طالب محافظ مصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، رئيس حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة بالتدخل الفوري لتقنين عمليات الاستيراد، محذراً من فرض حصار مالي دولي على البلاد، في حال استمرار الثغرات التي تسمح بتمويل التجارة الخارجية بعيداً عن القنوات المصرفية الرسمية.
ويجد المصرف المركزي نفسه عاجزاً عن إدارة السياسة النقدية طالما أن جزءاً كبيراً من الكتلة النقدية، سواء بالدينار أو العملة الصعبة، يتحرك خارج القنوات الرسمية.
وأرجع المحافظ هذا المطلب الملحّ إلى عدة مخاطر تتهدد الاستقرار المالي والأمني، ومن أبرزها الاستيراد "غير الممول مصرفياً" الذي يعتمد بشكل كلي على شراء العملة من السوق الموازية، مما يزيد الطلب عليها ويرفع سعر الصرف أمام الدينار.
وكشف عن "انحراف" في استخدام العملة المخصصة للأغراض الشخصية أو تسرب من الاعتمادات المفتوحة، حيث يتم إعادة تدوير هذه الأموال لتمويل تجارة موازية تضر بالاقتصاد الكلي.
ووصف عيسى الوضع الحالي بأنه "كارثي"، مؤكداً أن الدولة ستفقد السيطرة على مواردها من النقد الأجنبي وستعجز عن حماية القدرة الشرائية للمواطن في حال لم يتم توحيد قنوات الاستيراد تحت مظلة القطاع المصرفي.
وأخطر ما حمله خطاب المحافظ هو التحذير من سيناريو حصار مالي دولي، بالنظر إلى أن المنظمات الدولية، مثل مجموعة العمل المالي، تراقب بدقة تدفقات الأموال.
وينتظر أن يدفع استمرار حالة الفوضى المصارف المراسلة في الخارج إلى قطع علاقاتها مع البنوك الليبية، مما يؤدي إلى عزلة تامة تعجز معها الدولة عن استيراد حتى السلع الأساسية والدوائية.
وتعتبر ليبيا اليوم أمام مفترق طرق، فإما المضي قدماً في شرعنة الفوضى المالية والاصطدام بجدار العقوبات الدولية والانهيار الاقتصادي، أو الانصياع لضوابط المركزي التي تفرض الشفافية والحوكمة.
وتعاني المنظومة المالية الليبية من حالة "توازٍ" مدمرة، حيث ينمو اقتصاد الظل على حساب الاقتصاد الرسمي. وتحول الانحراف في استخدام مخصصات الأغراض الشخصية (مثل منحة الـ4000 دولار أو بطاقات الإعالة) من وسيلة لمساعدة المواطن إلى "قناة توريد" غير شرعية، حيث تُجمع هذه العملات وتُباع للتجار لتمويل بضائع تدخل البلاد دون رقابة. ويعني التسرب من الاعتمادات المستندية أن أموالاً خرجت لغرض استيراد سلع معينة، لكنها استُخدمت في صفقات موازية أو بقيت في الخارج كأرصدة خاصة، مما يفرغ الخزانة العامة من النقد الأجنبي دون عائد حقيقي.
وتُعد الأزمة المالية في ليبيا أزمة مركبة، فهي ليست مجرد نقص في الموارد، بل هي نتاج تداخل معقد بين السياسة والاقتصاد والأمن. وأدى وجود حكومتين متنافستين إلى تشتت السياسة النقدية وغياب ميزانية موحدة للدولة، مما خلق حالة من "الهيمنة المالية" حيث تضطر المؤسسات للتعامل مع ضغوط إنفاق من أطراف متعددة.
وشهد عام 2024 و2025 صراعات حادة حول إدارة المصرف، مما أدى إلى زعزعة الثقة في استقرار النظام المصرفي والقدرة على تنفيذ سياسات نقدية فعالة.
ويفضل الكثير من الليبيين والشركات الاحتفاظ بالأموال نقداً خارج المصارف خوفاً من عدم القدرة على سحبها لاحقاً، مما أدى إلى شح السيولة داخل الخزائن المصرفية الرسمية.

تعليقات الزوار
لا تعليقات