أخبار عاجلة

جدل واسع داخلي محتدم حول تأييد الجزائر لقرار مجلس الأمن حول غزة

لا يزال القرار الذي صوّتت عليه الجزائر في مجلس الأمن بشأن غزة مثار جدل واسع داخل الساحة السياسية والإعلامية، بعدما انقسمت المواقف بين قراءة رسمية ترى فيه امتدادا لثوابت الدبلوماسية الجزائرية، وانتقادات حادة عبّرت عنها شخصيات وأحزاب اعتبرت التصويت انحرافًا عن الخط التاريخي للدولة في دعم القضية الفلسطينية.

في قلب هذا الجدل، استأثرت برقية وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بحيّز كبير من النقاش، بعدما حملت لهجة شديدة في الدفاع عن الموقف الرسمي، مؤكدة أن الدولة الوطنية “قد استرجعت كامل قواها وأصبحت سيدة كل قراراتها التي لا يمليها عليها سوى المصلحة الوطنية والصالح العام”.

وشددت البرقية على أن “مآسي تسعينيات القرن الماضي قد ولّت بلا رجعة” بعدما دفع الشعب الجزائري “ضريبة باهظة لمؤامرات حاولت يائسة ضرب الدولة الوطنية في الصميم”، وهو ما أثار تساؤلات حول المقصود بالإحالة إلى هذه الفترة التي عاشت فيها الجزائر مآسي الإرهاب.

وأكدت الوكالة أن السياسة الخارجية “مجال محفوظ لرئيس الجمهورية” بحكم الدستور، وأنه “لا صوت يعلو فوق صوت الدستور ولا مصدر لسياستنا الخارجية غير مصدرها الدستوري”. وانتقدت بشدة الأطراف الداخلية التي هاجمت الدبلوماسية الجزائرية بسبب التصويت، معتبرة أن هذه الخرجات “تفتقر في شكلها وفي فحواها إلى أبسط الأسس الموضوعية” وتكشف “نزعة مقيتة لتسخير السياسة الخارجية في لعبة الحسابات السياسوية الضيقة”.  وأنهت بالتأكيد على أن الدولة الوطنية “لن تسمح بجعل قرارها السيادي الخارجي مطيّة للمساومات السياسية والحزبية محدودة الآفاق والأبعاد”.

هذه اللهجة التي بدت صدامية أثارت موجة جديدة من السجال، وردّ عليها الصحافي نجيب بلحيمر بقراءة نقدية اعتبر فيها أن جعل السياسة الخارجية “مجالًا محفوظًا” لرئيس الجمهورية لا يعني تحريم النقاش حولها ولا منع المواطنين والمختصين من تقييم قراراتها.  وقال إن السياسة الخارجية، شأنها شأن باقي السياسات، تُناقش ويُنتقد أداؤها، وإن الشعب يمتلك الحق في إبداء رأيه باعتباره صاحب السيادة. وذكّر بأن الرئيس تبون نفسه سبق أن انتقد أداء الدبلوماسية في فترات سابقة رغم وجود “إجماع” مشابه لذلك الذي تسعى البرقية لفرضه اليوم.

وفي غضون ذلك، تواصل الجدل ليمتد إلى الساحة الحزبية بين مؤيد للموقف الرسمي ومعارض له. فقد سارع حزب جبهة التحرير الوطني إلى تثمين جهود الجزائر في مجلس الأمن، معتبرًا أن التصويت يأتي “انسجامًا مع المواقف الثابتة” للجزائر، وأنه خطوة تهدف إلى “خلق ظروف مواتية لإطلاق مسار سياسي جاد” يقود إلى استرجاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وذكر الحزب بأن القرار “لا يمس مرتكزات الحل العادل”، بل يضمن بنودًا تتعلق بوقف إطلاق النار، وتوفير الحماية الدولية، والسماح بالمساعدات، وتهيئة إعادة الإعمار، مشيدًا بجهود الجزائر داخل المجلس خلال العامين الماضيين.

وفي الاتجاه ذاته، عبّر التجمع الوطني الديمقراطي عن استغرابه لما وصفها بـ”الحملة الممنهجة” للتشكيك في الموقف الجزائري، مؤكدًا أن التصويت يندرج في سياق دعم ثابت للقضية الفلسطينية. وعدّد الحزب ما قال إنها “مكاسب دبلوماسية” حققتها الجزائر أثناء تعديل مشروع القرار الأممي، من تثبيت وقف إطلاق النار، وتوفير الحماية الدولية، وضمان وصول المساعدات، وفتح الطريق لإعادة الإعمار. وأكّد أن الجزائر “لم تحِد ولن تحيد” عن مواقفها المبدئية، وأنه “لا يمكن لأي جهة أن تزايد عليها” في أمّ القضايا.

في المقابل، جاء موقف حركة مجتمع السلم (حمس) معارضا بشكل صريح للموقف، حيث اعتبرت أن القرار الأممي “يفرض وصاية دولية منحازة على غزة” ويخلق “أمرًا واقعًا جديدًا يتصادم مع ثوابت القضية”. وقالت الحركة إن تصويت الجزائر “لا ينسجم مع الثوابت التاريخية للدبلوماسية الجزائرية” ولا مع نبض الشارع الجزائري الرافض لأي انحياز أو حلول “تخدم العدوان”. وشدّد بيانها على أن أي سلام حقيقي يبدأ بإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من كامل حقوقه، وليس بنزع سلاح المقاومة أو فرض آليات وصاية دولية. ودعت إلى تركيز الدبلوماسية على المواقف المبدئية المنسجمة مع مبادئ الثورة وقيم الدولة الوطنية.

 وبموازاة الموقف الحزبي الرسمي لـ”حمس”، صعّد رئيسها السابق عبد الرزاق مقري من انتقاداته، معتبرًا أن القرار الأممي “لتصفية القضية الفلسطينية”، وأن ترحيب الاحتلال به دليل على خطورته. وقال إن الدول العربية “أظهرت تبعية مطلقة” للولايات المتحدة، وإن تصويت الجزائر يشكّل “مؤشرًا على توجه نحو تغيير المواقف التاريخية”، واعتبر أن تعبير الجزائر عن القرار داخل المجلس “سيُخلّد بشكل غير مشرف”.

واللافت في خضم ذلك، بروز صوت معارض من حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية جاء مدافعا عن الموقف الرسمي، حيث انتقد القيادي عثمان بن صيد، ما وصفه بالخطابات المتشنجة و”العنتريات” التي قال إنها لا تؤسس لعمل دبلوماسي متزن. واعتبر أن الدبلوماسية “فنّ توازن المصالح” وليست مجالًا للشعارات التي تُغذّي “الاستهلاك المحلي”، داعيًا إلى تخفيف الخطاب المتوتر والانفتاح على إصلاحات داخلية تشمل إطلاق سراح معتقلي الرأي وتحرير الحقلين الإعلامي والسياسي.

وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في عرضه لأسباب تصويت الجزائر لصالح القرار المتعلق بغزة، قد أكد أن موقف الجزائر انسجم ـ حسبه ـ مع الأولويات الملحة لما بعد العدوان، من تثبيت وقف إطلاق النار، وتوفير الحماية الدولية، وتمكين الإغاثة، وفتح مسار إعادة الإعمار، مؤكدا أن الجزائر نجحت خلال المفاوضات في إدراج تعديل مهم يوضح أن الهدف النهائي من القرار هو توفير الظروف المناسبة لفتح أفق الحل السياسي للصراع وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة.”

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات