سادت حالة من الرعب وتصاعدت المخاوف عند الفلسطينيين بعد إعلان وزارة الصحة في غزة، عن وجود الفيروس المُسبب لشلل الأطفال في عينات عدة اًخذت من مناطق مختلفة من مياه الصرف الصحي، محذرة من “كارثة صحية”.
وقالت الوزارة في بيان إن “نتائج الفحوص التي أجريت على عيّنات من مياه الصرف الصحي بالتنسيق مع “اليونيسيف” بيّنت وجود الفيروس المُسبب لشلل الأطفال في هذه العيّنات”.
وأضافت أن هذا الاكتشاف في مياه الصرف الصحي التي تجري بين خيام النازحين ومراكز الإيواء والتجمعات السكانية في القطاع الفلسطيني يُنذر بكارثة صحية حقيقية ويُعرّض آلاف السكان لخطر الإصابة بهذا المرض الخطير.
وبعد تسعة أشهر من الحرب على قطاع غزة، توقفت مضخات مياه الصرف الصحي التي تعالج مياه الصرف الصحي وتتخلص منها بطريقة حضارية في مناطق شمال وادي غزة وجنوبه، تحديداً في دير البلح حيث يوجد قرابة الـ700 ألف نازح، عن العمل يوم الثلاثاء الماضي 16 يوليو بسبب نقص الوقود الخاص لتشغيلها، وفق بيان بلدية دير البلح”.
وشلل الأطفال هو مرض شديد العدوى يسببه فيروس يهاجم الجهاز العصبي ويدخل جسم الإنسان (الطفل أو البالغ) عن طريق الفم أحياناً، ويتكاثر في الأمعاء، ويتسبب في الإصابة بالشلل، وقد يؤدي أحياناً إلى الوفاة بسبب إصابة العضلات المسؤولة عن التنفس بالشلل، وقد قتل هذا الفيروس الكثير ممن أصيبوا به قبل ظهور اللقاح الخاص به.
وتُعتبر مياه الصرف الصحي الراكدة في مختلف المناطق وأكوام القمامة المتراكمة وأنقاض المنازل المدمرة “بيئة خصبة لانتشار أوبئة وامراض مختلفة”، حسب ما قالت الوزارة، مشيرة إلى “الزحام الشديد مع شح المياه المتوفرة وتلوثها بمياه الصرف الصحي، وتراكم أطنان القمامة، ومنع الاحتلال لإدخال مواد النظافة، بما يشكله ذلك من بيئة مناسبة لانتشار الأوبئة المختلفة”. وقالت إن رصد الفيروس المسبب لشلل الأطفال “ينذر بكارثة صحية حقيقية، ويعرض آلاف السكان لخطر الإصابة بشلل الأطفال”، داعية إلى “وقف العدوان الإسرائيلي فوراً، وتوفير المياه الصالحة للاستخدام، وإصلاح خطوط الصرف الصحي، وإنهاء تكدس السكان في أماكن النزوح”.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس غيبريسوس: “إن وكالات الأمم المتحدة ووزارة الصحة في غزة تجريان تقييمًا للمخاطر المتعلقة بنطاق انتشار فيروس شلل الأطفال”.
وأشار إلى أن معدلات التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة، قبل النزاع، كانت “أفضل”.
وأضاف: “أن الخطر المتزايد الذي تُشكّله الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل شلل الأطفال، نتج عن “تدمير النظام الصحي، وانعدام الأمن، وعرقلة الوصول، والنزوح المستمر للسكان، ونقص الإمدادات الطبية، وسوء نوعية المياه، وضعف الصرف الصحي”.
واعتبر الغزيون أن اكتشاف شلل الأطفال في ظل الحرب وحياة النزوح كارثة جديدة، خاصة في ظل عدم توفر التطعيمات الخاصة بالمرض، وعدم وجود إمكانيات طبية لدى المستشفيات للتعامل مع هذا المرض الخطير.
وطالبوا المنظمات الصحية العالمية والمؤسسات الدولية بضرورة التحرك من أجل التدخل لإيصال التطعيمات لقطاع غزة للقضاء على مرض شلل الأطفال قبل انتشاره والتسبب بكوارث صحية.
برك مياه
وفي غزة رُصد انتشار كبير لبرك تجمع مياه الصرف الصحي في الشوارع وبالقرب من خيام النازحين ومنازل السكان، بعد تدمير جيش الاحتلال لغالبية البنية التحتية في القطاع خلال حربه المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي. ولم تنجح البلديات في القطاع في تصريف مياه الصرف الصحي؛ بسبب حجم التدمير الإسرائيلي للبُنى التحتية والأحياء السكنية، وحاجتها لآليات ثقيلة بعد أن فقدت معظمها، واستمرار العدوان الذي يصعّب الوصول لحلول.
وفي خيام النازحين غرب دير البلح، يقول النازح عطا سلمي لـ”القدس العربي”: “أعيش حياة مليئة بالمصاعب، تحت القصف والموت، ولكن أكثر ما يؤرقني أنّ خيامنا بجوار بركة للصرف الصحي كبيرة جداً، تراكمت خلال شهر، ولم تأتِ البلدية لإزالتها بسبب عدم توفر السولار لتشغيل عربات النقل كما أكدوا لنا”.
ويضيف: “حشرات كثيرة تنتشر فوق هذا المستنقع المكوّن من مياه الصرف الصحي، وخاصة البعوض الموجودة بكثافة داخل الخيام، ولا نستطيع النوم نتيجة انتشارها في المنطقة التي نزحنا إليها وغيرها الذباب والعديد من الحشرات”.
ويوضح أنه يعيش حالة رعب بعد سماعه خبر اكتشاف مرض شلل الأطفال في غزة من قبل وزارة الصحة، ولديه خوف على حياة أطفاله وإمكانية إصابتهم بهذا المرض شديد العدوى.
رعب
كذلك تلقت النازحة أسماء إكي في منطقة مواصي خان يونس نبأ اكتشاف مرض شلل الأطفال في غزة بحالة من الرعب، خاصة أن لديها 3 أطفال، ويعيشون بالقرب من تجمع لمياه الصرف الصحي وأكوام من النفايات.
وتقول في حديثها لـ”القدس العربي”: “منظومة الصحة في القطاع مُنهارة وتواجه مشاكل كثيرة، لا توجد مستشفيات تعمل جيداً، ولا تطعيمات وأدوية لمكافحة الأوبئة الخطيرة والأمراض الناجمة عن تلوث المياه”.
وتضيف: “بتنا نخاف من الأمراض كخوفنا من القنابل والصواريخ، فكلتاهما خطر يقودنا إلى الموت، ولا نعرف في حالة أصيب أحد الأطفال بالمرض -لا سمح الله – كيف سنعالجه، وما هو مصيره”.
وناشدت المؤسسات الطبية الدولية بضرورة إدخال التطعيمات الى غزة من أجل القضاء على مرض شلل الأطفال قبال انتشاره، ومعالجة هذه المشكلة قبل أن تصبح كارثة، قائلةً: “درهم وقاية خير من قنطار علاج”.
فيما قال لطفي مدوخ الموجود في شمال غزة ويعيش في ركام منزله المدمّر مع أطفاله وزوجته لـ”القدس العربي”: “قام الاحتلال بتدمير البنية التحتية من أجل هذه الأوقات التي نسمع فيها عن اكتشاف فيروسات خطيرة تحيط بنا وبعائلاتنا. الوضع يصعب يومًاً بعد يوم، كنت نازحاً في أحد مراكز الايواء في مخيم جباليا، وبسبب تراكم مياه الصرف الصحي في المكان أصيب أحد أبنائي بالأمراض الجلدية، قمت بترميم مكان تحت حطام منزلي لأكون بعيدًا عن التلوث وخطر الإصابة بالأوبئة، ولكن اليوم يبدو أن الخطر قد ازداد ولا أعرف ماذا سنفعل في حال اكتشفت حالات إصابة بمرض شلل الأطفال، خصيصًا وشمال غزة يعاني من نقص حاد بالطعام والشراب والمستلزمات الطبية والأدوية وكل وسائل الحياة”.
ويكمل مدوخ: “ليس لدينا مكان آخر نقصده، وجنوب القطاع يعاني من تلوث شديد ايضًا، وأنا أفضّل أنّ اُقتل مع أبنائي بصاروخ “اسرائيلي” ولا يُصاب أحدهم بفيروس شلل الأطفال وأظل أشاهده وهو يعاني في حين أنه فيروس قاتل اصلًا”.
إلى ذلك، قال الجيش الإسرائيلي، إنه سيبدأ تقديم لقاح شلل الأطفال لجنوده الذين يخدمون في قطاع غزة بعد العثور على بقايا للفيروس المعدي في عينات اختبار في بعض مناطق القطاع الساحلي.
وأضاف أنه وفّر، بالتعاون مع منظمات دولية، لقاحات كافية لأكثر من مليون من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، موضحًا أن الجنود سيتلقون اللقاحات أثناء المناوبات الروتينية للقوات.
تعليقات الزوار
لا تعليقات