أخبار عاجلة

مصر ترفض «انتهاك» ليبيا لسيادتها في المتوسط وترفض الاتفاقية التركية – الليبية

تصاعدت حدة التوترات الجيوسياسية في شرق البحر المتوسط مع إعلان مصر عن رفضها القاطع لسلسلة من الإجراءات والاتفاقيات البحرية التي أبرمتها السلطات الليبية مع الجانب التركي.
وفي خطوة دبلوماسية تصعيدية، تحدث إعلام محلي عن تقديم القاهرة مذكرة رسمية إلى الأمم المتحدة بتاريخ 8 أيلول/سبتمبر 2025، اعتبرت فيها هذه الإجراءات «انتهاكاً لسيادتها» وتجاهلاً كاملاً لحقوقها التاريخية والقانونية في المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري.
المذكرة أكدت عزم مصر على حماية هذه الحقوق بكل السبل المتاحة في إطار القانون الدولي، لتضع بذلك المنطقة أمام احتمالات تصعيد جديدة تتجاوز حدود الخلافات الدبلوماسية المعتادة.
ورفضت المذكرة المصرية، بشكل واضح وصريح، مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في 25 حزيران/يونيو 2025 بين المؤسسة الوطنية للنفط الليبية وشركة البترول التركية، والتي تخص المسوحات الزلزالية في البحر المتوسط.
وجاء الرفض المصري على أساس أن المنطقة البحرية المُخصصة للمسح بموجب الاتفاق، والمعروفة باسم «Area 4»، «تتداخل بشكل مباشر وكامل مع الحدود البحرية لجمهورية مصر العربية».
وعليه، أعلنت القاهرة رفضها المطلق لأي «تدابير أو سلوك أو آثار قانونية» قد تنشأ عن هذه المذكرة، مشددة على أن هذه الإجراءات باطلة وملغاة من الناحية القانونية.
كما تضمن الموقف المصري الرافض إعلاناً صريحاً بعدم الاعتراف بالحدود الخارجية للجرف القاري التي أعلنتها ليبيا بشكل أحادي.
وأكدت القاهرة في مذكرتها أن «الحدود البحرية الشرقية الليبية المعلنة تقع بالكامل داخل المنطقة البحرية لجمهورية مصر العربية»، واصفة هذا الإجراء الليبي بأنه «انتهاك لسيادة مصر على بحرها الإقليمي ومنطقتها المتاخمة».
ويُشير هذا التصعيد إلى أن الخلاف لم يعد مقتصراً على مناطق التنقيب فحسب، بل يمتد ليشمل جوهر ترسيم الحدود البحرية بين البلدين الجارين، ما يزيد من تعقيدات المشهد الليبي المتأزم أصلاً.
بالإضافة إلى رفض الإجراءات الأخيرة، جددت مصر في مذكرتها موقفها الثابت والرافض لمذكرتي التفاهم السابقتين بين تركيا والحكومات الليبية، الموقعتين في عام 2019 (مع حكومة الوفاق الوطني) وعام 2022 (مع حكومة الوحدة الوطنية).
ووصفت مذكرة التعاون في مجال المحروقات لعام 2022 بأنها «باطلة ومنعدمة الأثر القانوني تماماً»، مؤكدة أن كل هذه الإجراءات تتعارض بشكل واضح مع نصوص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والقانون الدولي النافذ.
وتشير هذه الإحالة القانونية إلى أن القاهرة تستند إلى مرجعيات دولية لتعزيز موقفها أمام المجتمع الدولي.
وفي إطار الرد على الاحتجاجات الليبية المُقدمة لليونان بخصوص طرح مناقصة التنقيب في منطقة «جنوب كريت 2»، رفضت مصر الادعاءات الليبية بأن هذه المنطقة تقع ضمن مياهها.
وأكدت المذكرة المصرية أن «أي مطالبات من أي طرف» في هذه المنطقة المتنازع عليها تقع ضمن «المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري لجمهورية مصر العربية».
واستندت القاهرة في ذلك إلى تشريعاتها الوطنية، وبالأخص المرسوم الرئاسي رقم 595 لعام 2022، الذي حدد الحدود البحرية الغربية لمصر مع ليبيا، لتؤكد أن تحرك اليونان في هذه المنطقة لا يمس الحقوق المصرية.
ويُلاحظ أن التصعيد الدبلوماسي المصري جاء مدعوماً بتحركات عملية على الأرض، حيث سبق أن ذكرت صحيفة «كاثيميريني» اليونانية في أوائل سبتمبر الجارين أن المسوحات المستمرة التي تُجريها سفينة الأبحاث الزلزالية المصرية «رامفورم هايبريون» في مناطق بحرية على طول حدودها الغربية، منذ 21 آب/أغسطس الماضي، تمثل رفضاً عملياً لاتفاقية الحدود البحرية الموقعة بين تركيا وليبيا عام 2019.
منطقة المسح المصرية تشمل جزءاً من منطقة بحرية منحتها طرابلس لشركة النفط الحكومية التركية (TPAO)، وتحديداً القسم الشرقي من الكتلة رقم 4 في ليبيا، وهو ما يمثل تحدياً مباشراً للمطالبات الليبية-التركية.
مراقبون أشاروا إلى أن هذا التحرك المصري بإجراء مسوحات بحرية قرب حدودها الغربية مع ليبيا يمثل رداً عملياً قوياً على مذكرة التفاهم البحرية بين أنقرة وطرابلس، والتي رفضتها القاهرة منذ توقيعها.
وتهدف هذه الخطوة، وفقاً للمراقبين، إلى عرقلة تنفيذ الاتفاقية والتشكيك في قانونية الامتيازات الممنوحة، وبالتالي إرباك الاستثمارات التركية، بالإضافة إلى حمل رسالة واضحة إلى حكومة الدبيبة بأن المضي في التفاهم مع تركيا سيضر بعلاقاتها مع القاهرة، ويزيد من عزلتها الإقليمية.
وفي سياق متصل، كشف موقع «ميدل إيست آي» البريطاني في وقت سابق، عن توقعات يونانية بطلب التدخل المصري لإقناع حكومة حماد (التي تعمل من شرق ليبيا والمكلفة من مجلس النواب) بعدم المصادقة على الاتفاقية البحرية مع تركيا.
ويُشكل أي تحرك من جانب شرق ليبيا لدعم موقف تركيا تحولاً كبيراً في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث إنه سيعزز جهود أنقرة لتأكيد هيمنتها البحرية في المنطقة لأنه سيوحد جميع الأطراف الليبية مع مطالبات تركيا، ويضع المنطقة الشرقية في مواجهة مباشرة مع الاتفاق البحري بين مصر واليونان الموقع في عام 2020.
يُذكر أن حكومة الوحدة الوطنية والحكومة المكلفة من مجلس النواب (برئاسة أسامة حماد) قدمتا في أوقات سابقة احتجاجات إلى أثينا على خلفية تنفيذ أعمال استكشافية أو تنقيبية في مناطق تقع جنوب جزيرة كريت دون الوصول إلى تفاهم قانوني مسبق.
وانتقدت الحكومتان الليبيتان اتخاذ السلطات اليونانية خطوات أحادية في المناطق البحرية المتنازع عليها، معتبرتين أنها انتهاك صريح للحقوق السيادية الليبية.
وقد أحالت حكومة حماد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة مع تركيا إلى مجلس النواب تمهيداً للمصادقة عليها، في خطوة يبدو أنها تخدم طموح تركيا وتزيد من تعميق أزمة ترسيم الحدود.
ختاماً، ورغم لهجتها الحادة والمواقف المعلنة، اختتمت مصر مذكرتها بالتأكيد على انفتاحها للتفاوض بحسن نية مع دول الجوار للتوصل إلى حلول عادلة لترسيم الحدود، مشيرة إلى أن الحوار يبقى هو المسار الأفضل لتجنب المزيد من التوترات.
وتظل أزمة ترسيم الحدود البحرية من الملفات الشائكة التي تتراكم منذ سنوات، ما يضع المنطقة أمام احتمالات تصعيد جديدة تتجاوز حدود الخلافات الدبلوماسية المعتادة، وسط مخاوف من تأثير هذه الأزمة على جهود تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي المربحة في المنطقة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات