كشفت صحيفة إسبانية عن زيارة محتملة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى مدريد خلال شهر ديسمبر، وذلك مباشرة بعد انعقاد الاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب.
وبحسب ما نقلته صحيفة “ذا أوبجكتيف” عن مصادر دبلوماسية، يعتزم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز استقبال تبون في إطار ما وصفته الصحيفة بمحاولة مدريد الحفاظ على توازن حساس في علاقاتها مع كل من الرباط والجزائر، خاصة بعد التطورات الأخيرة في ملف الصحراء الغربية.
وبحسب الصحيفة، فإن الحكومة الإسبانية ستصادق على تعيين راميرو فرنانديز باتشييير سفيرًا جديدًا لدى الجزائر، خلفًا لفرناندو موران كالفو-سوتيلو، وذلك في خطوة تسبق الإعلان الرسمي عن زيارة تبون. وتشير إلى أن الدبلوماسي الإسباني المخضرم، الذي يشغل منذ 2022 منصب سفير بلاده في بولندا، سيكون هذا تعيينه الخارجي الرابع.
والمعروف أن الرئيس تبون لم يزر إسبانيا منذ توليه الرئاسة سنة 2019، رغم تنقلاته العديدة في أوروبا حيث زار البرتغال وإيطاليا وسلوفينيا، في حين زار سانشيز الجزائر آخر مرة سنة 2020، قبل الأزمة التي فجّرها التحول الإسباني تجاه قضية الصحراء سنة 2022.
وفي الجانب الاقتصادي، ذكرت الصحيفة أن العلاقات التجارية بين البلدين بدأت في العودة إلى طبيعتها بعد أزمة دامت 28 شهرًا، تكبّدت خلالها الشركات الإسبانية خسائر تقارب 3.2 مليار يورو. وأوضحت أن الصادرات الإسبانية إلى الجزائر هوت من 1.9 مليار يورو عام 2021 إلى 330 مليونًا فقط في 2023، ولم تستعد بعد مستواها السابق رغم فكّ التجميد الجزائري على التجارة.
كما تناول التقرير أزمة الهجرة غير النظامية، مشيرًا إلى ارتفاع كبير للقوارب المنطلقة من السواحل الجزائرية نحو جزر البليار خلال الصيف الماضي، وتجاوزها بحسب بيانات وزارة الداخلية، ضعف عدد الواصلين إلى جزر الكناري في الفترة نفسها.
ويأتي الكشف عن هذه الزيارة المحتملة في سياق تقارب كبير بين الجزائر وإسبانيا خلال الأشهر الماضية. ففي لقائه مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف على هامش قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ قبل أسابيع، وصف وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، العلاقات بين إسبانيا والجزائر بأنها “ممتازة”.
وأوضح ألباريس أن محادثاته مع عطاف خُصِّصت لـ”تعزيز العلاقات السياسية والتجارية والثقافية بما يخدم مصلحة الشعبين والصداقة والتعاون بين البلدين”.
وقبل ذلك، صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في آذار/مارس الماضي، بأن العلاقات “تعود تدريجياً إلى طبيعتها” مع إقراره بوجود “فترة برودة” سابقة.
وفي الواقع، بدأت مع نهاية 2023، مؤشرات الانفراج تظهر، وتكرّست بلقاء ألباريس وعطاف على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في فبراير 2024، وهو المسار الذي واصل الوزير الإسباني تأكيده في قمة جنوب إفريقيا.
وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، شهدت الجزائر زيارة وزير الداخلية الإسباني إلى البلاد، وهي الأولى من نوعها لمسؤول إسباني رفيع، بعد الأزمة التي عرفها البلدان سنة 2022 والتطورات الكبيرة التي أعقبتها، على خلفية تغير الموقف الإسباني من قضية الصحراء الغربية.
وجاءت الزيارة لتؤكد حسب البلدين، الرغبة المشتركة في توسيع مجالات التعاون الأمني والشرطي والقضائي، ومواصلة التنسيق في ملفات الهجرة غير الشرعية واسترجاع الأموال، إلى جانب تفعيل اتفاقيات التعاون في مجالات الحماية المدنية والسلامة المرورية.
وفي كلمة له، أبدى وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية بالجزائر، سعيد سعيود، ارتياحه لمستوى العلاقات الثنائية وما تشهده من ديناميكية متجددة تعكس حسبه، الإرادة السياسية في مواجهة التحديات المشتركة.
وبحسب سعيود، فإن الجزائر تواجه تدفقات متزايدة من المهاجرين القادمين من إفريقيا وآسيا، وتتعامل مع الظاهرة بحزم ومسؤولية دون اللجوء إلى المساومة أو الابتزاز، مضيفاً أن الجهود الأمنية مكنت خلال سنتي 2024 و2025 من منع أكثر من مئة ألف مهاجر غير شرعي من العبور نحو شمال إفريقيا وأوروبا، وإعادة أكثر من اثنين وثمانين ألف مهاجر إلى بلدانهم في ظروف تحترم كرامتهم. وأبرز سعيود التعاون القائم مع المنظمة الدولية للهجرة، الذي سمح بعودة 8500 مهاجر سنة 2024 وأكثر من 7000 منذ بداية 2025، بينهم عدد من المهاجرين الذين حاولوا الوصول إلى إسبانيا.
من جانبه، أشاد وزير الداخلية الإسباني بجودة العلاقات الثنائية وفعالية التنسيق بين البلدين في مختلف المجالات الأمنية والقضائية. وأكد أن الجزائر تعد شريكاً موثوقاً واستراتيجياً لإسبانيا في المنطقة المتوسطية، نظراً لتقاطع المصالح والتحديات المشتركة، مشيراً إلى أن بلاده تقدر جهود الجزائر في التخفيف من ظاهرة الهجرة غير النظامية ومكافحة الشبكات الإجرامية واحترام حقوق الإنسان.
وكانت العلاقات بين البلدين، قد شهدت انتكاسة قوية بعد قرار حكومة مدريد سنة 2022 تبني خطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية وهو ما تعارضه الجزائر التي تدافع عن حق الصحراويين الذين تستضيف جزءا منهم على أراضيها كلاجئين في تقرير المصير. وتقرر إثر ذلك، سحب السفير الجزائري من مدريد، ثم قرار الرئاسة الجزائرية، التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة مع المملكة الإسبانية سنة 2002.
وشكّل القرار الإسباني في ذلك الوقت مفاجأة للجزائر، على اعتبار مدريد هي القوة الاستعمارية السابقة في الصحراء الغربية ولا تزال القوة المديرة للإقليم. وذكرت الرئاسة الجزائرية في مبرراتها في ذلك الوقت أن ما فعلته إسبانيا “يعد انتهاكا لالتزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية للسلطة المسؤولة عن الإقليم والتي تقع على كاهل مملكة إسبانيا حتى يتم إعلان إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية من قبل الأمم المتحدة”.
لكن اتجاه العلاقات بعد نحو سنتين من ذلك، بدأ يسير نحو التقارب، حيث قامت الجزائر بتعيين سفير لها من جديد في مدريد في الثلث الأخير من سنة 2023، في وقت استعاد السفير الإسباني في الجزائر هامش المبادرة من خلال إجرائه لقاءات مع الفاعلين في الحقل الاقتصادي بالجزائر، قبل أن يزور مسؤولون جزائريون رفيعون إسبانيا العام الماضي أبرزهم الوزير الأول السابق نذير العرباوي.

تعليقات الزوار
لا تعليقات