جددت مجموعة «أ3+» في مجلس الأمن، التي تضم الجزائر والصومال وسيراليون إلى جانب غانا، دعوتها إلى الانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا، معتبرة أن استمرار وجودهم يمثل أحد أبرز العوامل التي تُبقي حالة عدم الاستقرار قائمة، وتقوض سيادة البلاد ووحدة أراضيها. وجاءت هذه المواقف خلال جلسة عقدها مجلس الأمن في نيويورك لمناقشة تطورات الأوضاع الليبية، في وقت تتقاطع فيه المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية عند نقطة حرجة تهدد بإطالة أمد المرحلة الانتقالية.
وفي كلمة باسم المجموعة، شدد الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، على أن الاستقرار في ليبيا لا يزال هشًا بفعل التدخلات الخارجية، لافتًا إلى أن تدفق الأسلحة وتهريب الوقود لم يتوقفا رغم القرارات الدولية، بل باتا يشكلان جزءًا من شبكة أوسع تغذي الصراعات في السودان ومنطقة الساحل. وأوضح أن هذه الأنشطة غير المشروعة لا تقوم بها الجماعات المسلحة المحلية فحسب، وإنما تتم في كثير من الأحيان بدعم مباشر أو غير مباشر من أطراف خارجية، ما يجعل مسألة الانسحاب الشامل للقوات الأجنبية شرطًا أساسيًا لأي تسوية مستدامة.
وتأتي هذه التحذيرات في سياق إقليمي متشابك، حيث أظهرت تقارير سابقة أن ليبيا تحولت خلال السنوات الماضية إلى عقدة لوجستية لتهريب الوقود والسلاح والبشر، مع ما يرافق ذلك من استنزاف للموارد العامة وتآكل لسلطة الدولة، فضلًا عن انعكاساته الأمنية على دول الجوار. وهو ما يفسر إصرار مجموعة «أ3+» على ربط الملف الليبي بمحيطه الإفريقي، والدعوة إلى دور أكثر فاعلية للاتحاد الإفريقي ودول الجوار في دعم مسار الاستقرار.
سياسيًا، رحبت المجموعة بإجراء الانتخابات البلدية في تسع بلديات بشرق البلاد، معتبرة أنها مؤشر على تمسك شريحة من الليبيين بالمسار الديمقراطي رغم الانقسام المؤسساتي. واعتبرت أن هذه الخطوة يمكن أن تمثل مدخلًا لإعادة بناء الثقة، وتهيئة مناخ يسمح بالانتقال نحو انتخابات عامة توحد مؤسسات الدولة، وهو طرح يتقاطع مع ما خلصت إليه تقاريرنا السابقة حول محدودية الرهان على الحلول الجزئية، مقابل أهمية البناء التدريجي من القاعدة المحلية.
كما أشادت المجموعة بإطلاق الحوار المهيكل هذا الأسبوع ضمن خارطة الطريق السياسية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، داعية إلى مشاركة شاملة وفعالة لجميع الأطراف، مع التشديد على ضرورة عدم عرقلة هذا المسار أو استخدامه كأداة لكسب الوقت. وأكدت أن الملكية الليبية للعملية السياسية تبقى عنصرًا حاسمًا لإنهاء المرحلة الانتقالية، في ظل تزايد المخاوف من أن يتحول الانسداد السياسي إلى وضع دائم.
وفي الإطار نفسه، أقرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، بأن خريطة الطريق التي قدمتها إلى مجلس الأمن قبل أربعة أشهر تواجه تحديات حقيقية على مستوى التنفيذ، نتيجة استمرار الخلافات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. وأوضحت أن البعثة الأممية انخرطت مع مختلف الأطراف بشأن تنفيذ الخريطة، غير أن التقدم ظل محدودًا، خاصة فيما يتعلق بتعيين مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وتعديل الإطار القانوني والدستوري المنظم للعملية الانتخابية.
وشددت تيتيه على أن العملية السياسية لا ينبغي أن تظل رهينة تقاعس أو حسابات الجهات الفاعلة الرئيسية، محذرة من أن الإبقاء على الوضع الراهن، سواء عن قصد أو من دونه، يقوض فرص الوصول إلى انتخابات ذات مصداقية. وأعادت التذكير بأن خارطة الطريق الأممية تقوم على ثلاثة أركان مترابطة: استكمال الإطار الانتخابي، توحيد المؤسسات التنفيذية عبر حكومة موحدة، ثم إطلاق الحوار المهيكل كمساحة لتقريب وجهات النظر وتجاوز الانسداد.
وفي هذا السياق، اعتبرت المبعوثة الأممية أن إطلاق الحوار المهيكل يوفر فرصة حقيقية للتشاور مع مختلف الأطراف حول سبل تنفيذ الركيزتين الأولى والثانية، مشيرة إلى أن توصيات هذا الحوار ستُستخدم لتهيئة الظروف السياسية اللازمة لإجراء الانتخابات. كما لم تستبعد اللجوء إلى آلية بديلة في حال استمرار عجز المؤسستين التشريعيتين عن التوافق، وهو ما يعكس حجم القلق الأممي من إطالة أمد المرحلة الانتقالية.
اقتصاديًا، رحبت مجموعة “أ3+” بتوقيع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على برنامج تنموي موحد لعام 2026، معتبرة الخطوة تطورًا إيجابيًا نحو توحيد الرؤية الاقتصادية، لكنها شددت في الوقت ذاته على ضرورة استكمال هذا المسار عبر اعتماد ميزانية وطنية موحدة وتعزيز الرقابة على الإنفاق العام. وهو ما يتقاطع مع تحذيرات أممية متكررة من أن التشرذم المالي يقوض الاستقرار الاقتصادي، ويضغط على الدينار الليبي، ويضعف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
وفيما يتعلق بالأرصدة الليبية المجمدة في الخارج، أعربت المجموعة عن قلقها من استمرار تآكلها نتيجة سوء الإدارة، مطالبة بالتطبيق الصارم لمبدأي المسؤولية والمساءلة، والإسراع في إصدار نشرة تتيح تطبيق الفقرة 14 من اللائحة 2769، بما يسمح بإعادة استثمار هذه الاحتياطات بدل استنزافها.
وفي ختام مداخلتها، دعت مجموعة «أ3+» مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته التاريخية عبر التصدي للأطراف التي تعرقل جهود تحقيق السلم والاستقرار في ليبيا، في رسالة تعكس تصاعد الضغوط الدولية لإخراج الملف الليبي من دائرة إدارة الأزمة، والانتقال نحو تسوية شاملة تعالج جذور الانقسام السياسي والأمني والاقتصادي.

تعليقات الزوار
لا تعليقات