لقد عاد مطلب إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 مرة أخرى ليتصدر الساحة الدولية. بالنسبة لدولة إسرائيل، هذا تهديد وجودي بمخاطر أكبر حتى من النووي الإيراني. ولإحباط هذا التهديد الذي قد يعمل عليه مباشرة حتى الرئيس ترامب، فإن إسرائيل ملزمة بالتصرف بكل تصميم وبتفكر محسوب وبدعم جماهيري واسع.
في هذه الظروف، تبدو أعمال الشغب التي تقوم بها مجموعات من الشبان اليهود ضد الشبان الفلسطينيين في أرجاء “يهودا والسامرة” تعرض للخطر قدرة إسرائيل على الصمود في صراعها في سبيل حقوقها في القدس وفي أرجاء “المناطق”. صحيح أنها مجموعة صغيرة لا تزيد عن بضع مئات، لكن الضرر الذي تلحقه جسيم.
في الوقت الذي يجب أن يكون التأييد ضرورياً لصمود الحكومة في وجه الضغط الدولي، فإن أعمال الشغب تقوض أساس دعم الأغلبية الإسرائيلية لمشروع الاستيطان في “المناطق”. وهي تسرع معارضة الساحة الدولية لاستمرار سيطرة إسرائيل على “الضفة الغربية”. في هذه النظرة، فإن جماعات المشاغبين وأعمالهم العنيفة ضد مدنيين فلسطينيين، تشكل تهديداً استراتيجياً على المصالح الحيوية للأمن القومي الإسرائيلي.
في توقع للاحتكاك والمواجهات
في بداية اضطرابات 1936 – 1939 عارض بن غوريون أعمال الثأر التي يقوم بها اليهود ليأخذوا القانون في أيديهم، وطالب بسيطرة كاملة من القيادة السياسية على كل استخدام للقوة في الصراع لحماية الحاضرة اليهودية وبيان مدى رفض أعمال الثأر المستقلة حتى من الجانب القيمي والعملي.
“أحد مؤشرات الذوبان في الآخرين هو أن اليهودي لا يفعل ما هو ملزم بفعله حسب وضعه، بل ما “يفعله الغير”، قال بن غوريون في مؤتمر الأحزاب الصهيونية في 1936. “في البلاد ذوبان جديد – يحاكون أفعال العرب. يقولون لنا بأن العرب سيفعلون هكذا، إذن فستفعل هكذا. ويجب أن نشرح لأولئك: الوسائل حسب الغاية؛ لو كانت غايتنا كغاية العرب، لكانت وسائلهم هي وسائلنا”.
لفهم ظاهرة شغب الشباب اليهود، من الضروري أن نعرف الفرق بين معظم “فتيان التلال” الذين يعملون في أكثر من مئة مزرعة تم إنشاؤها بتنسيق مع قيادة المنطقة الوسطى، وبين جماعات المشاغبين التي تعمل من مزارع أنشئت على التلال دون أي تنسيق.
المزارع التي أنشئت بالتنسيق مع محافل الجيش، فحصت مكانة الأرض بعناية في تعريف ملزم بعدم التموضع على أرض فلسطينية خاصة. أما المزارع الأخرى للجماعات المارقة فتتموضع في قسمها الأكبر عن قصد على أرض خاصة في توقع لاحتكاكات ومواجهات.
مطلوب عمل ممنهج ومصمم
اليشع يراد، من الزعماء المتصدرين في أرجاء التلال، نشر في صحيفة السبت “عالم صغير” بياناً لرؤيا عمل الجماعات المارقة. مساعي الاستيطان السليمة على أرض الدولة في المناطق “ج” فقط وصفها كاستسلام “لحدود احتواء المنظومة”. بالمقابل، فإن الجماعات المارقة توصف كمن يعمل بهدف “تركيز الجهد على الاقتحام نحو المرحلة التالية: أراضي “ب” وأماكن تعرف بسخافة كأرض خاصة فلسطينية”.
إن تعالي هذه الجماعات على أغلبية المستوطنين الذين يحترمون القانون ينبع مباشرة من الخلاف منذ عهد فك الارتباط بين قيادة “يشع” للمستوطنين والحاخامات الذين اختاروا طريقة عمل أخرى ورسمية، وبين شباب رأوا في ذلك ضعفاً وانهزامية وادعوا بأنهم لو كانوا يتصدرون صراعاً عنيفاً حتى النهاية، لأمكن وقف الخطوة. وكمن عمل كقائد في قوات الإخلاء، يمكنني أن أصف مدى انقطاع تقديرهم للواقع عن القراءة الصحيحة للخريطة.
في أجواء الاحتقار الذي يكنه الفتيان المارقون للقيادة المسؤولة للاستيطان، نشأت في أرجاء التلال منابت لأسراب من المشاغبين تنعدم لديهم كل طاعة لمصادر الصلاحيات – لا صلاحيات أبوية، ولا صلاحيات حاخامية، وبالتأكيد لا صلاحيات الجيش والقانون.
لا أمل للجيش الإسرائيلي وشرطة إسرائيل في عمل حراسة عادي، لمنع أعمال ثأر جماعات المشاغبين. هذا جهد بلا منفعة، وكأن بك تطارد الريح. لذا، المطلوب عمل منظوماتي مبادر إليه، مشترك من قوات الجيش، والشرطة و”الشاباك” لقمع شروط عمل محافل الشغب. مطلوب لذلك أيضاً اعتقالات إدارية على نطاق واسع. من أجل مصالح إسرائيل في “المناطق” وفي غور الأردن، على قيادة المنطقة الوسطى بصفتها صاحبة السيادة في المجال، أن تعمل بنحو ممنهج واسع النطاق ومصمم وناجع.
غيرشون هكوهن

تعليقات الزوار
لا تعليقات