تتجه الجزائر إلى إقرار زيادة في الحد الأدنى للأجور والرفع في منحة البطالة ضمن مساعيها لتحسين القدرة الشرائية المتدهورة في ظل التضخم المتزايد، وتهدئة الجبهة الاجتماعية المشتعلة، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات لتوجهات الدولة الاقتصادية وإخفاقاتها في إحداث تحول هيكلي وعجزها عن تطوير البنية التحتية المتآكلة، ما حد من قدرة البلاد على استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تعد من أهم الحلول لمعالجة معضلة البطالة.
ويشمل مشروع قانون موازنة عام 2026، التي وُصفت بأنّها الأكبر في تاريخ الجزائر، زيادة كتلة الأجور بنسبة 1.4 بالمئة لتبلغ نحو 45 مليار دولار، وهو ما يعادل ثلث الميزانية، وفق مواقع محلية.
وينتظر أن يشمل قرار رفع الحد الأدنى للأجور جميع العاملين، وسط توقعات بالترفيع في منحة البطالة إلى 20 ألف دينار شهرياً.
ويمكن اعتبار هذه الإجراءات بمثابة إطفاء مؤقت لنار السخط الشعبي المتصاعد. فمن خلال تحسين الدخل، تسعى الحكومة إلى امتصاص الغضب وتجنب اندلاع حركات احتجاجية واسعة على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية لفئات واسعة من الجزائريين.
ويمثل تقديم الدعم المالي المباشر عبر الزيادات حلاً سريعًا وله تأثير فوري وملموس على حياة الناس، مما قد يحول الانتباه جزئيًا عن معضلة عدم تنفيذ إصلاحات اقتصادية عميقة تضمن نموًا مستدامًا ومشغلاً.
ويرى خبراء أن هذا التوجه لا يعالج جذور المشكلة الاقتصادية التي تتمثل في ضعف البيئة الاستثمارية، والبيروقراطية، والاعتماد المفرط على عائدات النفط والغاز. ولا يمكن لمنحة البطالة أن تحل محل وظائف مستدامة تخلقها مشاريع استثمارية حقيقية.
وينتظر أن تؤدي الترفيع في الأجور والمنح إلى تفاقم الضغوط التضخمية في حال لم يقابلها زيادة في الإنتاج والخدمات، مما قد يعيد تآكل القوة الشرائية مجددًا.
ويرى العديد من الجزائريين أن الحكومات المتعاقبة أخفقت في وضع إسترايتيجات تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتوطين الصناعات الرائدة، رغم أن البلد النفطي، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول، لا تعوزه الإمكانيات.
وركزت الجزائر بشكل واضح على الإنفاق الاجتماعي كآلية رئيسية وسريعة لامتصاص الاحتقان وتهدئة الجبهة الاجتماعية، متجاوزة أو مؤجلة بذلك معالجة الجذور الهيكلية لأزماتها الاقتصادية المتعددة. وتعرف هذه الاستراتيجية بـ"شراء السلم الاجتماعي".
وتعتمد هذه الآلية على توجيه فوائض عائدات الطاقة، التي ارتفعت بفعل التقلبات الجيوسياسية العالمية، نحو برامج ذات تأثير فوري وملموس على معيشة المواطنين. ووصلت الزيادات في الأجور في بعض الأحيان إلى نسب كبيرة على مدى عدة سنوات (مثل 47 بالمئة بين 2022 و2024).
كما أدمجت الحكومة أعدادا كبيرة من المتعاقدين والموظفين المؤقتين، خاصة في قطاعات التعليم والإدارة، في مناصب دائمة، مما يضمن الاستقرار الوظيفي لفئة واسعة.
وتعتمد الموازنات العامة على أسعار نفط مستقرة نسبياً، لكن النفقات الاجتماعية الهائلة (كلفة الزيادات والمنح) تؤدي إلى عجز مالي كبير (قد يصل إلى 54 بالمئة من إجمالي النفقات في بعض التقديرات)، مما يفتح الباب أمام الاستدانة الداخلية وربما العودة إلى خيارات غير تقليدية مثل التمويل الاستثنائي (طباعة النقود) الأمر الذي يغذي التضخم لاحقاً.

تعليقات الزوار
لا تعليقات