من عادتي أن أفرض على نفسي نوعا من التفاؤل أتقيد به وأنا أكتب آخر مقالاتي قبل نهاية السنة، وهو ما حاولت أن أقوم به هذه المرة كذلك، لأترك للقارئ حق تقييم منسوب التفاؤل في مقالتي اليوم، التي انطلق فيها مما ميز نشاط الهيئة التشريعية الوطنية، التي صادقت على نصي قانونين مهمين من اقتراح النواب، هذه المرة، عكس ما كان سائدا في التجربة التشريعية الجزائرية، التي تحتكر فيها الحكومة بشكل يكاد يكون كليا، اقتراح نصوص القوانين.
النص القانوني الأول يتعلق بتجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر 1830-1962، الذي تم التصويت عليه أخيرا، عكس المرات السابقة الذي كان يكتفي الطرف الجزائري بالتلويح به في إطار لعبة شد الحبل مع الطرف الفرنسي، ينفذها بعض النواب الذي ينسحبون من المشهد، بمجرد ما تصلهم التعليمات، أن الأمر لم يحن بعد. عكس هذه المرة التي حضر فيها دعم مؤسسات الدولة العميقة رضاها عن هذا المسعى، رغم طابعه الرمزي.
نص جاء بالجديد، لم يكن مصرحا به لدى الطرف الجزائري في السابق، كطلب الاعتذار والتعويض، وهو يعبر عن إجماع بين النواب بحضور وزير المجاهدين شخصيا، لنكون أمام التساؤل المنطقي الغائب عن الساحة الإعلامية والسياسية الوطنية، لماذا تأخر تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر إلى هذا الوقت، وكان يفترض أن يكون حاضرا بداية من المرحلة الأولى للاستقلال؟ لماذا لم يقم به الرئيس بومدين على سبيل المثال؟ ليخبرنا توقيت المصادقة على هذا النص القانوني المهم، بالإجماع والزخم الاحتفالي الذي حصل فيه، أن الأمر مرتبط بمرحلة تدهور كبير وصلتها العلاقات الجزائرية الفرنسية، لم تكن حاضرة في أوقات سابقة حتى عندما كانت العلاقات بين البلدين ليست على أحسن ما يرام، كما حصل أكثر من مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين، ازمة تأميم البترول كمثال في منتصف السبعينيات. مرحلة تدهور وصلتها العلاقات هذه المرة مرتبط بملف الخلاف مع المغرب وقضية الصحراء، التي عرفت فيها الدبلوماسية الجزائرية انتكاسة كبيرة بعد الموقف المؤيد للأطروحات المغربية، التي أعلنت عنه باريس وغيرها من العواصم الأوروبية والدولية، وصل صداه إلى مجلس الأمن الدولي. اكتفت الدبلوماسية الجزائرية فيه بتسجيل الموقف، دون القدرة على التأثير عليه كما كان الحال مع الطرف الإسباني والأمريكي.
تنهي الجزائر سنة 2025 في وقت يستمر فيه تدهور قيمة عملتها الوطنية، ولم تتوقف فيه ظاهرة الهجرة غير القانونية كاتجاهين ثقيلين يعكسان الحالة الاقتصادية الاجتماعية السيئة
لتعلن هذه المصادقة أن الجزائر، حسمت أمرها مع الرئيس ماكرون ونظامه السياسي، بعد تردد طويل، يرشح العلاقات بين البلدين لتشنج لوقت طويل المدى، في وقت تعرف النخب الحاكمة في البلدين تحولات عميقة في بنيتها. تحضر الجزائر نفسها له بتنويع علاقاتها الأوروبية والدولية، للخروج من المأزق التقليدي للدبلوماسية الجزائرية المبني على دبلوماسية رأس – رأس مع الطرف الفرنسي. نص قانوني آخر تمت المصادقة عليه من البرلمان أيضا، الذي سيطرت عليه عقلية سياسية شعبوية بصبغتها اليمينية المتطرفة، التي يتهم الطرف الفرنسي بها. عبرت عن نفسها بمصادقة النواب على نص يجيز للحكومة نزع الجنسية الأصلية من جزائريين متهمين بمواقف معادية للبلد. نص قالت عنه الحكومة، إن تطبيقه يخضع لشروط صارمة، لم تمنع تخوف الكثير من الجزائريين لما قد يفتحه من مسالك أمام التعسف في استعماله ضد المواقف المعارضة في غياب عدالة مستقلة. في وقت من المرشح فيه ازدياد وتيرة المعارضة، إذا استمر فيه هذا الغلق السياسي والإعلامي، الذي طال كل من لا يسبح بحمد السلطة. كما عبّر عنه الكثير من أشكال التضييق على الرأي السياسي المخالف. كمنع من السفر والمحاكمات لمواطنين، ذنبهم الوحيد التعبير عن مواقف نقدية على الوسائط الاجتماعية. في بلد غابت فيه إمكانية التعبير السياسي عبر أحزاب وتنظيمات جمعوية ونقابية، معطلة عمليا، داخل حياة سياسية غير تنافسية بالحد الأدنى من الشفافية التي تتطلبها، وفي وقت تحضر فيها الجزائر نفسها لدخول سنة انتخابات قررت أغلبية الأحزاب المشاركة فيها، بما فيها تلك التي تعودت على مقاطعتها خوفا من التهميش السياسي، الذي تعيشه قد يتطور إلى نوع من الإلغاء والإبعاد عن الساحة السياسية والإعلامية الرسمية، كما حصل مع أكثر من تنظيم سياسي في السنوات الأخيرة. في المجال الاقتصادي، ورغم بعض الاختراقات في القطاع الزراعي، كوفرة المواد الاستهلاكية الأساسية الفصلية بأسعار ما زالت في غير متناول أصحاب الدخل الضعيف في الغالب، وفي القطاع الصناعي الذي ما زال يعتمد على المنطق الاستخراجي الريعي، كما هو حاصل في قطاع المناجم والحديد، زيادة على ما سجل في قطاع صناعة الأدوية، الذي عرفت فيه الجزائر نسبة تغطية وطنية معقولة. رغم هذه الاستثناءات لم تبرح الحالة الاقتصادية هذه السنة اللون الأحمر في الغالب، ونحن نلاحظ التدهور المستمر الذي تعيشه قيمة العملة الوطنية (الدينار) في وقت استمر فيه الحديث عن حالات فساد كثيرة، ما زالت تنخر الاقتصاد والمجتمع ككل. تبين بالملموس رغم الحملات التي دشنتها مرحلة الحراك، أن القضاء عليها يتطلب أكثر من هذه الحملات الموسمية، للوصول إلى العمق الأخلاقي والسياسي لهذه الظاهرة المستفحلة، التي تتمكن كل مرة من إعادة إنتاج نفسها بوجوه جديدة – قديمة. في غياب رؤية أكثر شمولية لعملية التنمية بكل تداعياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية، التي بقيت من دون تصور واضح، لم تجب عن الأسئلة المطروحة على أكثر من صعيد، كمسألة التعليم الذي يجب أن يرافق أي عملية تنمية فعالة، ونوعية المدينة التي يجب ان تواكب التنمية بالتعامل الذي يجب أن يكون داخلها للقوى الاجتماعية والسياسية الحاضرة، وتلك التي يجب التحضير لظهورها كإفراز لعملية التنمية ذاتها. على غرار أصحاب المال الجدد، بمن فيهم المستثمرون الأجانب، الذين زاد حضورهم داخل المجتمع، دون أن يحصلوا على تطمينات قانونية، داخل حالة وطنية تتميز، بعد استقرار النص القانوني الذي ساد التركيز على منطوقه، بدل روحه، كما يتبين بالملموس في حالة الإحالة للسجن لفترات طويلة لمتهمين كبار في السن، كان المفروض التفكير في أشكال عقوبة أخرى أكثر رحمة بحالتهم الصحية وسنهم المتقدمة. من بينهم ما سمي بأعضاء «العصابة» القديمة التي وضعت هذه القوانين عندما كانت على رأس السلطة، لم يخطر على بالها انها ستكون الضحية الأولى له، لتنهي الجزائر سنة 2025 في وقت يستمر فيه تدهور قيمة عملتها الوطنية، ولم تتوقف فيه ظاهرة الهجرة غير القانونية كاتجاهين ثقيلين يعكسان الحالة الاقتصادية الاجتماعية السيئة، التي مازالت تدفع الجزائري من الجنسين إلى مغادرة بلده.
ولا ننسى التذكير بالصور الجميلة التي وصلتنا من الدوحة والمدن المغربية، بمناسبة منافسات الكأس العربية والافريقية. عن العلاقات الأخوية بين الجمهورين الجزائري والمغربي. بعد طول فراق.. رفض ان يتأثر بالحالة السياسية بين البلدين.
ناصر جابي

تعليقات الزوار
لا تعليقات