تتزايد الانتقادات في الأوساط السياسية والإعلامية الغربية إزاء ما يُنظر إليه على أنه حملة إسرائيلية منظمة تهدف إلى تقويض حرية التعبير وحق التظاهر، عبر ضغوط دبلوماسية وأمنية مباشرة لتجريم أي خطاب ينتقد سياساتها أو يعبّر عن التضامن مع الفلسطينيين.
وفي بريطانيا، فجّرت السفارة الإسرائيلية جدلًا واسعًا بعد إصدارها بيانًا تباهت فيه بدورها في دفع الشرطة البريطانية إلى اعتقال متظاهرين رفعوا شعار «عولمة الانتفاضة»، معتبرة الشعار «تحريضًا على العنف». ورأى منتقدون أن الخطوة تمثل تدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي البريطاني، ومحاولة لفرض تعريف إسرائيلي لما هو مسموح سياسيًا، وتحويل أجهزة إنفاذ القانون إلى أداة لقمع الاحتجاج المشروع.
وأثار البيان موجة غضب في أوساط حقوقية وإعلامية، حيث اعتُبر مثالًا صارخًا على استخدام تهمة «معاداة السامية» سلاحًا سياسيًا لإسكات أي نقد لإسرائيل، بصرف النظر عن مضمونه، في وقت تتزايد فيه الانتقادات الدولية للعدوان على قطاع غزة وسياسات الاحتلال والفصل العنصري.
وفي أستراليا، اتخذ التصعيد الإسرائيلي طابعًا أكثر حدّة، بعدما شنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجومًا علنيًا على الحكومة الأسترالية، مطالبًا إياها بقمع الاحتجاجات المتضامنة مع فلسطين، وواصفًا هذه التحركات بأنها «تحريض معادٍ للسامية». واعتبر مراقبون أن هذه التصريحات تمثل محاولة مباشرة لفرض وصاية إسرائيلية على القرار السياسي الأسترالي.
وتزامن ذلك مع ضغوط مكثفة من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، دفعت سلطات ولاية نيو ساوث ويلز إلى حظر استخدام شعار «عولمة الانتفاضة»، وفرض قيود على التظاهرات المتضامنة مع فلسطين عقب حادثة بونداي، في خطوة وُصفت بأنها رضوخ سياسي فجّ واستغلال أمني لتكميم الأفواه.
وفي هذا السياق، رأت الكاتبة والصحافية الأسترالية كايتلين جونستون أن ما يجري يتجاوز الخلاف السياسي، ويمثل «هجومًا عابرًا للحدود على الحريات العامة في الغرب». واعتبرت، في مقال تحليلي، أن إسرائيل لا تكتفي بقمع الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، بل تسعى إلى تصدير نموذج القمع إلى الدول الغربية عبر الضغط لتجريم التضامن مع فلسطين.
وأضافت جونستون أن المساواة المتعمّدة بين شعار «عولمة الانتفاضة» والتحريض على قتل اليهود «تلفيق سياسي متعمّد»، هدفه خنق أي حركة تضامن دولية، مؤكدة أن هذا الأسلوب يحوّل مفهوم معاداة السامية إلى أداة ابتزاز سياسي بدلًا من كونه وسيلة لمواجهة الكراهية الحقيقية.
وفي الولايات المتحدة، تتوسع الانتقادات أيضًا لما تصفه جونستون بحملات دعائية إسرائيلية تستهدف الكنائس والمؤسسات الدينية والإعلامية، في محاولة لإعادة إحكام السيطرة على الرأي العام، خصوصًا داخل الأوساط المسيحية المحافظة، معتبرة أن ذلك يشكل تدخلًا مباشرًا في المجتمع الأمريكي وتجاوزًا لكل الخطوط السيادية.
ويحذّر مراقبون من أن استمرار هذا النهج الإسرائيلي يضع الديمقراطيات الغربية أمام اختبار حقيقي، إذ إن القبول بتقييد الحريات استجابة لضغوط خارجية يفتح الباب أمام تآكل أسس حرية التعبير والتجمّع، ويحوّل دعم إسرائيل إلى التزام قسري لا يقبل النقاش أو الاعتراض.

تعليقات الزوار
لا تعليقات