أيّد مجلس قضاء الجزائر الحكم الابتدائي الصادر ضد الباحث في التاريخ الدكتور محمد الأمين بلغيث، بـ5 سنوات سجنا، بعد إعادة محاكمته في الاستئناف، في القضية المتعلقة بتصريحاته التي تشكك في الأمازيغية على قناة إماراتية.
وأعلن المحامي توفيق هيشور عضو هيئة الدفاع عن الباحث، أن مجلس قضاء الجزائر قد أيّد الحكم القاضي بالسجن لمدة 5 سنوات، مع تعديل يقضي بحسبه حبسا نافذا مدة 3 سنوات وسنتين موقوفة النفاذ.
ووفق ما نشره بعض أعضاء الدفاع، كان الأمل في الإفراج عن الباحث خلال الاستئناف كبيرا، غير أن هذا لا يعني الاستمرار في استنفاذ كامل الطرق القانونية في سبيل إطلاق سراحه، وفق بعضهم. ويمكن للباحث أن يستفيد من الإفراج المشروط في حال تم الموافقة على طلبه أو الحصول على العفو الرئاسي الذي يبقى صلاحية حصرية بيد رئيس الجمهورية.
وفي 3 تموز/يوليو، كانت محكمة الدار البيضاء الابتدائية بالجزائر العاصمة قد أصدرت حكمًا يقضي بإدانة المؤرخ محمد الأمين بلغيث بالسجن النافذ لمدة خمس سنوات، بعد أن التمست نيابة الجمهورية تسليط عقوبة سبع سنوات حبسا نافذا في حقه، عن تهم تتعلق بـ “نشر خطاب الكراهية والتمييز عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال”، و”الترويج عمدًا لأخبار مغرضة من شأنها المساس بالنظام العام”، و”المساس بسلامة وحدة الوطن”.
وقد سبقت جلسة المحاكمة الابتدائية ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والثقافية، عقب توقيف بلغيث ووضعه رهن الحبس المؤقت. وكان القضاء الجزائري قد أسقط لاحقًا التهم ذات الطابع الجنائي، واكتفى بإحالة القضية على أساس جنح، في خطوة فُسرت بأنها محاولة لتخفيف حدة الجدل الذي رافق القضية. كما شهد البرلمان مداخلات لعدد من النواب الذين طالبوا بالإفراج عن بلغيث، معتبرين أنه “ابن شهيد” و”باحث مؤلف في التاريخ الوطني”، وهي صفات رأوا فيها ما يشفع له من أجل تجنيبه عقوبة السجن.
ومن جهته، دافع بلغيث خلال التحقيقات عن نفسه بالقول إنه وقع ضحية لتلاعب في المونتاج من طرف قناة “سكاي نيوز عربية”، موضحًا أنه لا يملك دليلاً مادياً يثبت حذف أو تحريف أقواله، لكنه أصرّ على أن الحوار تم اجتزاؤه بطريقة تُخرج كلامه عن سياقه. ونقلت صحيفة “النهار” عن بلغيث قوله إن القناة “حذفت عدة عبارات من حديثه حول الأمازيغية لغرض ما”، مضيفًا أن الصحفية التي حاورته “طرحت سؤالًا مفخخًا”، فأجابها “استنادًا إلى دراسات تاريخية قديمة”.
وفي ما يتعلق بالجزء الذي وُصف فيه بعض الجزائريين المقيمين بفرنسا بـ “الحركى” (المتعاونون مع فرنسا)، أوضح بلغيث أنه “لم يكن يقصد جميع المهاجرين، بل فئة محددة كانت ضد مصلحة الوطن في فترة معينة ثم ادّعت الوطنية لاحقًا”. وأشار إلى أن اللقاء أُجري بعد اتصال من صحفي بالقناة في الخامس من آذار/مارس الماضي، وأنه وافق على الدعوة وتم نقله إلى استوديو سكاي نيوز في بئر خادم بالعاصمة الجزائرية لتسجيل الحلقة التي كانت مخصصة لموضوع “العلاقات الجزائرية الفرنسية”.
وانطلقت القضية فعليًا مطلع شهر مارس بعد بث المقابلة، حيث تحركت النيابة العامة على خلفية الجدل الحاد الذي أثارته تصريحات بلغيث بشأن الأمازيغية، والتي اعتُبرت مساسًا بالهوية الوطنية. فقد قال بلغيث في المقابلة إن “الأمازيغية مشروع أيديولوجي فرنسي-صهيوني”، مضيفًا أن “البربر في أصلهم عرب فينيقيون”، ما أثار غضبًا واسعًا في الأوساط السياسية والثقافية. واعتبر منتقدوه أن كلامه يمثل “طعنا في أحد مقومات الهوية الوطنية الثلاثة” كما نص عليها الدستور: الإسلام، والعروبة، والأمازيغية.
وخلال الحوار، طُلب من بلغيث توضيح موقفه من الهوية الأمازيغية، فأجاب قائلاً: “ليست هناك ثقافة، هذا مشروع أيديولوجي صهيوني فرنسي بامتياز. لا وجود لشيء اسمه أمازيغية، هناك بربر، وهم عرب قدماء وفق ما يدين به كبار المؤرخين في الشرق والغرب.” وأضاف أن “قضية الأمازيغية تُعد، بإجماع عقلاء ليبيا والجزائر والمغرب، مشروعًا سياسيا هدفه تقويض وحدة المغرب العربي خدمةً لمشروع فرنسي يسعى إلى فرض مغرب فرنكوفوني”، مختتمًا حديثه بالقول: “نحن نعود في أصولنا إلى الفينيقيين الكنعانيين، وهذا هو السر بيننا وبين خصومنا في الداخل والخارج.”
وقد أدت هذه التصريحات إلى عاصفة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي ومن مثقفين وصحفيين رأوا فيها “تحريضا عرقيا” و”محاولة لتقويض الوحدة الوطنية”. وطالب البعض بإحالته للتحقيق كما حدث مع الكاتب بوعلام صنصال، الذي يواجه هو الآخر ملاحقة قضائية بسبب تصريحات اعتُبرت “مسيئة للوحدة الترابية الجزائرية”.
كما دخلت القضية أبعادًا دبلوماسية وإعلامية بعدما هاجم التلفزيون الجزائري الرسمي قناة “سكاي نيوز عربية” بشدة، متهماً إياها بـ “الاعتداء على ثوابت الشعب الجزائري العريقة” و”محاولة التشكيك في جذور الأمة وتاريخها العميق”، فيما اعتبر توترا جديدا بين الجزائر والإمارات.
تعليقات الزوار
لا تعليقات