أخبار عاجلة

الجنائية الدولية تطالب بتسليم قيادي في قوات حفتر متهم بتنفيذ إعدامات جماعية

شهِد ملف الملاحقات القضائية المرتبطة بجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة في ليبيا تطوراً متسارعاً خلال الأيام الأخيرة، في ظل إعلان نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية نزهات شميم خان عن تحقيق سلسلة من «الإنجازات غير المسبوقة» خلال الأشهر الستة الماضية، وتأكيدها أن المكتب بات أقرب من أي وقت مضى إلى تنفيذ عدد من أوامر القبض العالقة منذ سنوات. وجاءت تصريحات خان في لحظة تعززت فيها الإجراءات الدولية عقب اعتقال خالد الهيشري في ألمانيا، وما تبعه من بيان مشترك لتسع دول في مجلس الأمن رحّب بـ»التقدم الكبير المحرز» في الملف الليبي. ويعكس هذا الحراك تمهيداً لمرحلة قضائية قد تُحدث تحولاً جوهرياً في مسار ملاحقة الانتهاكات المرتكبة في السجون ومناطق النزاع.
وأكدت خان أن خالد الهيشري المضبوط في ألمانيا متورط في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية داخل سجن معيتيقة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2015 و2020، مشيرة إلى أن اعتقاله يمثّل خطوة أولى في مسار أوسع يركز على «إنهاء الإفلات من العقاب» داخل ليبيا. كما كشفت أن سيف صنيدل، القيادي في قوات شرق ليبيا، متهم بالمشاركة في ثلاث عمليات إعدام جماعي راح ضحيتها 23 شخصاً، داعية السلطات في الشرق إلى تنفيذ أمر القبض الصادر بحقه وتسليمه فوراً إلى المحكمة. وشددت على ضرورة ضمان إلقاء القبض على جميع المطلوبين، سواء داخل ليبيا أو خارجها، خاصة المتهمين بفظائع ترهونة التي تعد من أبشع الجرائم الموثقة في البلاد منذ 2011.
وأضافت نائبة المدعي العام أن مكتبها يواصل الضغط لضمان اعتقال أسامة نجيم، المتهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سجن معيتيقة، تمهيداً لنقله إلى لاهاي للمحاكمة، مؤكدة أن ملف نجيم «سيظل في مقدمة أولويات المكتب» نظراً لخطورة الانتهاكات المنسوبة إليه. ويأتي هذا التأكيد بعد إخفاق محاولات سابقة لتسليمه، أبرزها اعتقاله في إيطاليا مطلع العام قبل الإفراج عنه خلال يومين بسبب «خلل إجرائي»، ما أثار أزمة سياسية داخل روما وانتقادات دولية واسعة.
وفي موقف داعم، أصدرت تسع دول أعضاء في مجلس الأمن بياناً مشتركاً أشادت فيه باعتقال الهيشري، معتبرة أن نقله الوشيك إلى المحكمة سيمثل «أول محاكمة تُعقد بموجب القرار 1970». وأكدت تلك الدول أن التعاون المتجدد من قبل السلطات الليبية يفتح المجال لاستمرار التحقيقات إلى ما بعد عام 2026، بما يضمن تطبيق الولاية القضائية على كل الانتهاكات الموثقة. وجدد البيان التأكيد على دعم استقلالية المحكمة ضد أي تهديدات، مشيراً إلى أن إدانة علي كوشيب في ملف دارفور تعتبر نموذجاً على قدرة إحالات مجلس الأمن في تحقيق نتائج ملموسة.
وتتوازى هذه المستجدات مع الخلفيات التي شكّلت السياق القانوني الحالي، وأبرزها اعتقال الهيشري في تموز/ يوليو الماضي داخل ألمانيا بعد رصده في مطار فرانكفورت عقب العثور على مبالغ مالية ومستندات تحويل أثارت الشبهات. ورغم عدم صدور تعليق رسمي من الجهات الليبية حينها، فإن المعلومات المؤكدة تشير إلى أن الهيشري شغل دوراً محورياً منذ 2013 داخل قوة الردع الخاصة في سوق الجمعة، ثم أصبح أحد المسؤولين الرئيسيين عن الانتهاكات داخل سجن معيتيقة، خصوصاً في قسم النساء، حيث ورد اسمه في تقارير أممية عن التعذيب الممنهج والاحتجاز التعسفي والانتهاكات الجنسية.
وتوضح المعطيات الميدانية المتداولة أن الهيشري لعب دوراً وثيقاً مع أسامة نجيم، إذ انتقل عام 2022 للعمل تحت قيادته في جهاز الشرطة القضائية المشرف على سجن الجديدة، ثاني أكبر سجون العاصمة. وتزامن ذلك مع تراجع ظهوره في طرابلس قبل أن تتواتر معلومات عن خروجه إلى تونس، ومنها إلى ألمانيا حيث ألقي القبض عليه. ولقي هذا التطور اهتماماً دولياً واسعاً بعد فشل تسليم نجيم سابقاً، ما جعل اعتقال مساعده خطوة ذات أهمية خاصة في نظر المحكمة الجنائية الدولية.
وترتبط التطورات الحالية كذلك بإعلان المحكمة في أيلول/ سبتمبر الماضي عن ست مذكرات قبض سرية لمطلوبين ليبيين، من بينها نجيم والهيشري. كما نشرت المحكمة في أيار/ مايو الماضي تفاصيل مذكرة اعتقال نجيم التي تضمنت 12 تهمة خطيرة تشمل القتل العمد، التعذيب، الاغتصاب، العنف الجنسي، وانتهاك الكرامة الإنسانية. وفي تموز/ يوليو، أعلنت النيابة العامة الليبية تحريك الدعوى العمومية ضد نجيم استناداً إلى الولاية الوطنية، بعد مثوله أمامها للاطلاع على الاتهامات الموجهة إليه.
وتكشف هذه الخلفيات أن مسار العدالة الدولية في ليبيا دخل مرحلة أكثر حسماً، مدعومة بتعاون ألماني وأوروبي متزايد، وتصاعد الضغوط على السلطات الليبية – خصوصاً في الشرق- لتنفيذ أوامر القبض المتبقية، وفي مقدمتها الأوامر المتعلقة بسيف صنيدل وأسامة نجيم. وفي ظل تأكيد مكتب المدعي العام أن التحقيقات ستتواصل إلى ما بعد 2026، يبدو أن مسار المحاسبة سيشهد توسعاً كبيراً يشمل ملفات إضافية مرتبطة بترهونة والسجون السرية والانتهاكات الواسعة التي طالت مدنيين خلال الأعوام الماضية.
ويعكس مجموع هذه المستجدات أن ملف ليبيا أمام المحكمة الجنائية الدولية يتحرك بقوة غير مسبوقة، وأن المرحلة المقبلة قد تشهد أولى المحاكمات الفعلية منذ إحالة ليبيا للمحكمة عام 2011، ما قد يشكل منعطفاً حقيقياً في جهود مكافحة الإفلات من العقاب وإعادة الاعتبار للضحايا بعد سنوات من الصمت والتأجيل.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات