أخبار عاجلة

منصة 'إكس' تفضح حملة حسابات تضليل جزائرية تتقمص هوية مواطنين مغاربة لإثارة الفوضى في البلاد

أحدث تحديث تقني بسيط أجرته منصة "إكس" تحولاً غير متوقع كشف واحدة من أضخم شبكات التضليل التي استهدفت المغرب خلال السنوات الأخيرة، في واقعة وصفها خبراء الأمن الرقمي بـ"اللحظة المفصلية" التي أزاحت الستار عن عمليات تأثير خارجي كانت تتخفى داخل النقاشات المغربية على الإنترنت بهدف التحريض ومحاولة الاضرار بصورة البلاد في الخارج بعد النجاحات المغربية الدبلوماسية والاقتصادية غير المسبوقة، غير أن وعي الشعب المغربي ساهم كذلك في افشال تلك المحاولات وكشفها.
فبعد تمكين خاصية إظهار الموقع الجغرافي للحسابات، بدأت تتكشف حقيقة مجموعات واسعة من الحسابات التي أمضت سنوات في تقديم نفسها كأصوات مغربية من داخل الأحياء الشعبية في الدار البيضاء أو طنجة أو فاس. غير أنّ الإحداثيات الجغرافية الجديدة فضحت مواقع تشغيلها الحقيقية، والتي تبيّن أنها متمركزة في مدن جزائرية مثل وهران وعنابة وتيزي وزو، إضافة إلى حسابات مرتبطة بمناطق محاذية لمخيمات تندوف. كما ظهر أن جزءاً من الشبكة يمتد نحو دول في أوروبا الشرقية وكندا ودول عربية مثل قطر، ما يعني وجود هيكل منظم وعابر للحدود.

وأطاح هذا الكشف برواية لطالما رُوّج لها حول "حراك افتراضي مغربي داخلي"، بعدما ثبت أن نسبة كبيرة من المحتوى التحريضي لم تكن صادرة من داخل المغرب، بل من غرف عمليات رقمية خارجية تتبع لجهات تعمل بشكل منهجي لإرباك الوضع في البلاد.
ويرى مراقبون أن هذه الشبكات نشطت على خلفية التقدّم الدبلوماسي والاقتصادي الذي حققه المغرب في السنوات الأخيرة، خاصة ما يتعلق بتثبيت مجلس الامن لخيار الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي لقضية الصحراء في إطار مسار أممي واضح اضافة للنجاحات الاقتصادية وتطور العلاقات في مختلف المجالات بين الرباط وعواصم دول غربية مؤثرة. ويشير هؤلاء إلى أن هذا المسار ترافق مع تراجع الدبلوماسية الجزائرية وعزلتها وتدهور علاقاتها مع قوى إقليمية ودولية مهمة مثل فرنسا وإسبانيا وعدد من دول الساحل الإفريقي، ما خلق حالة امتعاض دفعت أطرافاً جزائرية إلى توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لمحاولة التأثير في استقرار المغرب وصورته الخارجية.
ومن أبرز السمات التي كشفتها التحقيقات الرقمية اعتماد هذه الحسابات على "التمويه اللغوي"، إذ أتقن المشرفون عليها اللهجة المغربية الدارجة ومصطلحات الحياة اليومية، في محاولة لاكتساب ثقة المتابعين وإيهامهم بأنهم جزء من الرأي العام المحلي. وقد ركّزت هذه الحسابات على قضايا حساسة مثل غلاء الأسعار، وضعف الخدمات، والفساد، مستهدفة إثارة الانفعالات السلبية وتعميق الشكوك تجاه المؤسسات.
وتشير المعطيات إلى أن توقيت الحملات الرقمية كان مدروساً بعناية، إذ كانت موجات التحريض تظهر غالباً بالتزامن مع نجاحات سياسية ودبلوماسية لصالح المغرب، أو بالتوازي مع حراك شبابي داخلي تعاملت معه السلطات بانفتاح وعقلانية أشادت بها المنظمات الدولية. وهو ما اعتبره باحثون محاولة لاستغلال أي نقاش اجتماعي طبيعي لتحويله إلى شرارة توتر.

ومع بدء انكشاف المواقع الجغرافية الحقيقية، عرف المشهد الرقمي ارتباكاً واسعاً؛ فقد سارعت حسابات عديدة إلى حذف محتواها التحريضي، بينما بدّل بعضها أسماء المستخدمين وصور الملفات الشخصية، في حين اختفت حسابات أخرى بالكامل تاركة وراءها صفحات فارغة بعد سنوات من النشاط المكثف.
ويرى خبراء أن هذا السلوك يؤكد أن الأمر لم يكن يتعلق بمستخدمين عاديين، بل بمنظومة منظمة انكفأت مباشرة بعد انفضاح غطائها التقني. كما اعتبر مختصون في أمن المعلومات أن العملية تندرج ضمن أساليب "حروب الجيل الرابع" التي تستهدف الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة عبر صناعة انطباعات زائفة حول الغضب الشعبي أو الاحتقان الداخلي.
وتوضح التحليلات أن الأهداف الأساسية لهذه الشبكات تمثلت في إنتاج صورة مزيفة عن حالة توتر داخل المغرب ومحاولة خلق انقسام اجتماعي، رغم أن المزاج العام كان مستقراً ولم يشهد ما يعكس حجم الضجيج الرقمي المفتعل.
وفي الوقت نفسه، أكدت هذه الواقعة حجم الضرر الذي يمكن أن تُحدثه حملات تضليل عابرة للحدود، ومدى تأثيرها السلبي على العلاقة بين الشعبين المغربي والجزائري، خاصة في ظل دعوات متكررة من العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى فتح صفحة جديدة تقوم على الحوار والثقة وحسن الجوار. غير أن استمرار هذا النوع من الحملات يبرز وجود جهات في الجزائر تعمل في الاتجاه المعاكس، وتسعى للحفاظ على مناخ التوتر بدل التقارب.
ومهما تكن تداعيات هذا الكشف، فإن الخبراء يجمعون على أنه شكل منعطفاً مهماً في فهم طبيعة التهديدات الرقمية التي تستهدف دول المنطقة، ودفعة قوية نحو تعزيز الأمن السيبراني وحماية النقاش العام من الحملات الخارجية الممنهجة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات