«ساركوزي وصنصال نجما «السوشيال ميديا» هذه الأيام – مع تنوع في السياقات أو هكذا يهيأ للمتابع. الأول قضى عشرين يوما في السجن وخرج حزينا مكسورا، أما الثاني فقضى سنة وخرج بأفضل حال أو هكذا يتخيل رواد وسائل التواصل على الأقل.
سجينان وأضواء
في وسائل الإعلام الفرنسية غطت صور الحوارات الكثيرة والأسئلة التي أجراها صحافيون ومعلقون يغزون شاشات البلد، وكبرى وسائل إعلامه، للكاتب الفرانكو – جزائري حول أخبار «العطلة القصيرة» التي قضاها رئيسهم الأسبق في السجن. ساركوزي، الذي خرج واعدا مريديه بإصدار كتاب عن تجربته الحزينة والتي أعلنت دار «فيار» أنها ستحمل عنوان «يوميات سجين»، سرعان ما أثار غضب فريق واسع من رواد التواصل في فرنسا وخارجها الذين وجدوا في ما سيأتيه إثباتا لخصلة فرنسية خالصة: التذمر!
شريحة واسعة وجدت في المقارنة حجة لإثبات موقفها، السبب صنصال، الذي سوق له الإعلام الفرنسي ككاتب عجوز مصاب بسرطان وحاله حرجة، يعالج في مستشفيات السجون الجزائرية التي لا ترقى الى مستوى الخدمات الأوروبية، ظهر متألقا، فرحا، قليل التأثر من تجربة سنة قضاها هناك، حيث الصحراء (بالنسبة لليمين الفرنسي) ولا يبدو اصدار كتاب عن تجربة الأسطورة – كما لقب نفسه – من أولياته هو الكاتب الكبير. «يبدو في حال أفضل من ساركوزي»، «الآن وقد حرر هل ستحل كل مشاكل الفرنسيين؟»، «لا يبدو حاله بهذا السوء»، «سعيدون برؤيتك بيننا من جديد». تعليقات من بين أخرى كثيرة شغلت مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات وسائل الإعلام التي استضافت الرجل.
على ضفة المتوسط الجنوبية لم تلق صور صاحب «قرية الألماني» الترحاب ذاته، البعض لام سلطات البلد على الهدية التي قدمتها لكاتب عنصري، حسبهم من أضواء ومجد لم تخولها له نصوصه. كثر توقفوا عند ما لحقهم من أذى نفسي جراء اضطرارهم للتضامن (الأخلاقي) مع رجل يمقتون أفكاره ولولا – الخطوة غير محسوبة العواقب التي اتخذت بسجنه – لما أجبروا على إتيانها، خصوصا وأن الرجل لم يتنصل من إعجابه برواد اليمين الفرنسي، حتى الأكثر عنصرية في خرجاته الجديدة.
تصريحات الرجل التي يبدو أنها ستكثر وتثير، كانت تلك المتوعدة بعودة قريبة وضرورية إلى الجزائر أكثر ما أثار الاستغراب، انطلاقا من اندهاش ماكرون ذاته، حسب تصريحات الروائي، إلى الصحافيين الذين استضافوه. محاولة ترميم قلبه الذي تأذى من عقوبة جرم لم يرتكبه، حسب كلامه جعلت مواقع التواصل الاجتماعي تنفجر بين الضفتين، في فرنسا علق كثر: «يبدو أنه استمتع جدا حتى يقرر العودة بهذه السرعة»، «الجزائر ليست بهذا السوء إذا»، «اشتاق لشمس البلاد»، أما في الجزائر فقرئت التصريحات بشكل مختلف: «يواصل استفزازه على ما يبدو»، «لم يعود لبلد يكرهه ويكره تاريخه؟»، «اشتاق للسجن؟». «صنصال» الهادئ بطبعه (في طريقته في الكلام على الأقل)، بدا هادئا حتى في الحديث عن تجربته، الأمر الذي فاجأ كثرا، خاصة من انتظر منه تصريحات انتقامية، بل حاول صوغها على نحو روائي ركز فيها عن خصوصيات السجن – في حالته على الأقل- عن صداقاته في الزنزانة، عما أثث أيامه، وتجربته كسجين مريض.
صفر تفاهة
«زيرو تفاهة» وسم تحول إلى «تريند» في المملكة المغربية خلال الأيام الأخيرة قبل أن يتحول إلى حملة تقودها عدة صفحات وشخصيات مغربية ضد مشاهير وسائل التواصل، بدت أقرب إلى حل «شعبي» لجدالات متتالية حول مشاهير المواقع في البلاد. «مولينكس» كان آخر أبطال «بوز» مغربي، بعد أن تسربت لوسائل الإعلام أخبار اعتقاله من طرف السلطات الأمنية للبلاد، وارتباطه بقضية تشغل المغاربة منذ عدة أسابيع حول الطفل القاصر «آدم بن شقرون».
و»مولينكس «و»آدم» لمن لا يعرفهما مشهورا السوشيال ميديا مغربيان، يحظيان بالكثير من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي من داخل وخارج البلاد، لكن اسميهما لم يتعلقا هذه المرة بجولة تحديات ولا فيديو مثير للجدل، بل لورود اسميهما في قضايا يدور أغلبها حول اتجار بالبشر، القاصر «آدم» ضحية لها، أما الراشد «مولينكس» فيبدو ضالعا فيها كمتهم بتهم كثيرة وخطيرة تداولها المغاربة على نطاق واسع، بعدما تحركت جهات مختصة بمعية بعض الجمعيات ضدهما.
تحرك في قضية بدا كالقطرة التي أفاضت كأس المغاربة، وربما بداية حملة ممنهجة ستطال «طبقة جديدة» في البلد، مع كل ما يمكن أن يصنع طبقة، تحاول ربما أطراف رسمية الاتكاء على ما يصنع تفردها من شعبية، وتوظيف الشعبوي في غياب قدرة على بناء إطار تنظيمي لها.
«زيرو تفاهة» بدا كنقمة على مضامين يرى كثر من المتابعين غياب منفعة منها، لكنها في المقابل تحشد الكثير من الاهتمام. على مواقع التواصل الاجتماعي تعددت تبريرات المباركين لهذه الحملة: «يشوهون صورة البلد»، «يعبثون بثوابتنا»، «لا حدود لجنونهم، لا يهمهم غير المال»، علق البعض. «حين نلتقي أناسا من جنسيات أخرى يحدثوننا عنهم ويروننا فيهم، جهلة، لا يملكون الحد الأدنى من آداب السلوك، في حين يملك المغرب طاقات وشعبا ومكونا محترما»، برر أحد صانعي المحتوى المغاربة ممن يعيشون في أوروبا ووافقه كثر من متابعيه. على النقيض وقف كثر منددين بما رأوا فيها ظلما يلحق من لا يملكون نفوذا ولا قوة، لذا فميزان القانون يقع بسهولة عليهم.
تجاوز صدى حملة «زيرو تفاهة» حدود المملكة، تردد في عدة بلدان، ذكرت كثرا بما حدث ويتكرر في مصر من حالات مماثلة مع «سوزي الأردنية» على سبيل المثال وكثر غيرها وما أصبح يحدث بانتظام في الجزائر والمؤكد أن «بوجمعة الشلفي» لن يكون آخرهم، مع صدور أخبار مستمرة حول حالات مشابهة.
ارتباط هؤلاء بجرائم تعاقب عليها القوانين لا ينفي أيضا القوى الخفية – الظاهرة التي لا تزال تحرك الفضاءات المغاربية والعربية عامة من دين وعادات مجتمعية تحسن كثير من الأطراف توظيفها لرسم آفاق الممكن المجتمعي، وتعبر عن وجه آخر للسقوف الزجاجية التي قد يصطدم بها «الحالمون الجدد»، سقوف تضاعفها حمى «الفانديتا» (الثأر) الجماعية التي تخولها ذات الفضاءات التي أفرزت هؤلاء المؤثرين، والتي تمعن في ممارسة عدالتها بسرعة وخفة قبل أن تطفئ نارها ذاتيا.
غادة بوشحيط

تعليقات الزوار
لا تعليقات