اتخذت الحكومة الليبية المكلّفة من مجلس النواب خطوة حادة في علاقتها مع بعثة الأمم المتحدة، بعدما أعلنت وقف تعاملها معها احتجاجاً على توقيع اتفاق مع دولة قطر لدعم وتمويل مشروع حوار سياسي تقوده منظمة الأمم المتحدة.
ويأتي هذا التطور في لحظة تعيش فيها البلاد انقساماً سياسياً حاداً بين حكومتين متنافستين، وفي ظل توتر متصاعد بين السلطات في شرق ليبيا والبعثة الأممية بشأن آلية إدارة العملية السياسية وخارطة الطريق المطروحة لإجراء الانتخابات.
وفي بيانها الصادر الإثنين، وصفت حكومة أسامة سعد حماد الاتفاق الموقع بين البعثة والدوحة بأنه خطوة «غير مسبوقة» تشكل «اعتداءً على السيادة الليبية»، معتبرة أن توجه البعثة لطلب تمويل خارجي لأنشطة سياسية داخل ليبيا دون التشاور مع أي جهة رسمية «يتعارض مع طبيعة دورها» ويظهر «نهجاً مريباً يفتقر إلى الحياد».
وقالت الحكومة إن توقيع اتفاق مالي لدعم ما يسمى «الحوار المهيكل» يخرج عن صلاحيات البعثة ويمنح دولة أخرى تأثيراً مباشراً على مسار سياسي يفترض أن يكون ليبياً خالصاً، محمّلة البعثة مسؤولية «زعزعة الثقة وتقويض العملية السياسية».
وأكدت الحكومة أنها أوقفت كل أشكال التواصل والتنسيق مع البعثة «إلى حين التراجع الكامل عن الاتفاق والاعتذار عنه»، مشددة على ضرورة تقديم توضيحات حول خلفيات الخطوة وإلغاء أي تفاهمات مالية أو سياسية جرى التوصل إليها.
وحذرت من أن أي مبادرة سياسية ذات تمويل خارجي «لن تحظى بأي اعتراف»، معتبرة أن هذه الممارسات هي محاولة «لالتفاف على المبادرات الوطنية وإحياء مسارات مفروضة من الخارج».
وكانت البعثة الأممية قد أعلنت، مساء الإثنين، ترحيبها بالاتفاق الذي وقّع مع دولة قطر ضمن مشروع مشترك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعم الحوار السياسي وتعزيز المشاركة المدنية.
وذكرت أن التمويل القطري سيُسهم في تنفيذ خريطة الطريق التي قدّمتها المبعوثة الأممية هانا تيتيه إلى مجلس الأمن في آب/أغسطس الماضي، مؤكدة أن المشروع يهدف إلى دعم عملية سياسية «ليبية القيادة والملكية». وترى البعثة أن هذا النوع من الدعم يساعد في توسيع المشاركة المدنية وتوفير قاعدة أوسع للنقاش السياسي.
ويأتي موقف الحكومة امتداداً لانتقادات حادة وجهها أسامة حماد للبعثة خلال الأسابيع الماضية، أبرزها اعتراضه على شروع البعثة في قبول الترشيحات للحوار المهيكل قبل استكمال مراحل تعديل المفوضية العليا للانتخابات والقوانين المنظمة للاستحقاق الانتخابي، متهماً البعثة بأنها «قفزت» على هذه الخطوات وأفقدت الخريطة الأممية زخمها قبل أن تبدأ.
كما هاجم مخاطبة البعثة لعدد من الجامعات والبلديات والهيئات مباشرة دون المرور عبر حكومته، واعتبر ذلك «تجاوزاً للقوانين الليبية» وإصراراً على «تجاهل وزارة الخارجية» المخولة بإدارة العلاقات الدولية، محذراً كافة المؤسسات من التعامل مع البعثة دون الرجوع إليه.
ويتقاطع موقف حماد مع الخطاب السياسي للواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي كثّف اجتماعاته مع قيادات قبلية واجتماعية منذ أكتوبر ودعا مراراً إلى اعتماد «خريطة طريق ليبية خالصة»، رافضاً أي مسارات «تُصاغ خارج الحدود».
ويرى مراقبون أن هذا التلاقي في المواقف يعكس موقفاً سياسياً خطيراً لقيادة شرق ليبيا والحكومة المكلّفة من مجلس النواب التي لم تحظَ باعتراف أممي، إذ لا تزال الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يتعاملان مع حكومة الوحدة الوطنية باعتبارها السلطة التنفيذية الشرعية.
وفي موازاة الجدل، أصدرت السفارة القطرية في طرابلس بياناً أوضحت فيه أن الدعم المالي الذي قدمته الدوحة للبعثة يندرج في إطار «المساهمة في تطوير البرامج الإنمائية وتعزيز الاستقرار»، مشيرة إلى أن التمويل يعكس إيمان قطر بأهمية دور الأمم المتحدة في دفع المسار السياسي وتقوية المؤسسات الليبية وتنفيذ البرامج الإنسانية والتنموية.
لكن خطوة التمويل واجهت رفضاً آخر من الداخل الليبي، حيث أصدر حزب «صوت الشعب» بياناً شديد اللهجة اعتبر فيه الاتفاق المالي «تطوراً مقلقاً» يكشف عن مسار «يهدد استقلالية القرار الوطني ويقوّض حياد البعثة الأممية». وقال الحزب إن تقديم قطر كجهة داعمة للحوار السياسي ليس مبادرة محايدة، بل امتداد لدور سياسي «مارسته الدوحة منذ عام 2011 عبر تحالفات مختلفة داخل ليبيا».
وأضاف أن التمويل الجديد «إعادة تدوير للنفوذ القطري بغطاء أممي»، وأن قبول البعثة لأموال من دولة «ذات أجندة مباشرة» يضرب مصداقيتها ويجعل العملية السياسية عُرضة للتأثير الخارجي، معتبراً أنه لا يمكن وصف أي خارطة طريق تمولها دولة ذات مصالح بأنها مشروع وطني. كما تساءل الحزب عن أسباب التوقيت واختيار قطر تحديداً، محذراً من أن «كل تمويل سياسي يحمل ثمناً مؤجلاً يظهر عند لحظة صياغة القرارات».
ويأتي هذا الجدل فيما تواصل البعثة الأممية العمل على تنفيذ خارطة الطريق التي عرضتها أمام مجلس الأمن في 21 آب/أغسطس، والتي تضمنت ثلاث نقاط رئيسية أبرزها توحيد المؤسسات عبر تشكيل حكومة موحدة تمهد لإجراء الانتخابات.
وهذه الخطة تُعد محوراً رئيسياً في الجهود الدولية لإنهاء الانقسام القائم بين حكومتين: الأولى حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية الحكومة المكلفة من مجلس النواب في بنغازي برئاسة أسامة حماد، والتي تفرض سيطرتها على الشرق ومعظم مدن الجنوب.
حكومة «مجلس النواب» ليبية تقطع تعاملها مع البعثة الأممية

تعليقات الزوار
لا تعليقات