يستعد الرئيس عبد المجيد تبون لإلقاء خطابه السنوي المعتاد أمام البرلمان قبل نهاية السنة هذا الثلاثاء، في وقت صادق مجلس الوزراء في الجزائر على مشروع القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، مقابل اتخاذ قرار بتأجيل مشروع التعديل الدستوري التقني من أجل تعميق دراسته مع إرجاء المصادقة على تعديلات قانون الانتخابات.
وفي نص بيان مجلس الوزراء المجتمع يوم الإثنين، أمر الرئيس عبد المجيد تبون بتأجيل التعديل التقني للدستور من أجل تعميق الدراسة، مؤكداً أن الهدف من ذلك هو تعزيز المكسب الديمقراطي الانتخابي الذي تمثله السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. وكان مجرد الإعلان عن هذا التعديل قد أثار فضولاً واسعاً وتكهنات بعضها ابتعد عن مضمونه المتعلق بدور سلطة الانتخابات.
أما في ما يخص مشروع القانون العضوي للانتخابات، فقد وجّه الرئيس الجزائري بإعادة النظر في التعديلات المقترحة ودراستها بعناية أكبر، ما دامت ذات طابع تقني بحت، مع التشديد على ضرورة الفصل بين ما هو شكلي في هذه التعديلات وما هو جوهري.
ويعيد الحديث عن التعديل الدستوري التقني إلى الواجهة التصريحات التي كان أدلى بها الرئيس تبون في أيلول/سبتمبر الماضي، حين كشف عن مراجعة قانون الانتخابات في بعض أجزائه التقنية، إلى جانب إدخال تعديلات على مهام السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. وحينها، أكد الرئيس أن هذه المراجعة ستكون بعيدة عن البنود المبدئية التي تعاقب التزوير وشراء الأصوات، مشدداً على موقفه الرافض لأي دور للمال الفاسد في العمل السياسي، مع تأكيده أن كل من يثبت تورطه في شراء الذمم سيدفع الثمن.
وفي السياق نفسه، أعلن تبون آنذاك عن تقديم مقترحات تخص تعديل مهام السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، حتى تتفرغ لمهمتها الأساسية المتمثلة في السهر على شفافية ونزاهة الانتخابات، مقابل إعادة مهمة التحضير المادي للعملية الانتخابية إلى وزارة الداخلية. ولا يمكن إعادة تنظيم صلاحيات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والإدارة، إلا من خلال تعديل دستوري كون سلطة الانتخابات مهامها محددة في النص القانوني الأسمى للبلاد.
في المقابل، صادق مجلس الوزراء على مشروع القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، بعد الموافقة على التعديلات المقترحة التي طلبتها الأحزاب السياسية. وأكد رئيس الجمهورية أن هذه التعديلات تهدف في مجملها إلى إحداث تكامل في القانون، الذي وصفه بأنه من أكثر القوانين ديمقراطية، مبرزاً أن المصادقة عليه تمثل مكسباً جديداً لفائدة المشهد الديمقراطي الجزائري، ومباركاً في هذا الإطار للعائلة السياسية الجزائرية.
وكان هذا المشروع قد أثار جدلاً واسعاً في الساحة السياسية خلال الفترة الماضية. فقد رأت أحزاب معارضة أن النص يمنح وزارة الداخلية صلاحيات واسعة في مجال اعتماد الأحزاب، ومراقبة نشاطها، وحلها عند الاقتضاء، ما اعتبرته تراجعاً عن مكتسبات التعددية السياسية التي أقرت منذ سنة 1989.
وتنص الصيغة الأولية لمشروع القانون على إخضاع تأسيس الأحزاب لنظام الاعتماد بدل التصريح، مع اشتراط شروط تتعلق بسن الأعضاء المؤسسين، وتمثيل النساء والشباب، وعدم وجود سوابق قضائية، إضافة إلى تحديد العهدات القيادية داخل الحزب. وهي أحكام واجهت انتقادات من عدة تشكيلات سياسية، اعتبرت أن مسألة القيادة وتجديدها شأن داخلي يخص المناضلين، وأن فرض قيود قانونية في هذا المجال يمس بمبدأ الديمقراطية الداخلية.
كما أثار المشروع تحفظات واسعة بشأن صلاحيات وزارة الداخلية في توجيه إعذارات للأحزاب، وتعليق نشاطها، أو طلب حلها قضائياً في حال وجود نزاعات داخلية أو عدم المشاركة في استحقاقين انتخابيين متتاليين. واعتبرت أحزاب معارضة أن المقاطعة تمثل خياراً سياسياً مشروعاً، ولا ينبغي أن تتحول إلى سبب قانوني لحل حزب سياسي.
وفي ما يتعلق بالتمويل، شدد المشروع على العقوبات المرتبطة بتلقي تمويل أجنبي، مع فرض عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية، وهو ما قوبل بمواقف متباينة، إذ أبدت بعض الأحزاب تخوفها من غياب آليات شفافة تضمن تكافؤ الفرص في التمويل الداخلي، خاصة في ظل شكاوى متكررة من عدم تكافؤ الحضور في وسائل الإعلام.
كما أثارت الأحكام المتعلقة بعلاقة الأحزاب بالخارج، وبمنع ارتباطها العضوي بالنقابات والجمعيات، انتقادات اعتبرت أن هذه القيود تحد من قدرة الأحزاب على التفاعل مع محيطها السياسي والاجتماعي، وعلى الاستفادة من التجارب الدولية في العمل الحزبي.
وفي ظل هذا الجدل، أكد بيان مجلس الوزراء أن التعديلات التي اقترحتها الأحزاب السياسية قد تم قبولها، دون الخوض في تفاصيلها أو تحديد طبيعتها. وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى استجابة النص النهائي لملاحظات وانتقادات الأحزاب، وحجم التغييرات التي أدخلت عليه مقارنة بالصيغة التي أثارت الجدل.
ومع نهاية سنة 2025، ينتظر أن يدلي الرئيس الجزائري بخطابه السنوي أمام البرلمان بغرفتيه يوم الثلاثاء، في جلسة يعقدها المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، حيث سيتوجه إلى النواب وأعضاء مجلس الأمة لعرض حصيلة السنة المنقضية واستشراف أبرز محطات المرحلة المقبلة.
ومن المنتظر أن يتطرق الرئيس تبون إلى الوضع الاقتصادي الوطني، خاصة في ظل الأهداف التي سبق أن حددها والمتعلقة بالتحول الاقتصادي وبلوغ ناتج داخلي خام يقدر بـ400 مليار دولار في أفق 2027. كما يُرتقب أن يتوقف عند مدى تقدم عدد من المشاريع الكبرى التي تشكل ركائز هذا التوجه، وفي مقدمتها مشروع استغلال منجم الحديد غارا جبيلات قرب تندوف، حيث يُرتقب تدشين خط السكة الحديدية بشار–تندوف بطول 950 كيلومتراً مطلع شهر كانون الثاني/جانفي المقبل.
وعلى الصعيد الاجتماعي، ينتظر أن يستعرض الرئيس الجزائري جملة التدابير التي اتخذت خلال سنة 2025، على غرار رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون، وزيادة منحة البطالة والمعاشات، ورفع قيمة المنحة السياحية، إضافة إلى الانطلاق الفعلي لبرنامج “عدل 3” للسكن بصيغة البيع بالإيجار الذي يتضمن إنجاز نحو مليون وحدة سكنية.
ومن المرتقب أيضاً أن يتناول الرئيس تبون الوضع السياسي، بما في ذلك الاستحقاقات التشريعية والمحلية المقبلة، فضلاً عن ملفات مكافحة الفساد، ورفع العراقيل الإدارية، واسترجاع الأموال المنهوبة. وعلى الصعيد الخارجي، يُنتظر أن يحضر ملفا الصحراء الغربية وفلسطين، إلى جانب العلاقات الجزائرية الفرنسية، في ظل المساعي الجارية لإعادة التواصل بين البلدين.

تعليقات الزوار
لا تعليقات