كشف وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عن دوافع بلاده التصويت على القرار المتعلق بغزة في مجلس الأمن، وهو الموقف الذي قوبل بانتقادات واسعة وطنيا ودوليا واعتبره البعض خروجا عن الخط المعتاد للجزائر.
وعرض الوزير في كلمته أمام وسائل الإعلام خلال ندوة صحافية عقدها بمقر الخارجية الجزائرية، حيثيات القرار كما قُدمت خلال جلسات المجلس، مستندا إلى ما وصفه بالاعتبارات الموضوعية التي حكمت موقف الجزائر.
وقال عطاف إن تصويت الجزائر لصالح القرار جاء استنادا إلى ثلاثة اعتبارات رئيسية: الأهداف الجوهرية للقرار، والخلفيات الكامنة وراءه، ثم مواقف أبرز الفواعل الإقليمية حياله. وأوضح أن الأهداف الجوهرية للقرار تندرج ضمن الأولويات المستعجلة لما بعد العدوان على غزة، وهي أولويات أربعة حسبه: تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، تمكين جهود الإغاثة الإنسانية دون قيود، وتمهيد الطريق لإطلاق مسار إعادة الإعمار في غزة.
وأضاف أن هذه الأولويات هي ذاتها التي ظلت الجزائر ترافع من أجلها منذ بداية عهدتها في مجلس الأمن، بعد ثلاثة أشهر من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، مؤكدا أن القرار المُعتمد يوفر أرضية ملزمة للتكفل بهذه الأولويات دون المساس بثوابت حل القضية الفلسطينية. وذكّر في هذا السياق بعدة عناصر، بينها تأكيد القرار على ضرورة احترام وقف إطلاق النار ورفض أي مبررات لاستئناف العدوان، وتأسيسه في سابقة لافتة لنشر قوة دولية لحفظ الأمن في غزة، ورفضه التهجير القسري والمخططات الإسرائيلية لضم غزة، ودعوته لرفع جميع القيود أمام الإغاثة، إضافة إلى تمهيد الطريق لعملية إعادة الإعمار بمساهمة المؤسسات المالية الدولية.
وتحدث عطاف عن ثوابت القضية الفلسطينية، قائلا إن القرار لا يمس بمرتكزات الحل العادل والدائم والنهائي المتوافق عليه دوليا، مشيرا إلى أنه يذكّر بجميع قرارات مجلس الأمن السابقة ذات الصلة، والتي تشكل الأساس الأممي لحقوق الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال وتجسيد مشروعه الوطني وإقامة دولته المستقلة. وأبرز أن الجزائر نجحت خلال المفاوضات في إدراج تعديل مهم يوضح أن الهدف النهائي من القرار هو توفير الظروف المناسبة لفتح أفق الحل السياسي للصراع وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة.
وبخصوص خلفيات القرار، أوضح الوزير أن المبادرة لعرض ما سُمي بـ”خطة السلام في غزة” على مجلس الأمن جاءت من الدول العربية المشاركة في قمة شرم الشيخ التي عُقدت بمصر، والتي اعتمدت الخطة وطالبت بإقرارها أمميا لتحقيق ثلاث غايات: إضفاء الصفة القانونية والتنفيذية للخطة، وإخراجها من إطارها الضيق إلى الطابع الدولي، ثم وضع تنفيذها تحت مظلة الأمم المتحدة لضمان تجسيدها بما يتوافق مع الشرعية الدولية.
وفي ما يتعلق بالمواقف الإقليمية من القرار، قال عطاف إن الجزائر التزمت منذ بداية عهدتها بمجلس الأمن بالتنسيق مع الأشقاء الفلسطينيين والعرب عبر بعثاتهم في الأمم المتحدة، وهو النهج نفسه المتبع خلال مفاوضات القرار. وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية كان لها موقف واضح وصريح بدعم مشروع القرار الأمريكي، حيث دعت الدول الأعضاء إلى اعتماده، كما رحبت به بعد تبنيه. وأضاف أن الدول العربية والإسلامية المشاركة في قمة شرم الشيخ أصدرت بدورها بيانا مشتركا يحث المجلس على اعتماد القرار، ثم سارعت بعد اعتماده لإصدار بيانات ترحيب.
وأكد الوزير أن الجزائر لا يمكنها الحياد عن موقف الفلسطينيين، ولا الخروج عن التوافق العربي والإسلامي المؤيد للقرار، ولا تبني موقف يناقض ما رافعت من أجله سابقا، وهو اعتماد قرار استعجالي ملزم لرفع المعاناة عن سكان غزة. وشدد على أن هذا الموقف لا يعني التغاضي عن النقائص التي شابت القرار، بل يمثل تجاوبا مسؤولا مع الموقفين الفلسطيني والعربي دون إخلال بثوابت الموقف الجزائري أو بأسس الحل المتوافق عليه دوليا.
وأضاف عطاف أن الجميع يدرك أن القرار لم يكن كاملا أو مثاليا، إذ يركز على مرحلة ما بعد العدوان على غزة ولا يعالج الصراع في شموليته، ويحد مؤقتا من دور السلطة الفلسطينية لحين استكمال إصلاحاتها، ويكتنفه الغموض في ترتيباته المؤقتة خصوصا ما يتعلق بتشكيلة ومهام مجلس السلام والقوة الدولية لحفظ الاستقرار، ولا يتكفل بمعالجة الأسباب الجذرية للصراع أو توحيد الأراضي الفلسطينية أو إنهاء الاحتلال.
ورغم كل ذلك، قال الوزير إن ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار، وإنهاء جرائم الإبادة والتجويع والتنكيل، وتمكين الإغاثة، وإطلاق إعادة الإعمار، وتجريد الاحتلال من ذرائع استئناف الحرب، كانت الحتمية التي فرضت نفسها. وأضاف أن هذه الاعتبارات الموضوعية هي التي احتكمت إليها الجزائر بكل مسؤولية والتزام وحكمة في اتخاذ قرارها السيادي بالتصويت لصالح المشروع.
وختم عطاف بالتعبير عن تطلع الجزائر لأن تسهم هذه الخطوة في التخفيف من مأساة الشعب الفلسطيني في غزة، وأن تتبعها خطوات أخرى تتكفل بالأسباب الجذرية للصراع وتُسرّع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والسيدة، بما يضمن الحل العادل والدائم والنهائي للصراع واستعادة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
وكان التصويت الجزائري المؤيد للقرار والذي جاء بعد التماسات من فصائل المقاومة برفضه والتصدي له، قد أثار ضجة في الجزائر، واعتبره كثيرون من سياسيين وإعلاميين غريبا عن الموقف المعتاد للجزائر خلال عهدتها الحالية في مجلس الأمن التي تشارف على الانتهاء.
وفي سياق ذلك، رفضت حركة مجتمع السلم التي تتبنى نهجا معارضا في البرلمان التصويت الجزائري، معتبرة أن الخطوة لا تنسجم مع الثوابت التاريخية والسياسية للدبلوماسية الجزائرية.
وجاء موقف الحركة في بيان أوضحت فيه أنها تابعت عملية التصويت على القرار الذي ترى أنه يفرض وصاية دولية “منحازة” على القطاع، ويفصله جغرافيا عن وحدته الفلسطينية، ويسعى لفرض أمر واقع جديد يتعارض ـ بحسب البيان ـ مع ثوابت القضية، خاصة ما يتعلق بتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية ومستقبل المقاومة ونزع سلاحها في غزة، في ظرف وصفته الحركة بأنه من أكثر المراحل خطورة في مسار القضية الفلسطينية.
وذكرت الحركة أن الشعب الفلسطيني ومقاومته قدما نماذج بارزة في الصمود والدفاع عن الحقوق التاريخية المشروعة للأمة، مقابل محاولات فرض حلول تخدم – كما قالت – العدوان الصهيوني. وفي هذا السياق شددت على أن تصويت الجزائر، أيا كانت مبرراته أو خلفياته، لا يعكس نبض غالبية الجزائريين الذين ظلوا عبر الأجيال أوفياء للقضية الفلسطينية ورافضين لكل أشكال التطبيع والانحياز للحلول التي تصب في مصلحة الاحتلال.
وأوضحت حركة مجتمع السلم أن أي مقاربة حقيقية للسلام يجب أن تبدأ بإنهاء الاحتلال ووقف الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، وتمكينهم من كامل حقوقهم، بما في ذلك حقهم في المقاومة والدفاع عن أنفسهم وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. واعتبرت أن تجريد المقاومة من سلاحها، أو تهميش مؤسسات الشرعية الدولية التي تقدم المساعدات الإنسانية، أو فرض آلية وصاية دولية منحازة، لا يمكن أن يشكل أساسا لتحقيق السلام.
ودعت الحركة الدبلوماسية الجزائرية إلى التركيز على آليات دعم فعلي تنسجم مع مبادئ الدولة الجزائرية المستمدة من مبادئ الثورة، بما يسهم في استعادة الثقة الشعبية والعربية في دور الجزائر كصوت حر ومدافع عن القضايا العادلة، وفي مقدمتها فلسطين.

تعليقات الزوار
لا تعليقات