أثار تعيين سيفي غريب وزيرًا أولا بالنيابة خلفًا لنذير العرباوي ردود فعل سياسية متعددة، تراوحت بين الانتقاد للتغييرات المستمرة على رأس الحكومة، وبين المباركة والتأييد مع الدعوة إلى استثمار الفرصة لتعزيز الحوار الوطني وإصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وفي أول موقف حزبي، أصدر رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني شريف بيانًا مطولًا في شكل تقدير موقف، تناول فيه التغيير الحكومي من زاوية سياسية ودستورية، معتبرًا أن مسؤولية حزبه المعارض تقتضي ممارسة الرقابة السياسية عبر الأدوات البرلمانية المتاحة.
وأوضح المرشح الرئاسي السابق، أن تقييم أداء الحكومات يجب أن يمر عبر الآليات التي نص عليها الدستور، خاصة عرض مخطط عمل الحكومة وبيان سياستها العامة أمام البرلمان، بما يتيح تقييمًا دقيقًا وحصرًا للإنجازات والإخفاقات.
وانتقد حساني شريف ما وصفه بالاستمرار في تكرار الأخطاء وتضييع الفرص في بيئة إقليمية ودولية مضطربة، مشيرًا إلى أن الأوضاع الداخلية والخارجية لا تسمح بمزيد من الارتجال والسياسات الظرفية.
وأكد أن التعديل في منصب الوزير الأول يجب أن يكون دافعًا للإجابة عن التساؤلات السياسية الملحة، وأن يسهم في تقليص منسوب الاحتقان الاجتماعي وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، بدل الاكتفاء بتغيير الأشخاص من دون مراجعة السياسات والتوجهات.
وشدد رئيس حركة مجتمع السلم التي تعتمد نهجا معارضا في البرلمان، على أن التغيير الحقيقي يبدأ بإصلاح سياسي شامل عبر حوار وطني جامع تشارك فيه كل القوى السياسية والاجتماعية، من أجل صياغة توافق وطني يضع حدًا لحالة الركود السياسي ويؤسس لخيارات واضحة وواقعية. كما دعا إلى إصلاح اقتصادي متكامل يقوم على التنويع، ومحاربة البيروقراطية، وتشجيع الاستثمار، مع توفير بيئة مشجعة للكفاءات الوطنية وربط المسؤوليات بالمحاسبة.
ولم يغفل حساني شريف التطرق إلى الدبلوماسية الجزائرية، إذ دعا إلى تعزيز أدوارها الوقائية والاستشرافية بما يحمي البلاد من تداعيات التوترات الإقليمية، خصوصًا مع فرنسا والجوار المغاربي والإفريقي.
وبالنسبة له، فإن الإشكاليات الراهنة لا تحل إلا بتكريس الشفافية، فتح الإعلام العمومي للنقاش الحر، والانطلاق في إصلاحات قانونية وتشريعية عميقة تعيد الثقة إلى الحياة السياسية. وربط في ختام مداخلته مستقبل الجزائر بقدرتها على بناء حالة توافق وطني واسع يحشد الطاقات لمواجهة التحديات، معتبرًا أن الحوار الوطني هو المدخل الأساس لتجنيب البلاد المزيد من الأزمات.
أما رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، فقد اتخذ موقفًا مغايرًا يعكس موقع حزبه المشارك في الحكومة. فقد بارك تعيين سيفي غريب وتمنى له النجاح، معتبرًا أن نجاحه هو نجاح لجميع الجزائريين، وفشله سيكون فشلًا جماعيًا. وأكد أن الحركة ستكون داعمة للحكومة في هذه المرحلة الحساسة، وستقف معها في تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، من أجل جزائر آمنة ومستقرة وقادرة على تحقيق أمنها القومي في أبعاده الطاقوية والغذائية والمائية.
وأشار بن قرينة إلى أن الأولويات يجب أن تتركز على توفير مناصب الشغل، التحكم في التضخم، والتصدي للآفات الاجتماعية، كما دعا إلى تعبئة حكومية شاملة لمواجهة التحديات الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بلوبيات الاستيراد التي تتلاعب باحتياجات الجزائريين، وضرب مثالًا بملف العجلات الذي كشف- حسب قوله- عن محاولة خلق ندرة غير موجودة خاصة أن وجود مخزونات كبيرة ظهرت بعد القرارات الرئاسية الأخيرة.
وأشاد رئيس حركة البناء الوطني بقرار استيراد 10 آلاف حافلة جديدة لتعويض الحافلات القديمة المهددة لأرواح الجزائريين، معتبرًا أن هذه الخطوة تندرج في مسار تجديد وطني يعكس معاني السيادة والاستقلالية. كما ألحّ على ضرورة فتح ورشات حوار وطني واسع، خاصة في المجال التربوي، لإصلاح المنظومة التعليمية بما يعيد للمدرسة الجزائرية رسالتها الحضارية ويواكب التطورات العلمية والتكنولوجية.
وفي رؤيته السياسية، أكد بن قرينة أن إشراك الطبقة السياسية في إدارة الشأن العام بات ضرورة، وأن المؤسسة البرلمانية مطالبة بالقيام بدورها الرقابي بجدية أكبر. ودعا إلى تنظيم حوار وطني استراتيجي قبل نهاية 2025 وبداية 2026، يشمل مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها امتصاص البطالة وتخفيض التضخم وتعزيز الإنتاج الوطني. كما شدد على أهمية سياسة اتصال رسمية فعالة تتيح للرأي العام الاطلاع على الحقائق وتغلق الباب أمام محاولات التشكيك وزرع اليأس.
وفي الجانب الخارجي، ذكّر بن قرينة بأن الجزائر تواصل بدعم من رئيس الجمهورية لعب دورها الدبلوماسي المستقل والمؤثر، داعيًا إلى مواصلة هذا النهج السيادي الذي يحرر القرار الوطني من أي تبعية، داعيا إلى مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بما يعزز التلاحم الوطني ويحصّن البلاد ضد الأزمات الدولية.
أما المحامية زبيدة عسول، الرئيسة السابقة لحزب الاتحاد من أجل الرقي والتغيير، فقد ركزت في بيانها على البعد الدستوري والقانوني للتعيين. وانتقدت بشدة ظروف إقالة الوزير الأول نذير العرباوي وتعيين وزير أول بالنيابة، ووصفت ذلك بأنه خرق واضح للدستور.
ولفتت عسول إلى أن العرباوي لم يتمكن من تقديم مخطط عمل حكومته أمام البرلمان ولا بيان السياسة العامة كما يقتضي الدستور، بسبب الطريقة التي عُين بها وتوقيتها في نهاية العهدة الأولى للرئيس تبون. واعتبرت أن التعامل مع منصب الوزير الأول منذ 2020 تم على أساس إداري لا سياسي، حيث ظل الوزراء الأولون مجرد منفذين للتوجهات الرئاسية دون صلاحيات حقيقية، وهو ما أفرغ المنصب من معناه السياسي.
واستغربت عسول الاستعجال في إقالة العرباوي وتعيين “وزير أول بالنيابة”، وهو “منصب غير موجود أصلًا في الدستور”، مشيرة إلى أنه كان يمكن تكليف أحد أعضاء الحكومة بتسيير الأعمال مؤقتًا في انتظار تعيين وزير أول جديد وفق الأطر القانونية. وحذرت من أن هذه الممارسات تهدد مصداقية السلطة، لأن احترام القانون يبدأ من احترام الدستور من قبل من بادروا به.
وحسبها، فإن غياب الالتزام بالنصوص الدستورية يضع البلاد في حالة “نكران مجسد للعدالة”، لأن الدستور لا يمكن أن يكون أداة انتقائية تستعمل حسب الظروف. وخلصت إلى أن أي سلطة سياسية لا يمكن أن تحافظ على مشروعيتها ما لم تحترم القواعد الدستورية التي وضعتها بنفسها.
واللافت أن المواقف الحزبية على قلتها، ورغم اختلافها في الانتماء والتموقع السياسي، التقت عند الدعوة إلى ضرورة الحوار والشفافية. فحركة مجتمع السلم ركزت على الحوار الوطني الشامل كمدخل لتصحيح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحركة البناء الوطني تحدثت عن الحوار الاستراتيجي كآلية لامتصاص الاضطرابات وفتح ورشات الإصلاح الكبرى.
تعليقات الزوار
لا تعليقات