أخبار عاجلة

ذكرى مؤتمر الصومام في الجزائر تعيد طرح نقاش تاريخي حول “الانتماء العربي الإسلامي”

أثار إحياء الذكرى التاسعة والستين لمؤتمر الصومام إلى الواجهة جدلاً سياسياً وتاريخياً متجدداً، إذ شكّل مناسبة للتعبير عن مطالب سياسية تتعلق بالحوار الوطني، والانفتاح، وإطلاق الحريات، وفي الوقت ذاته فتح نقاشاً تاريخياً قديماً حول طبيعة المؤتمر وما إذا كان في بعض مقرراته يمثل تراجعاً عن روح بيان أول نوفمبر المؤسس للثورة.

ويمثل مؤتمر الصومام الذي انعقد في 20 آب/ أغسطس 1956 بولاية بجاية في ظروف سرية دقيقة، محطة مفصلية في مسار الثورة التحريرية الجزائرية. وقد خرج هذا المؤتمر الذي ترأسه رمز الثورة الجزائرية العربي بن مهيدي، بجملة من القرارات المصيرية، أبرزها إنشاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية كهيئة سياسية عليا، ولجنة التنسيق والتنفيذ لتسيير العمل الميداني. كما رسّخ مبدأ أولوية السياسي على العسكري وأولوية الداخل على الخارج، ووضع أسس القيادة الجماعية لتفادي تركيز القرار. وحدّد المؤتمر أهداف الثورة المتمثلة في الاستقلال الوطني الكامل وسيادة الدولة الجزائرية في جميع المجالات، إلى جانب رسم استراتيجية عسكرية وسياسية لعزل فرنسا دولياً وإبراز شرعية جبهة التحرير الوطني كممثل وحيد للشعب الجزائري.

وفي هذا السياق، أكدت جبهة القوى الاشتراكية، على لسان أمينها الوطني الأول يوسف أوشيش، أن مؤتمر الصومام وهجمات الشمال القسنطيني يشكلان معاً محطتين مفصليتين في مسار الثورة، خلّدتا الإرادة الشعبية ورسختا معالم المشروع الوطني الذي حلم به الشهداء. ورأى أن مؤتمر الصومام كان تحولاً نوعياً رسّخ أسس الدولة الجزائرية الحديثة القائمة على السيادة الوطنية، القيادة الجماعية، وأولوية السياسي على العسكري، معتبراً أن رسائله العميقة لا تزال تلهم الجزائريين اليوم. ودعا أوشيش إلى توافق وطني جامع يقوم على إصلاحات سياسية ومؤسساتية عميقة، مؤكداً أن استمرار الانغلاق ورفض الحوار يفاقمان الأزمة، وأن الجزائر لن تخرج من أزمتها إلا عبر حوار شامل ومسؤول يفتح المجال أمام مشاركة حقيقية للشعب في تقرير مصيره.

أما التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية فقد ركّز على العراقيل التي واجهها مناضلوه خلال محاولتهم التوجه إلى موقع انعقاد مؤتمر الصومام في إيفري، حيث أدان بشدة ما وصفه بالمنع والإهانات والاعتقالات التعسفية التي طالت مواطنين وناشطين. ورأى الحزب المعارض أن ما جرى يمثل “تدنيساً للذاكرة الوطنية” وانتهاكاً صريحاً للحريات. واعتبر أن هذه الممارسات تكشف عن منطق قمعي يستهدف الذاكرة الوطنية، مشدداً على أن الديمقراطية التي بشّر بها مؤتمر الصومام ستظل حية في وعي الشعب.

في المقابل، قدّم البيان الوحدوي للديمقراطيين الجزائريين (مجموعة ناشطين ومنظمات) مقاربة واسعة، حيث أكد أن روح مؤتمر الصومام ما تزال تمثل مرجعاً لبناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على السيادة الشعبية، أولوية المدني على العسكري، ورفض المشاريع الثيوقراطية. وجدد الموقعون على البيان مطالبهم العاجلة، وفي مقدمتها الإفراج عن المعتقلين السياسيين، إلغاء القوانين القمعية، وفتح حوار وطني شامل يمهّد لانتقال ديمقراطي حقيقي. كما شدد البيان على ضرورة ترسيخ الحريات الأساسية، المساواة بين الجنسين، الاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي، وإقامة قضاء مستقل يضمن الفصل بين السلطات.

وعلى هامش هذه المواقف السياسية، تجدد النقاش التاريخي والفكري حول مكانة مؤتمر الصومام في مسار الثورة الجزائرية. فقد اعتبر الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري أن بيان أول نوفمبر يظل المرجعية الخالدة للثورة، لأنه حدّد طبيعة الدولة الجزائرية كدولة ديمقراطية اجتماعية ضمن المبادئ الإسلامية وانتمائها العربي الإسلامي، بينما وصف مؤتمر الصومام بأنه ذو طابع تنظيمي وإداري بالأساس، لا يمكن مقارنته بالبيان المؤسس. وأبرز أن “مؤتمر الصومام كان بحق في مستوى عبقرية الثورة الجزائرية على مستوى الإدارة والتنظيم من حيث التنظيم الجغرافي والسياسي، التنظيم العسكري، التنسيق والمبادرة، البعد الدولي، وحدد بشجاعة الأولويات في قضايا شائكة كأولوية السياسي على العسكري والداخل على الخارج”. ورأى مقري أن التيار “العلماني المتشدد”، بحسب تعبيره، يسعى إلى تضخيم الصومام للتغطية على مركزية بيان أول نوفمبر، محذراً من اختزال الثورة في تفاصيل تنظيمية، مقابل تجاهل هويتها المرجعية التي ناضل واستشهد من أجلها الجزائريون.

لكن هذه المقاربة، أثارت جدلا وانتقادات، حيث اعتبر الباحث والأستاذ الجامعي محرز بويش أن ما أدلى به مقري يعكس رؤية أيديولوجية انتقائية، تسعى إلى خلق تضاد وهمي بين بيان نوفمبر ومؤتمر الصومام، في حين أن كليهما يشكّلان حلقة متكاملة في مسار الثورة. وأكد بويش أن قراءة الأحداث بمعزل عن ديناميكيتها التاريخية والظروف الداخلية والدولية آنذاك لا تخدم إلا مقاربة “إخوانية سياسوية” تحاول إعادة كتابة التاريخ من منظور أيديولوجي، على حد وصفه. وأضاف أن جمعية العلماء المسلمين نفسها، التي يستند إليها مقري، قدّمت نصوصاً ذات بعد علماني في مجلتها “البصائر”، ما يفنّد محاولاته لرسم صورة أحادية للتاريخ الوطني. ورأى آخرون في الاتجاه نفسه، أن رفض بعض الإسلاميين للاعتراف بمقررات مؤتمر الصومام، يعود لتأكيدها على البعد الجزائري الخالص للهوية الوطنية.

من جانبه هاجم القيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان بن صيد، مقري.

ومن جهة السلطة، ابتعد النقاش على هذه المسائل، وركز على تكريس السيادة الوطنية والرمزيات التي يمثلها هذا اليوم الذي يحتفى به كذكرى مزدوجة لهجمات الشمال القسنطيني (1955) ولمؤتمر الصومام سنة بعد ذلك. وذكر رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي أن هذه المحطة التاريخية تظل منعرجا حاسما في مسار الثورة التحريرية المظفرة بما تحمله من قيم التضحية والوحدة والتلاحم الوطني”، معتبرا أن “ملحمة 20 أوت لم تكن مجرد ذكرى تاريخية، بل هي رصيد وطني يلهم الأجيال الصاعدة للاستمرار في بناء مؤسسات الدولة وتعزيز مكانة الجزائر إقليميا ودوليا”.

وبدا كلام بوغالي مستلهما من رسالة الرئيس عبد المجيد تبون الذي أكد أن إحياء هذه الذكرى المزدوجة هو مناسبة لاستحضار التضحيات الجسيمة والمعاناة الكبيرة التي تحملها الشعب بصبر وإيمان بالنصر، مؤكدا حرصه على “استقلال قرار الجزائر وصون سيادتها، وماضية في مسار تنمية مستدامة حقيقية تضعها في مصاف الدول الصاعدة”.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات