التحق الأحد 12 مليون تلميذ جزائري بمقاعد الدراسة في افتتاح السنة الدراسية 2025-2026، إضافة إلى نحو مليون موظف التحقوا بمختلف المؤسسات التربوية عبر التراب الوطني. ويمثل هذا الحدث في الجزائر البداية الفعلية لما يعرف بالدخول الاجتماعي الذي يعني عودة النشاط لكل المؤسسات الحكومية بعد فترة العطلة.
وتزامن الالتحاق هذه السنة مع تحضيرات مكثفة في مختلف المدارس، حيث شهدت الأحياء والمناطق السكنية حركة مبكرة منذ الساعات الأولى، وازدحمت الطرقات بالحافلات المدرسية وسيارات الأولياء الذين رافقوا أبناءهم إلى المدارس. وارتسمت على وجوه الأطفال ملامح متباينة بين فرحة اللقاء بزملاء العام الماضي ورهبة البداية بالنسبة للمتمدرسين الجدد، في وقت عكف الإعلام على تغطية عودة الحياة للمدارس كحدث وطني بالغ الأهمية.
وجاء هذا الدخول المدرسي في سياق ديموغرافي يؤكد استئثار الأطفال بنحو ثلث التركيبة السكانية، حيث بلغ عدد سكان الجزائر 47 مليون نسمة إلى غاية الفاتح تموز/ يوليو 2025، وفق إحصائيات وزارة الصحة. وشكّل الأطفال دون سن الخامسة عشرة حوالي 29 بالمئة من مجموع السكان، بينما تمثل الفئة العمرية ما بين 15 و59 سنة 59 بالمئة، ما يعكس وزناً ديموغرافياً كبيراً للشباب في المجتمع. ويبلغ عدد النساء في سن الإنجاب ما يقارب 11,7 مليون، مع توقع تسجيل نحو 873 ألف ولادة خلال العام الجاري، وهو ما يؤشر على استمرار الطلب المرتفع على مقاعد الدراسة في السنوات المقبلة.
وعكف القائمون على قطاع التربية على ضمان ظروف مقبولة لانطلاق الموسم الدراسي، من خلال التركيز على ملفات النقل المدرسي، والإطعام، والتدفئة في المناطق الداخلية، إلى جانب الصحة المدرسية التي حظيت هذا العام باهتمام خاص. وتم تخصيص الأسبوع الأول من الدراسة لأنشطة صحية وتوعوية تحت شعار “الصحة المدرسية.. من أجل مستقبل صحي آمن”، تضمنت دروساً افتتاحية وورشات تفاعلية حول التغذية السليمة بالنسبة للابتدائي، ومخاطر مشروبات الطاقة والإدمان على الشاشات والمؤثرات العقلية في الطورين المتوسط والثانوي.
وترافقت هذه الإجراءات مع بعض التغييرات البيداغوجية، منها إعادة هيكلة مواد ومواقيت السنة الثالثة ابتدائي، فضلاً عن مساعٍ لتعميم استخدام الألواح الإلكترونية لتخفيف ثقل المحفظة وربط المؤسسات التربوية بالشبكة الرقمية. وأعلن وزير التربية عن حاجة القطاع إلى 45 ألف منصب جديد للأساتذة خلال الموسم الجاري، إلى جانب 24 ألف منصب إداري إضافي لتأمين التأطير البيداغوجي والتنظيمي، مؤكداً أن عملية التوظيف ستتم عبر مسابقات موجهة بالدرجة الأولى للأساتذة المتعاقدين.
في المقابل، كان ممثلو نقابات الأسرة التربوية قد عبّروا عن مخاوف من أن تكون الإصلاحات المعلنة غير كافية لمعالجة عمق المشاكل التي يعرفها القطاع، وطرحوا في بياناتهم خلال الأسابيع الأخيرة جملة من المطالب أبرزها مراجعة القانون الأساسي الخاص بالأساتذة والموظفين، تحسين النظام التعويضي وتوسيع المنح والعلاوات بما يحافظ على القدرة الشرائية، مراجعة قواعد حركة تنقلات الأساتذة والمعلمين ومعالجة النزاعات المهنية العالقة، وتوسيع التكوين وإشراك ممثلي العمال في صياغة القرارات التربوية.
ويكشف الحضور المكثف لـ12 مليون تلميذ في مقاعد الدراسة عن ضغط متواصل على البنية التحتية والموارد البشرية، ويضع المنظومة التربوية أمام اختبار دائم في قدرتها على الاستجابة لهذا الطلب المتزايد. وفي وقت تراهن السلطات على الإصلاحات الإدارية والرقمية والتوسع في التوظيف، يتمسك الشركاء الاجتماعيون بالمطالب الاجتماعية والمهنية كأساس لتحسين ظروف التعليم وضمان استقرار الأسرة التربوية.
وعموما، يشكل الدخول الاجتماعي في الجزائر، محطة سنوية حيوية في مسار الدولة، إذ يتزامن عادة مع طرح مطالب اجتماعية ومهنية ملحّة من طرف موظفي مختلف القطاعات الحكومية، حيث تعلن النقابات عن مطالبها بتحسين ظروف العمل والأجور، أو مراجعة بعض القوانين الخاصة، ما يجعله واجهة للحوار وأحيانا الصدام بين السلطات والفاعلين الاجتماعيين.
كما يترافق الدخول الاجتماعي عادة مع بروز مطالب توظيف متزايدة، بالنظر إلى تزايد عدد الخريجين وتوسع قاعدة البطالة بين الشباب. ويترجم ذلك في شكل وقفات وبيانات تدعو إلى إدماج المتعاقدين وفتح مناصب جديدة. ويمتد النقاش إلى البرلمان الذي يعرض عليه في هذه الفترة مسودة قانون المالية التي تتضمن التوجهات المالية والاجتماعية الكبرى وميزانيات القطاعات كل سنة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات