ترأس ولي العهد المغربي الأمير مولاي الحسن الأحد بملعب 'الأمير مولاي عبدالله' بالرباط، حفل افتتاح النسخة الخامسة والثلاثين من بطولة كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم – المغرب 2025، التي تستمر حتى 18 يناير/كانون الثاني المقبل. وقد تميز حفل الافتتاح بإبداع فني وتنظيم متقن، أسهم في تقديم صورة مشرقة للمملكة على الساحة القارية والدولية.
ويبرز حفل افتتاح كأس إفريقيا للأمم المغرب 2025، تحت إشراف الأمير مولاي الحسن، نموذجا متفردًا في دمج الاحتفال الرياضي والهوية الثقافية والكفاءة الأمنية والتنظيم الراقي، ما يجعله علامة مضيئة في تاريخ الرياضة الإفريقية ويعزز من مكانة المملكة على المستوى الدولي.
وشهد الحفل الافتتاحي حضور عدد من الشخصيات الرسمية والدبلوماسية من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب جماهير غفيرة توافدت لمتابعة الحدث، الذي أضفى على العاصمة المغربية أجواء احتفالية غير مسبوقة. وقد حظي الحفل بإشادة واسعة من قبل المراقبين المحليين والدوليين على حد سواء، لما تميز به من مزيج بين الثقافة المغربية الأصيلة، والإبداع الفني، والتقنيات الحديثة في الإضاءة والصوت.
وبدأ الحفل بمقطع عد تنازلي بالأبيض والأسود، تلاه عرض بصري سرد قصة شخصية "سراج الضياء"، الذي يمثل الدليل والحافظ للتقاليد المغربية، وهو يسير وحيدا عبر ربوع المملكة حاملاً فانوسًا مضيئا. ومع تنقله بين المدن الست المضيفة للبطولة، شكّلت أشعة فانوسه مضلعات سداسية مضيئة تربط بين المدن وصحرائها وسواحلها وجبالها وسهولها، في إشارة رمزية لوحدة المغرب وتنوعه الجغرافي والثقافي.
ومع إضاءة الملعب بالكامل، تحولت جنباته إلى لوحة حية تتراقص فيها الأمواج الضوئية على أرضية الميدان، متزامنة مع إيقاعات الطبول وكوريغرافيا دقيقة، لتجسد المغرب في حركية متجددة وإفريقيا موحدة. وقبل أربع ساعات من انطلاق صافرة البداية، امتلأ ملعب الأمير مولاي عبدالله عن آخره، فيما اكتست المدرجات بألوان الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق، في لوحة نابضة تعكس ألوان الدول المشاركة ورغبتها في كتابة تاريخها في البطولة.
وقد حمل حفل الافتتاح رسالة واضحة عن مغرب متعدد ومتجذر في عمقه الإفريقي. فقد ابتدأ العرض على إيقاعات كناوية قبل أن تنضم إليها نغمات أمازيغية وصحراوية، في رحلة موسيقية عبر مناطق المملكة وعصورها، مزيج بين أصالة الماضي وطموح المستقبل. وجسدت كل لوحة جانبًا من الهوية المغربية، وفي الوقت ذاته احتفت بالثراء الثقافي والتنوع الحضاري للقارة الإفريقية، لتصبح المنصة جسرًا يربط بين شمال إفريقيا وجنوبها، وشرقها بغربها.
ولم تخلُ الفقرة الموسيقية من كرة القدم، حيث تم تكريم المنتخبات الـ24 المتأهلة ضمن فقرة رمزية، مؤكدة أن كأس أمم إفريقيا ليست مجرد بطولة رياضية، بل حكاية شعوب وشغف جماهيري. كما مزجت الصور المعروضة بين أمجاد الماضي وطموحات المستقبل، ما أثار إعجاب الجماهير وسط تصفيق متواصل، معلنًا عن بطولة عنوانها "الإثارة".
وقد اكتسب اختيار الرباط مسرحًا للحفل دلالته الخاصة، كونها عاصمة الأنوار والثقافة، وقدمت فضاءً يليق بالحدث. فيما برز ملعب الأمير مولاي عبد الله في حلته الجديدة، بحداثته وتجهيزاته المتطورة وجمالية مرافقه، مؤكدًا قدرة المغرب على استضافة أكبر المواعيد الرياضية الدولية بكفاءة عالية.
ولم يكن حفل الافتتاح مجرد مقدمة للبطولة، بل كان إعلان نوايا عن بطولة احتفالية، طموحة، تمتزج بالبعد الإفريقي بامتياز. ومع صافرة حكم المباراة الافتتاحية بين المغرب وجزر القمر، ترسخت قناعة واحدة: إفريقيا عاشت لحظة مؤسسة، وكأس الأمم الإفريقية 2025 وجدت بالفعل مكانتها في الذاكرة الجماعية.
وأعرب السفير الأميركي بالرباط ديوك بوكان عبر تدوينة على حساب السفارة الأميركية على فيسبوك، عن إعجابه بحفل الافتتاح ووصفه بأنه "رائع ومبهر"، مؤكدا أن الحدث لم يقتصر على إسعاد الجماهير الحاضرة فحسب، بل نقل رسالة قوية إلى القارة الإفريقية حول قدرة المغرب على تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى باحترافية ووعي ثقافي مميز.
وأشار السفير الأميركي إلى أن النجاح الكبير الذي حققه المغرب في حفل الافتتاح يمثل نموذجًا متكاملًا يجمع بين التنظيم المحكم واللمسة الإبداعية والاعتزاز بالهوية الثقافية، ما يجعل المملكة منصة فريدة لاستضافة البطولات القارية والدولية. كما شدد على أن هذا النجاح يعكس قدرة المغرب على الاستفادة من الرياضة كوسيلة لتعزيز الروابط بين الشعوب ودعم التعاون الثقافي والإنساني على المستوى الدولي.
كما أكد أن الولايات المتحدة تتطلع للاستفادة من التجربة المغربية في تنظيم البطولات الكبرى، في سياق استعدادها لاستضافة كأس العالم 2026، إلى جانب كندا والمكسيك، مؤكدا أهمية تبادل الخبرات والتعاون مع المغرب في مجالات التدريب والتسيير وإدارة الفعاليات الرياضية الكبرى، بما يخدم مصالح الطرفين ويعزز مكانة الرياضة كرافعة للتقارب والتفاهم بين الشعوب.
على الجانب الأمني، شهدت البطولة استعدادات استثنائية لضمان مرور فعالياتها في أجواء آمنة ومنظمة، فقد قام المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني عبداللطيف حموشي، بجولات ميدانية دقيقة لمتابعة الترتيبات الأمنية المرتبطة بالبطولة، بما في ذلك بروتوكول افتتاح البطولة بالعاصمة الرباط.
وركزت هذه الجولات على الاطلاع عن كثب على الإجراءات الأمنية ومراقبة حركة الجماهير وضمان تأمين المنشآت الرياضية والتأكد من جاهزية مختلف الفرق الأمنية لتقديم أعلى مستويات الخدمة والحماية للزوار والوفود الرسمية.
وتعكس المتابعة الميدانية المستمرة لحموشي مدى اهتمام المغرب بتأمين الأحداث الرياضية الكبرى عبر مقاربة استباقية تعتمد على التخطيط الدقيق والتنسيق المتواصل بين مختلف المصالح الأمنية، لضمان سلامة الجماهير واللاعبين والوفود الرسمية، وهو ما يجعل المملكة نموذجًا يُحتذى به في هذا المجال على المستوى الإفريقي والدولي.
كما أن تجربة المغرب الطويلة في الأحداث الرياضية الكبرى، مثل كأس العالم للأندية وكأس العرب الأخيرة بقطر، ونهائيات كأس إفريقيا السابقة، ساهمت في ترسيخ صورة المغرب كبلد يملك الخبرة والكفاءة في الأحداث الرياضية الكبرى.
وأظهرت المملكة في مناسبات عديدة رياضية وغير رياضية قدرة عالية على التنظيم والخدمات اللوجيستيكية والتدابير الأمنية الاحترازية. وهذه التجربة المكتسبة على مدار السنوات عززت الثقة الدولية في قدرة المغرب على تقديم تظاهرات متكاملة تلبي أعلى المعايير العالمية.
واعتمدت المديرية العامة للأمن الوطني منظومة أمنية شاملة ومتكاملة لتأمين مباريات البطولة، شملت إقامة مراكز قيادة ومراقبة مزودة بأحدث التقنيات ووضع بروتوكولات دقيقة لكل مباراة على حدة، مع تخصيص فرق أمنية لمرافقة الجماهير داخل الملاعب وخارجها وضمان انسيابية الحركة في محيط المنشآت الرياضية. كما تم تعزيز الأمن على الحدود لمواكبة توافد الجماهير الأجنبية، وتوفير الدعم اللوجيستي والموارد البشرية لضمان تطبيق البروتوكولات الأمنية بكفاءة عالية.
وإضافة إلى ذلك، تم إنشاء مركز للتعاون الشرطي الإفريقي، ضم ممثلين من الأجهزة الأمنية للدول المشاركة، إلى جانب ممثلين عن الفيفا والكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم وإنتربول، لضمان تبادل المعلومات والتنسيق الأمني خلال مجريات البطولة، وهو ما يعكس حرص المغرب على أن تكون البطولة منصة للتعاون الإقليمي والدولي في المجال الأمني الرياضي.
من جهة أخرى، ساهمت الترتيبات التنظيمية المبهرة في نجاح حفل الافتتاح، حيث تم دمج عناصر الثقافة المغربية، والفنون البصرية والموسيقية، مع استخدام أحدث تقنيات الإضاءة والعروض البصرية، ما جعل الجمهور المحلي والدولي يعيش تجربة استثنائية. وقد انعكس هذا النجاح الفني على صورة المغرب، مؤكداً قدرته على تقديم أحداث رياضية بمستوى عالمي يجمع بين الاحترافية والإبداع، ويبرز الهوية الوطنية في آن واحد.
كما أن التنظيم الجيد لم يقتصر على الملاعب فحسب، بل شمل كامل البيئة المحيطة بالبطولة، من مرافق استقبال الجماهير، وخدمات النقل، والبنية التحتية، إلى برامج الترفيه والأنشطة المصاحبة، بما يعكس مدى استعداد المغرب لتقديم تجربة متكاملة للزوار من مختلف أنحاء إفريقيا والعالم، ما يعزز مكانة المملكة كوجهة رياضية وسياحية متميزة.
وبذلك، شكل حفل افتتاح كأس إفريقيا للأمم 2025، مع كافة ترتيباته التنظيمية والأمنية، محطة جديدة لتأكيد مكانة المغرب كفاعل رئيسي في الساحة الرياضية الإفريقية والدولية. والنجاح الذي تحقق في هذه النسخة من البطولة لم يكن مجرد حدث رياضي عابر، بل انعكاساً لرؤية شاملة تعتمد على الاستثمار في الثقافة، والفنون، والأمن، والتعاون الدولي، بما يخدم مصلحة المغرب ويعزز إشعاعه على المستويين القاري والعالمي.
ويعتبر المتابعون هذا الإنجاز خطوة نوعية في تعزيز الصورة الإيجابية للمغرب، ليس فقط من الناحية الرياضية، بل أيضًا على مستوى الاقتصاد السياحي، والبنية التحتية، والدبلوماسية الرياضية، حيث أظهرت البطولة قدرة المملكة على الجمع بين الكفاءة الإدارية، والجاذبية الثقافية، والاحترافية التنظيمية، وهو ما سيترك إرثًا مستدامًا في مجال تنظيم البطولات الكبرى مستقبلاً.
وتبرز بطولة كأس إفريقيا للأمم المغرب 2025 نموذجا متفردًا في الجمع بين الاحتفال الرياضي، والهوية الثقافية، والكفاءة الأمنية، والتنظيم الراقي، ما يجعلها محطة مميزة ترفع من شأن المملكة وتؤكد دورها كمرجع في مجال تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى على الصعيد القاري والدولي. إن هذه النسخة من البطولة ستظل علامة مضيئة في تاريخ الرياضة الإفريقية، ومصدر إلهام للدول الأخرى في كيفية تنظيم فعاليات رياضية تجمع بين الاحترافية، والهوية، والشغف الكروي.

تعليقات الزوار
لا تعليقات