أصدرت محكمة بئر مراد رايس الابتدائية بالعاصمة الجزائرية حكمها، بإدانة الكاتب الصحافي سعد بوعقبة بثلاث سنوات سجناً موقوفة النفاذ، بينما صدر حكم بالسجن سنة موقوفة النفاذ على مدير قناة رؤية عبد الرحيم رحاوي، إضافة إلى حكم بالغلق النهائي للقناة ومصادرة عتادها.
وجاء الحكم في جلسة شهدت حضورا إعلاميا مكثفا بعد استكمال الاستماع لمرافعات الأطراف. ورغم الإدانة، سيغادر بوعقبة السجن، وهو ما أظهر ارتياحا لدى الكثيرين من الحاضرين الذين جاءوا للتضامن معه.
وكانت النيابة التمست عقوبة خمس سنوات سجناً نافذاً ضد بوعقبة، وسنتين سجناً ضد حراوي.
وخلال استجوابه أمام القاضي، أكد سعد بوعقبة أن اتهامه بالإساءة للرئيس الراحل أحمد بن بلة “هو اتهام قائم بذاته”، نظرا للعلاقة القوية التي كانت تجمعه به. وأشار إلى أنه قضى 53 سنة في الصحافة، وتابعته العدالة ثلاث مرات فقط، “لكن هذه القضية هي الأسوأ بينها”.
من جانبها، أكدت ابنة الرئيس الراحل أحمد بن بلة صاحبة الشكوى في حديثها أمام القاضي، أنها تدافع عن شرف والدها ولا تقبل أن يقال عنه سارقا، معتبرة أن الرئيس الراحل كان مجاهداً ورجلا عظيما، وكل الناس تحترمه.
وذكرت أنها تأثرت لكلام الصحافي الذي كان يحاور بوعقبة، حيث استخدم عبارات مثل “اختلاس وطورطة”، مشيرة إلى أن بوعقبة “لم يتدخل لإيقافه”. وطلبت من المحكمة “إعادة سماع الفيديو”. ووفق الحاضرين في الجلسة، عقّب سعد بوعقبة على كلام الشاكية قائلاً: “إذا شعرت بالإساءة، أقول لك متأسف أمام الجميع”.
في المقابل، نفى الصحافي عبد الرحيم حراوي، مدير قناة رؤية، وجود أي سب أو تهجم أو كلمات تخدش سمعة بن بلة في الحلقة، موضحا أن المقطع المتعلق بالموضوع “حُذف لاحقا من مواقع التواصل الاجتماعي”.
وكان بوعقبة قد أحيل على المحاكمة بتهمة المساس برموز الثورة، بعد تصريحاته على قناة رؤية الإلكترونية التي تم تشميعها.
وتحدث الصحافي، استنادا إلى كتاب قديم نشره شخصية ألمانية على علاقة بالقضية، عن ما وصفه بتورط قادة تاريخيين في تقاسم أموال جبهة التحرير الوطني المودعة في سويسرا خلال فترة الستينات والسبعينيات.
وسبق لبوعقبة أن أثار هذا الموضوع في عدة مناسبات، كان آخرها في مقال نشره على موقع “المدار” قبل نحو ثلاث سنوات، عاد فيه إلى ما وصفه بوقائع تاريخية تتعلق بطريقة تصرف القادة في أموال الجبهة إبان السبعينيات.
وفي مقاله الذي حمل عنوان “تاريخ سويسرا في ابتزاز الجزائر”، اعتبر بوعقبة أن السلطات السويسرية سمحت في تلك الفترة لأحد بنوكها بتسليم ما تبقى من أموال الجبهة إلى ستة من كبار قادتها التاريخيين، وهم كريم بلقاسم، محمد خيضر، محمد بوضياف، رابح بيطاط، أحمد بن بلة، وحسين آيت أحمد.
وقدّم الكاتب روايته حول تقسيم هذه الأموال، مشيرا إلى أن جماعة الخارج استفادت من المبلغ وقامت بتوزيعه فيما بينها، وقال إن أحدهم استخدم حصته لبناء مصنع للآجر في المغرب، في إشارة إلى الرئيس الراحل محمد بوضياف، بينما وظف آخرون مبالغ منه لشراء السلاح بهدف إسقاط النظام في تلك الفترة.
كما رأى بوعقبة أن سويسرا تعاملت مع أموال الثورة كما لو كانت ملكًا لأشخاص، رغم كونها أموالًا جمعها الشعب الجزائري لدعم الكفاح المسلح، وهو ما أعاد الجدل بقوة بعد إحياء تصريحاته في الحوار التلفزيوني الأخير الذي تسبب في الاستدعاء القضائي.
وهذه المرة الثانية التي يمثل فيها بوعقبة أمام القضاء خلال السنوات الأخيرة، حيث سبق له أن توبع بتهم التحريض على الكراهية وفق القانون الجديد المعتمد سنة 2021، وعرض منشورات من شأنها المساس بالمصلحة الوطنية وفق المادة 96 من قانون العقوبات. وجاء ذلك بعد شكوى تقدمت بها جمعيات لمدير الأمن الوطني قبل نحو سنتين، اعتبرت فيها أن “الصحافي تجرد من كافة قيم الصحافة”، على حد قولها، وذلك بعد إطلاقه أوصافًا اعتبرت مسيئة لسكان ولاية الجلفة.
ويعد بوعقبة أشهر كتاب العمود في الصحافة الجزائرية، ويزاول المهنة منذ أكثر من 50 سنة، ويمتاز بقلمه اللاذع في انتقاد السياسيين. واشتهر بالخصوص بعموده نقطة نظام على جريدة الخبر التي توقف عن الكتابة فيها منذ أكثر من سنتين. كما عرف عنه انخراطه في الحراك الشعبي وتبنيه موقفا رافضا للانتخابات التي نظمتها السلطة منذ نهاية سنة 2019.

تعليقات الزوار
لا تعليقات