أخبار عاجلة

لأول مرة في تاريخ الجزائر

لم يتجاوز أحمد بن بلة أول رئيس جمهورية جزائري، المرحلة الابتدائية من تعليمه، هو ابن الوسط الشعبي الفقير، الذي سيطرت عليه الأمية كحالة شبه عامة، بما فيها مدينة مغنية الحدودية الصغيرة، التي ولد فيها هذا الشاب ابن العائلة المغربية المهاجرة إلى الجزائر، من ضواحي مراكش. زيادة بالطبع على بعض ما تيسر من تعليم قرآني سيكون حاضرا عند كل رؤساء الجزائر، كجزء من ممارسة ثقافية سائدة لدى أبناء هذا الجيل.
مثلما كان الحال مع الرئيس هواري بومدين الذي لم يتعد المرحلة الثانوية، التي درسها بشكل متقطع في مصر، والتي سجل فيها بالأزهر لوقت قصير قبل الانقطاع عنها، والالتحاق بجيش التحرير. في حين كان الرئيس الشاذلي أقل حظا مع التعليم – رغم انتمائه لوسط ريفي متوسط، إذا اخذنا كمؤشر حجم الملكية الزراعية – لم يتجاوز فيه المرحلة الابتدائية، على الرغم من استفادته من تكوين مهني في مدينة عنابة، تكلم عنه الرئيس بن جديد في مذكراته بافتخار كبير وكأنه إنجاز تعليمي نادر. داخل هذا الوسط الريفي المتوسط في أقصى الشرق الجزائري بولاية الطارف الحدودية، لم يوفق في الاستفادة من قربه من زيتونة تونس.
لم يكن الأمر مختلف مع الرئيس بوضياف، كممثل لهذا الجيل الكبير من الرؤساء الجزائريين – من مواليد 1919- اكتفى بمرحلة الدراسة المتوسطة داخل النظام التعليمي الفرنسي العصري، المعتمد على الفرنسية كلغة تدريس، تمكنت من الاستفادة منه بعض العائلات القريبة مهنيا من الحالة الاستعمارية، كما كان حال بعض أفراد عائلة بوضياف المسيلية من عرش أولاد ماضي. الأمر الذي اختلف مع الرئيس علي كافي، الذي استفاد من تعليم تقليدي بالعربية في مدرسة الكتانية بقسنطينة، التي تقول بعض المصادر إنها كانت قريبة جدا من حيث برنامجها الدراسية من تلك السائدة لدى بعض الزوايا الكبيرة – الرحمانية في الشرق الجزائري ليكون الرئيس الزيتوني الوحيد في قائمة رؤساء الجزائر، وليكون الشاب السكيكدي، ابن شيخ الزاوية الرئيس الجزائري الوحيد الذي لم يكن يتكلم بالفرنسية، ولم يعرف عنه إتقانا لها. عكس الرئيس بن بلة الذي تعود على الحديث بلغة فرنسية شعبية، لم تفارقه لحين وفاته. مقابل عدم تحكم واضح في اللغة العربية، حسب بعض المصادر التاريخية التي تكلمت، عن استعانة الرئاسة المصرية بمترجم، في أول لقاء له مع الرئيس جمال عبد الناصر.
عكس الشاب محمد بوخروبة (هواري بومدين) الذي عبر عن امتعاضه من البرنامج التعليمي الرث الذي احتك به داخل مدرسة الكتانية بمدينة قسنطينة، بعد تعرفه على برنامج المدرسة الفرنسية، الذي استفاد منه في مدينة قالمة لغاية نهاية المرحلة الابتدائية من التعليم، قبل مغادرته الجزائر للتوجه شرقا نحو القاهرة. للدراسة في الأول في ثانوية مصرية خاصة كانت تعتمد على برنامج مزدوج اللغة – العربية والفرنسية ـ قبل الالتحاق بالأزهر.

المرحلة التعليمية الثانوية نفسها، التي لم ينجح الرئيس بوتفليقة في تجاوزها في إحدى ثانويات المغرب العصرية، تكون قد أثرت عليه، وهو يصر على استعمال اللغة الفرنسية في حياته اليومية وفي مخاطبة المواطنين، مثل أبناء جيله. للتهرب ربما من اللهجة المغربية الطاغية لدى هذا الشاب ابن العائلة الندرومية المهاجرة، المولود بالمغرب عام 1937. مسار الرئيس ليامين زروال رغم سنه الصغير – من مواليد 1941 – لا يختلف عمن سبقوه من رؤساء بمستوياتهم المتوسطة والابتدائية، إذا استثنيا التكوين العسكري الذي حصل عليه داخل المؤسسة العسكرية السوفييتية والفرنسية، كما جرت العادة في الجيش الجزائري الذي زاوج بين المدرستين، وأضاف لهما في أحيان أخرى المؤسسة العسكرية العربية. لتكون الجزائر على موعد مع اول رئيس جامعي حاصل على شهادة البكالوريا المهمة كشهادة في عملية الانتقاء، في شخص الرئيس عبد المجيد تبون الذي تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة، كما هو معروف. هو ابن الهضاب العليا الغربية التي سادت فيه كوسط اللغة الامازيغية والعربية، زيادة بالطبع على الفرنسية، التي كانت لغة المدرسة لدى أبناء الجيل الجزائري، الذي كانت استفادته أكبر من التعليم، بعد الاستقلال في المدن التي استقرت بها العائلة كسيدي بلعباس ودرس بها الشاب تبون المرحلة الثانوية – تلمسان.
معطيات حول الوسط الاجتماعي والثقافي للرئيس الجزائري كانت ضرورية لطرح مسألة النظرة الشعبية للرئيس الجزائري من قبل المواطنين، وكيف تطورت مع الوقت.. نظرة بالطبع لا يتحكم فيها فقط المستوى التعليمي للرئيس ولا وسطه الاجتماعي فقط ولا مساره المهني، بل يتحكم فيها كذلك وربما بدرجة أكبر المستوى التعليمي للمواطن الجزائري الشاب تحديدا وهو يعرف تطورا كبيرا، كان يرضى في بداية الاستقلال برئيس من أصحاب التعليم الابتدائي والمتوسط، لكن قد لا يرضى برئيس جامعي.
مواطن شاب – ومواطنة خاصة – تعلم أكثر وحسّن في مستويات تحكمه في اللغات الأجنبية، أصبح أكثر اطلاعا على ما يحصل في العالم، في زمن القرية الكونية، عكس الرئيس الجزائري الذي كان احتكاكه بالعالم الخارجي محدودا جدا. إذا استثنيا بعض الزيارات القليلة التي قام بها في إطار مهامه السياسية، وقبل وصوله إلى الرئاسة، كما كان الحال مع الرئيس علي كافي كسفير في بيروت ـ القاهرة وتونس، وبوضياف أثناء نضاله السياسي في أوروبا – إسبانيا وفرنسا. وبعد نفيه بُعيد الاستقلال، وليامين زروال خلال محطة السفارة القصيرة في رومانيا والدراسة في الاتحاد السوفييتي. زيادة على حالة استثنائية واحدة مرتبطة بالرئيس بوتفليقة كوزير خارجية، وهو مُبعد عن السلطة، بداية من تسعينيات القرن الماضي، تجول فيها في دول الخليج والمشرق العربي وأوروبا – سويسرا التي تتحدث بعض المصادر عن فترات إقامة طويلة فيها، ما يعني أن معرفة الرئيس الجزائري بالعالم الخارجي كقاعدة عامة كانت محدودة جدا، إذا استثنينا حالة فرنسا والدول المغاربية، وأنه لم يتعرف بالشكل الكافي على العالم الخارجي الذي بقي مجهولا بالنسبة له، ليبقي مبهورا بإنجازاته المتواضعة عندما وصل إلى موقع الرئاسة، يحصل هذا في الجزائر لأول مرة في التاريخ.
رئيس جزائري يبدو أنه لم يكن كثير المطالعة باستثناء حالات محدودة، كما كان حال الرئيس بومدين وربما محمد بوضياف لاحقا، والرئيس بن بلة أثناء فترة سجنه الطويلة بعد الاستقلال. التي تقول بعض المصادر إنه استغلها للقراءة أكثر، لتعويض بساطة تعليمه القاعدي، وهو ما لم يحصل مع الرئيس الشاذلي، على سبيل المثال، حسب المعلومات المتداولة. لتبقى المعلومات ناقصة في ما يخص رئيس الجمهورية الحالي، في علاقته بالمطالعة والكتاب. حتى وهو يسن عادة جديدة يقوم فيها باستقبال الكتاب والروائيين، وهم يهدونه نسخا من إنتاجاتهم أمام كاميرات التلفزيون. حتى إن فضل هذه السنة حضور مباراة في كرة القدم بين فرق عسكرية جزائرية، على التوجه الى تدشين معرض الكتاب الدولي واللقاء مع زواره من كتاب ومثقفين.

ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات