أخبار عاجلة

حملة تضامن واسعة مع الإعلامي محمد كريشان بعد استهدافه من طرف شبيحة ديكتاتور تونس سعيد

أعاد استهداف الإعلامي التونسي محمد كريشان، أحد الوجوه البارزة في قناة الجزيرة وفي الإعلام العربي، فتح ملف هشاشة الفضاء الإعلامي في السياقات السياسية شديدة الاستقطاب.

تحولت الواقعة التي بدأت بمسيرة نظمها أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد سريعاً إلى قضية رأي عام عابرة للحدود، بعد تداول صورة مسيئة لكريشان، وما تلاها من حملة رقمية حادة.

ومع تصاعد التضامن، خرج النقاش من الإطار المحلي إلى دائرة دولية أوسع، تتقاطع فيها أسئلة حرية التعبير، ومسؤولية السلطة، وحدود النقد السياسي في مرحلة مضطربة.

حملة رقمية وسياق سياسي متوتر

شهدت العاصمة التونسية، خلال إحياء الذكرى الخامسة عشرة للثورة، مسيرة نظمتها تنسيقيات مؤيدة للرئيس قيس سعيد.

وخلال الفعالية، رفع بعض المشاركين صورة مسيئة للإعلامي محمد كريشان، في خطوة أثارت ردود فعل واسعة داخل تونس وخارجها.

 وتزامن ذلك مع تصاعد الجدل حول مقال لكريشان في “القدس العربي” حمل عنوان: “حديث «شغور منصب الرئيس» في تونس…”، افتتحه بجملة اعتبرها كثيرون توصيفاً مكثفاً لحالة الانسداد السياسي.

في مقاله، يقدّم محمد كريشان قراءة سياسية قاتمة للمشهد التونسي، تنطلق من قناعة مركزية مفادها أن الوضع القائم بلغ مرحلة الاستحالة. المقال لا يكتفي بوصف أداء الرئيس قيس سعيد، بل يرصد تحوّلاً نوعياً في الخطاب العام داخل تونس وخارجها، حيث انتقل النقاش من انتقاد السياسات إلى طرح مسألة الرحيل كمدخل وحيد لفك حالة الانسداد.

ويولي المقال أهمية خاصة لمسألة “شغور منصب رئيس الجمهورية”، باعتبارها ثغرة دستورية خطيرة جرى تجاهلها عمداً. يوضح كريشان أن دستور 2022، الذي صاغه الرئيس بنفسه، ينص على دور محوري للمحكمة الدستورية في حال الشغور، إلا أن هذه المحكمة لم تُشكَّل حتى الآن، ما يضع البلاد أمام فراغ قانوني محتمل.

الفقرة الأخيرة من المقال تربط بين الأزمة السياسية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة، مع التركيز على إعلان الإضراب العام بوصفه لحظة فارقة في التاريخ التونسي الحديث.

وفي تعليق على مضمون المقال، قال المعارض التونسي والمحرر في صحيفة “لوموند” إبراهيم شحادة لـ”القدس العربي” إن “قراءة كريشان لا تكتفي بتشخيص الأزمة، بل تضع الإصبع على أخطر ما فيها، وهو الجمع بين الانسداد السياسي والفراغ الدستوري في لحظة اجتماعية شديدة الهشاشة”.

 وأضاف أن “المقال يعكس ما بات يُتداول همساً وعلناً داخل النخب التونسية، ويشرح بلغة هادئة كيف تحوّل الحكم الفردي من وعد بالإنقاذ إلى عامل تهديد للاستقرار نفسه”.

الواقعة، رغم رمزيتها، عكست توتراً أعمق في العلاقة بين السلطة وأنماط الإعلام النقدي، وسط مناخ سياسي يشهد تضييقاً على المجال العام، وتنامياً لدور الحملات الرقمية في تصفية الحسابات الرمزية مع الصحافيين والمحللين.

ومع اتساع دائرة التفاعل، تحولت القضية إلى اختبار علني لمدى قدرة الدولة على إدارة الخلاف السياسي دون الانزلاق إلى استهداف الأشخاص.

في هذا السياق، رأى المحامي والناشط الحقوقي الأردني إيهاب الشوابكة أن ما جرى يتجاوز شخص كريشان، موضحاً لـ “القدس العربي” أن “الاعتداء الرمزي على الصحافيين مؤشر مبكر على اختلال ميزان الحريات، لأن الخطاب التحريضي، عندما يُترك بلا مساءلة، يتحول إلى أداة لتطبيع الإقصاء السياسي والإعلامي”.

 وأضاف أن “القضايا التي تبدأ بصورة أو لافتة غالباً ما تنتهي بإجراءات أوسع تمس جوهر الحق في التعبير”.

تضامن عابر للحدود ونقاش حول حرية التعبير

لم تبقَ ردود الفعل في الإطار التونسي. فقد أثار استهداف كريشان اهتمام متابعين ومحللين في عواصم عربية وغربية، باعتباره صحافياً يعمل في مؤسسة إعلامية دولية، ولأن الحادثة جاءت في لحظة إقليمية تشهد حساسية عالية تجاه أدوار الإعلام.

أعاد هذا التفاعل طرح سؤال قديم متجدد: كيف يمكن حماية الصحافة في ظل الاستقطاب الحاد دون تحويلها إلى طرف في الصراع السياسي؟

أستاذة الفكر المعاصر في جامعة يوتا الأمريكية أماني دياب اعتبرت، في حديثها لـ “القدس العربي”، أن “القضية تكشف هشاشة الخط الفاصل بين النقد السياسي المشروع والتحريض على الأفراد”.

 وأوضحت أن “الديمقراطيات الانتقالية غالباً ما تقع في هذا الفخ، حيث يُنظر إلى الصحافي الناقد كخصم، لا كفاعل مستقل، وهو ما يقوّض الثقة في المجال العام”.

ورأت أن “التعامل مع الرأي المخالف بوصفه تهديداً وجودياً يفتح الباب أمام تآكل المعايير التي قامت عليها الثورات نفسها”.

من جهته، قال الكاتب السياسي في وكالة الأنباء الفرنسية الدكتور جورج فاضل لـ “القدس العربي” إن “الاهتمام الدولي بالقضية لا يعود فقط إلى اسم كريشان، بل إلى رمزية المشهد التونسي، الذي كان يُقدَّم طويلاً كنموذج نسبي للانفتاح الإعلامي”.

 وأضاف أن “أي تراجع في هذا المجال يُقرأ دولياً كإشارة على تحول أعمق في بنية السلطة والعلاقة مع المجتمع”.

الإعلام بين السلطة والمجال العام

في خضم هذا الجدل، برزت تحليلات تربط بين الواقعة ومسار أوسع يشهده الإعلام في المنطقة، حيث تتزايد الضغوط السياسية والقانونية، وتتراجع المساحات الرمادية التي كانت تسمح بالنقد دون تبعات مباشرة.

ويرى محللون أن استهداف الصحافيين، حتى عندما يأخذ شكلاً رمزياً أو رقمياً، يساهم في خلق مناخ ردعي غير معلن.

قال الدكتور خالد الحروب، المحلل السياسي والمدرس في جامعة نورث وسترن في قطر، لـ “القدس العربي” إن “القضية تعكس صراعاً على تعريف المجال العام، ومن يملك حق الكلام داخله”.

 وأضاف أن “السلطات التي تضيق بالنقد غالباً ما تلجأ إلى شيطنة الأصوات الإعلامية، لأن السيطرة على السردية باتت جزءاً من معادلة الحكم”.

 وأشار إلى أن “التاريخ القريب يبيّن أن إضعاف الإعلام المستقل لا يؤدي إلى الاستقرار، بل إلى تراكم الاحتقان”.

أما الصحافي والكاتب والمحلل السياسي في وكالة أنباء الصين (شينخوا) جيانغ مي، فاعتبر في تصريح لـ “القدس العربي” أن الدولة تُقاس بقدرتها على حماية المختلفين معها، لا بمقدار قدرتها على إسكاتهم.

وأضاف أن “الرسائل التي تُرسل عبر التغاضي عن حملات التشهير أخطر من الحملات نفسها، لأنها تشرعن الإقصاء وتضعف الثقة في العدالة”.

في المقابل، يرى مراقبون أن التضامن الواسع مع كريشان يعكس وجود شبكة دفاع غير رسمية عن حرية الصحافة، تمتد عبر الإعلام التقليدي والمنصات الرقمية.

هذا التضامن، وإن كان رمزياً، يسلط الضوء على أهمية الرأي العام الدولي في كبح بعض الانتهاكات، أو على الأقل في توثيقها ووضعها تحت المجهر.

وعبرت حركة النهضة عن تضامنها مع كريشان، حيث استنكرت الصفحة الرسمية لرئيس الحركة، راشد الغنوشي، على موقع فيسبوك، ما سمته “الحملة القذرة الممنهجة” التي تستهدف كريشان، معتبرة أنها “جزء من سياسة أوسع تقوم على التخوين، والتشويه، وبث الخوف، وحلقة جديدة في مشروع واضح المعالم يقوم على تجفيف الفضاء العام وتدجين الإعلام وتحويل الصحافة والاعلام إلى ملحق أمني ودعائي”.

 
 

وكتب المحامي سمير ديلو، عضو هيئة الدفاع عن معتقلي قضية التآمر “تخيّلوا دهشة الملايين من متابعي قناة الجزيرة لو شاهدوا الحملة الحقيرة التي يتعرّض لها أحد أعمدة القناة، الإعلاميّ الفذّ محمد كريشان، من بعض المحسوبين على السّلطة”.

وتساءل ديلو: “أيّ مستقبل لبلاد تستهدف أفضل ما فيها وأفضل من فيها؟”.

واستنكر الباحث في قناة الجزيرة، عز الدين عبد المولى، ما سماه “الحملة البائسة والهابطة التي يتعرض لها كريشان”.

وأضاف: “ذات يوم قال لهم متحديا: اذكروا لي اسما واحدا لشخصية محترمة في تونس تساند هذا النظام. اليوم أكدوا له بالدليل وبهذا البؤس ما قاله فيهم”.

لحظة مفصلية

تتجاوز قضية استهداف محمد كريشان حدود شخص واحد أو مقال بعينه. فهي تعكس لحظة مفصلية في علاقة السياسة بالإعلام في تونس، وتطرح على المجتمع الدولي سؤالاً حول كيفية دعم حرية التعبير دون التدخل في الشؤون الداخلية.

وبين حملة رقمية، وتضامن عابر للحدود، ونقاش فكري وقانوني متصاعد، تبقى النتيجة الأوضح أن الصحافة، في زمن الاستقطاب، تتحول إلى ساحة صراع بحد ذاتها، حيث الكلمة قد تكون هدفاً، وحيث الدفاع عن حق التعبير يصبح اختباراً حقيقياً لقيم الدولة والمجتمع.

وعلق كريشان على حملة التضامن معه بالقول: “كل الامتنان لكل من تضامن معي بتدوينة أو تعليق أو رسالة شخصية. لن نخاف ولن نتراجع. الله المستعان”.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات