصلية، ممكنا، لكل جزائري يقيم خارج البلاد ويقوم بأفعال تضرّ بمصالح الدولة أو تهدد وحدتها الوطنية، أو يُظهر الولاء لدولة أخرى مع الإصرار على نبذ ولائه للجزائر، أو يقدم خدمات أو دعما لدولة أجنبية بقصد الإضرار بالمصالح الوطنية رغم إنذاره من قبل السلطات الجزائرية.
ويشمل التجريد أيضا كل من يواصل التعامل مع قوات عسكرية أو أمنية أجنبية أو يقدم لها مساعدات رغم الإنذار، وكل من يتعامل مع دولة أو كيان معادٍ للجزائر، أو ينخرط في الخارج ضمن جماعة إرهابية أو تخريبية أو يموّلها أو يروّج لها بما يمسّ أمن الدولة. كما يمكن تطبيق نفس الإجراء على من اكتسب الجنسية الجزائرية إذا ارتكب الأفعال نفسها داخل التراب الوطني. وحدد المقترح أن مجال التجريد يقتصر على هذه الحالات دون سواها، احتراما لحقوق الأشخاص وضمانا لعدم توسيع نطاق الإجراء خارج ما ورد في النص.
أما من حيث الإجراءات، فيتم التجريد من الجنسية الجزائرية بموجب مرسوم رئاسي يصدر بعد إنذار المعني بالتوقف عن الأفعال المنسوبة إليه في أجل لا يتعدى ستين يوما، مع تبليغه بالقرار بكل الوسائل القانونية الممكنة بما في ذلك النشر في الصحافة أو الإخطار الإلكتروني، وتمكينه من تقديم ملاحظاته ودفاعه. كما نص المشروع على إمكانية استرداد الجنسية بعد مرور أربع وعشرين شهرا على الأقل من تاريخ التجريد منها، في حال زوال الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هذا الإجراء.
وبحسب التشريعات البرلمانية في الجزائر، يحتاج مقترح القانون بعد المصادقة عليه في المجلس الشعبي الوطني إلى موافقة الغرفة الثانية للبرلمان التي تسمى مجلس الأمة، ليصبح بعد ذلك معتمدا بشكل رسمي وساري المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية.

تعليقات الزوار
لا تعليقات