يكشف استطلاع رأي شمل 1062 مشاركًا أن أغلبية الإسرائيليين تتبنّى مواقف قريبة من مواقف حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو، فيما يتعلّق باستباحة دماء الفلسطينيين. إذ يقول 76% منهم إنهم يوافقون كليًا أو جزئيًا على المقولة: «لا يوجد أبرياء داخل قطاع غزة».
وحسب استطلاع مركز «أكورد» حول مواقف الإسرائيليين من الحرب على غزة وصورة إسرائيل في العالم وتجنيد الحريديم، فإن 34% من الإسرائيليين يؤيدون المقولة بشكل عام، فيما عبّر 42% عن تأييدهم القوي لها. بالمقابل، قال 52% من ناخبي المعارضة إنهم يرفضونها. كما أظهر الاستطلاع أن 28% من مجمل المشاركين يعتقدون أن إسرائيل لا تحاول، أو تحاول بدرجة قليلة، الامتناع عن قتل الأبرياء في غزة. وترتفع هذه النسبة إلى 42% بين أنصار المعارضة، وتنخفض إلى 7% بين مؤيدي الائتلاف الحاكم.
وحسب الاستطلاع، فإن 79% من الإسرائيليين يرون أن المهمة الملحّة الآن يجب أن تكون إنهاء الحرب في غزة، فيما يعتقد 57% منهم أنه، على خلفية ما يسمّى «النجاحات العسكرية»، فإن الوقت قد حان لتسوية سياسية – أمنية إقليمية برعاية أمريكية، بما في ذلك الموافقة على إقامة دولة فلسطينية. كما تفيد نتائجه، التي جرت بين نهاية الشهرين الماضيين، أن 65% من المستطلَعين يطالبون نتنياهو بالاستقالة فورًا، وربما يرتبط ذلك بمعطى آخر يفيد أن 63% يرون أن المكاسب في مواجهة إيران لا تعوّض مشاعر الإخفاق والإهمال في الجبهة الداخلية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ويظهر معطى إضافي أن 73% من أنصار الائتلاف الحاكم يعتقدون أن «إنهاء الحرب مع إيران يفتح نافذة فرص لإنهاء الحرب في غزة»، بينما يرى 69% من مجمل الإسرائيليين أن التهديد الإيراني عزّز القناعة بأن اليهود والعرب داخل إسرائيل يتقاسمون المصير ذاته.
ضعف ردود الفعل الدولية
رغم تأييد أغلبية الإسرائيليين لإنهاء الحرب، وفق هذا الاستطلاع واستطلاعات سابقة، فإن نتنياهو يستمد التشجيع على مواصلتها من قناعة ثلاثة أرباع الإسرائيليين بعدم وجود أبرياء في قطاع غزة، بما يعنيه ذلك من المشاركة في نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وشيطنتهم، وبالتالي تبرير قتلهم. وربما يفسر ذلك بقاء الاحتجاجات داخل إسرائيل خجولة وغير كافية لفرملة ماكينة الحرب والقتل.
كما تستفيد حكومة الاحتلال من ضعف الانتقادات الدولية الرسمية رغم جرائمها اليومية؛ ففي مقابل المظاهرات الواسعة عالميًا ردًا على مجزرة مستشفى ناصر في خان يونس أول أمس، التزمت الحكومات الغربية والشرقية الصمت، أو اكتفت ببيانات «قلق»، دون أي عقوبات، رغم أن الجرائم تُبث حيًا وتُظهر استهداف صحافيين ومسعفين ومدنيين داخل مستشفى بقذائف دبابة وطائرات مسيّرة مرات عدة. وبعد إعلان إسرائيل أسفها على «الخطأ التراجيدي»، عادت لتبرر، استنادًا إلى «تحقيق الجيش»، أن القصف استهدف ستة «إرهابيين» في المستشفى دون ذكر أسمائهم.
وتستفيد حكومة الاحتلال أيضًا من الدعم الأمريكي الفعلي لمواصلة المذبحة، وسط تصريحات متناقضة؛ فبينما قال ترامب مؤخرًا إنه يتوقع انتهاء الحرب خلال أسبوعين أو ثلاثة، خرج مبعوثه ويتكوب ليعلن أن الحرب ستستمر حتى نهاية العام. وقبل ذلك، برّر ترامب استمرارها بوجوب «تدمير حماس» من أجل استعادة المحتجزين.
ويواصل مراقبون إسرائيليون الاستخفاف بتصريحات الإدارة الأمريكية. إذ كتب المعلق السياسي في صحيفة *هآرتس*، حاييم ليفنسون، الأربعاء، أن هناك فجوة كبيرة بين الواقع في إسرائيل وبين الروايات التي يقدّمها نتنياهو في البيت الأبيض. وأوضح أنه، من خلال محادثاته مع مسؤولين أمريكيين، استنتج أن حملة نتنياهو الدعائية في واشنطن كانت شديدة المبالغة، حيث وعد ترامب بخطة «احتلال سريع» لغزة، وهي غير قابلة للتطبيق.
ويضيف ليفنسون: «خطة احتلال مدينة غزة مناورة ستؤدي إلى المزيد من الخراب والموت، ولن يحدث شيء خلال الأسبوعين المقبلين. نتنياهو روّج لترامب حملة عسكرية مفادها أن الجيش سيدمّر حماس خلال بضعة أسابيع، لكن الجيش يرى أن الواقع مختلف تمامًا». ويؤكد بذلك ما قاله سابقًا رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك، الذي اعتبر أن نتنياهو ودرمر يبيعان ترامب أوهامًا.
موديل بيروت
في ظل كل ذلك، يستخف نتنياهو بالانتقادات والضغوط الداخلية والخارجية نظرًا لضعفها، ولا يكترث حتى باطلاع مصر رسميًا على ردوده، ما أثار غضبًا كبيرًا في القاهرة. فقد ذكرت القناة 12 العبرية، على لسان محللتها دانا فايس، أن مصر غاضبة من تجاهل نتنياهو وعدم رده على مقترحها (الذي وافقت عليه حماس) لوقف إطلاق النار. وأشارت إلى أن القاهرة تخشى من تنسيق كامل بين نتنياهو وترامب لتأجيل الصفقة المطروحة إلى ما بعد «القضاء على حماس»، مع احتمال إعلان ترامب «نهاية الحرب» خلال زيارة مرتقبة لإسرائيل في أيلول القادم.
المخفي أعظم
ما يخفيه نتنياهو أعظم، إذ يسعى، بعد عامين من الفشل في إخضاع المقاومة الفلسطينية رغم تدمير القطاع، إلى انتصار «تاريخي» أو على الأقل صورة انتصار تحفظ له مكانته السياسية المتضررة. ومن هذا المنطلق، يحاول استثمار الحرب لتصفية القضية الفلسطينية.
وقد غابت غزة وصفقة التهدئة عن اجتماع الكابينيت الأخير، الذي خُصّص لـ «شؤون إقليمية»، وانتهى سريعًا ليذهب نتنياهو ووزراؤه إلى عشاء فاخر في مطعم مقام داخل بيت فلسطيني مسروق بالقدس المحتلة. الأمر الذي أثار موجة انتقادات، خصوصًا من أهالي المحتجزين الذين يواجهون الأسر والجوع، بينما تنشغل الحكومة بـ «وجبات المحاشي والقطايف»، كما قالت إحدى الأمهات في مظاهرة بتل أبيب.
وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي في «يديعوت أحرونوت» نداف أيال أن نتنياهو يسعى إلى تكرار «خروج بيروت» عام 1982 عبر الضغط على غزة وحماس حتى خنقهما، ثم فرض صفقة بشروطه تشمل إجلاء قادة المقاومة واستعادة المحتجزين. لكنه أشار إلى أن ذلك يتم وسط تجاهل للكارثة الإنسانية في القطاع وتزايد عزلة إسرائيل دوليًا وتآكل قوة جيشها.
وتوافقه الآراء تحذيرات شخصيات أمنية إسرائيلية، منها نائب رئيس الموساد السابق الجنرال رامي إرا، الذي قال للإذاعة العبرية: «التطلع إلى القضاء على حماس وهم خطير. يجب وقف الحرب فورًا، رغم أنه خيار سيئ، لكن استمرارها أسوأ».
تعليقات الزوار
لا تعليقات