أخبار عاجلة

بعد فاجعة وادي الحراش هل تفرض الدولة الفحص النفسي والعقلي للسائقين ؟

شدّد خبراء في مجال السلامة المرورية على ضرورة إعادة النظر في شروط الحصول على رخص السياقة، وتكثيف الفحوص الطبية والنفسية، إلى جانب تعزيز الرقمنة والصرامة في تطبيق القوانين، باعتبارها أدوات أساسية للحد من "المجازر المرورية" التي تهز الشارع الجزائري, آخرها فاجعة سقوط حافلة في وادي الحراش.

تُعدّ حوادث المرور في الجزائر واحدة من أخطر المعضلات التي تهدد الأرواح وتثقل كاهل المنظومة الصحية والاقتصادية على حد سواء. فبالرغم من الإجراءات المتخذة للحد من هذه الظاهرة، ما تزال الطرقات تحصد يوميًا عشرات الضحايا، وتكشف عن ثغرات عميقة في منظومة التكوين والرقابة الصحية والنفسية للسائقين، خاصة محترفي النقل الثقيل وحافلات المسافرين. 

وإلى جانب مشاكل المركبات وحالة الطرقات، يظل العامل البشري الحلقة الأهم في معادلة السلامة المرورية. فمهما كانت المركبات متطورة والبنية التحتية مؤهلة، يبقى مستوى تكوين السائق، ومدى التزامه بقوانين المرور، وحالته النفسية والعقلية، وصحته البدنية، عناصر حاسمة تؤثر مباشرة على جودة السياقة. 

إذ أن السائق الذي يفتقد إلى التكوين الجيد، أو يعاني من اضطرابات عصبية ونفسية، أو من أمراض مزمنة تؤثر على قدرته على التركيز والتحكم، يشكل خطرًا مضاعفًا على نفسه وعلى غيره من مستخدمي الطريق. 

ومن هنا، يرى خبراء السلامة المرورية أن معالجة هذا الجانب لا يقل أهمية عن إصلاح المركبات أو تحسين الطرق، بل قد يكون هو المحدد الأساسي للحد من الحوادث وضمان انسيابية حركة المرور بأمان.

الصحة النفسية والعقلية

في حديث صحفي قال الدكتور محمد كواش الخبير والباحث الدولي في مجال السلامة المرورية، إن أغلب سائقي الوزن الثقيل وحافلات نقل المسافرين في الجزائر هم إما شباب مراهقون تنقصهم الخبرة، أو كبار في السن يعانون من أمراض مزمنة، مشيرًا إلى أن "قيادة الشاحنات والحافلات ليست مهمة عادية، بل تتطلب قوة بدنية واستقرارًا نفسيًا وعصبيًا، خاصة مع التنقل المستمر لمسافات طويلة ليلًا ونهارًا وما يرافقه من إرهاق وفقدان التركيز.

وأضاف الخبير أن ملف رخصة السياقة يجب أن يتضمن فحوص النظر والسمع، وضغط الدم والقلب، إضافة إلى تقييم الأمراض المزمنة والفحص النفسي، مع فرض تحاليل إلزامية للكشف عن استهلاك الكحول أو المخدرات، معتبرًا أن هذه الإجراءات تشكل خط دفاع أول لحماية السائقين والركاب ومستخدمي الطريق.

وأوضح كواش أن السائق المحترف ينبغي أن يُنتقى وفق لياقته العامة وصحته البدنية والنفسية، فضلًا عن إخضاعه لتحاليل دقيقة تشمل الدم، وفحوص القلب، والأشعة الصدرية، والكشف عن الأمراض المزمنة والمعدية"، لافتًا إلى أن بعض المؤسسات الاقتصادية مثل شركات نقل البترول تعتمد هذه الإجراءات بصرامة، لكن تعميمها لا يزال غائبًا عن بقية القطاعات.

وشدد على أن الفحص النفسي ضروري للكشف عن الاضطرابات التي قد تؤثر على تركيز السائق أو ضبط انفعالاته، إذ إن بعض السائقين يتناولون أدوية مهدئة أو خاصة بالأمراض العصبية وهم على مقود شاحنة أو حافلة، ما يمثل خطرًا مضاعفًا، قائلاً: "إذا كان رجل الأمن يُخضع لفحص نفسي لأنه يحمل سلاحًا قد يقتل فردًا واحدًا، فإن سائق الحافلة قد يتسبب في كارثة مرورية تطال عشرات الأرواح".

كما أشار كواش إلى أن القيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات تشكل تهديدًا قاتلًا لأنها تضعف التركيز وتربك القدرات العصبية والمعرفية، مبرزًا أن العقوبات القانونية في الجزائر صارمة في هذه الحالات، غير أن تفعيل التحاليل الوقائية عند المترشحين لرخص السياقة، خصوصًا السائقين المحترفين، بات ضرورة عاجلة.

وأكد أن الحصول على رخصة السياقة في الجزائر من الأسهل عالميًا سواء من حيث التكاليف أو طبيعة الامتحان، وهو ما يفرض مراجعة جدية لمنظومة التكوين والاختبارات، مع إدراج فحوص طبية معمقة تتعلق بالقدرات البدنية والنفسية والعصبية.

 وتابع قائلا: "الطرقات تكشف لنا اليوم ليس فقط عن أنواع المركبات، بل عن أنماط السائقين أيضًا، بين المتهور والعدواني والمتردد، وهو ما يستدعي تشديد الانتقاء والتكوين لضمان سلامة الجميع".

الرقمنة ورخصة السياقة بالتنقيط 

من جانبه، أكد علي شقيان، رئيس الأكاديمية الوطنية للسلامة المرورية، في تصريح لـ"الترا جزائر" أن العامل البشري يبقى السبب الأول وراء أكثر من 96% من حوادث المرور في الجزائر، يليه وضعية المركبة والطريق. 

وأوضح أن غياب الثقافة المرورية وانتشار سلوكيات خطيرة مثل استعمال الهاتف، المناورات العشوائية والانشغال أثناء السياقة، كلها عوامل رئيسية في ارتفاع الحوادث، خاصة في موسم الاصطياف حيث تتضاعف المخاطر بفعل الازدحام، التعب، السهر، وارتفاع استهلاك المخدرات بين الشباب.

وأشار المتحدث إلى أن الحملات التحسيسية الحالية ذات الطابع المناسباتي لم تعد كافية، داعيًا إلى تنظيم حملات موجهة نحو النقاط السوداء وتفعيل اللجان الولائية، مع اعتماد إشارات ذكية وتدابير استباقية لحماية مستعملي الطريق.

كما شدد رئيس الأكاديمية على أن السلامة المرورية لا تتعلق فقط بالجانب البدني للسائق، بل تشمل أيضًا تقييم حالته النفسية والمعرفية. لذلك، أصبح من الضروري إدراج اختبارات سيكولوجية ومعرفية باستخدام تقنيات المحاكاة، إضافة إلى التحاليل الطبية للكشف عن الكحول والمخدرات، مع تكثيف الرقابة الدورية خاصة لسائقي الحافلات والشاحنات.

ولفت إلى أن الفئة العمرية الأكثر تورطًا في الحوادث تتراوح بين 19 و39 سنة، وغالبيتهم حاصلون على رخصة سياقة حديثة، ما يعكس ضعف منظومة التكوين الحالي. لذلك، دعا إلى إصلاح شامل يعتمد على الرقمنة وأجهزة المحاكاة، مع تكوين إضافي إجباري للسائقين المحترفين (نقل البضائع والمسافرين) وفق معايير السياقة الدفاعية، وشدّد على ضرورة إدراج اختبارات نفسية وبصرية دقيقة للمتربصين، نظرًا لانتشار تعاطي المهلوسات والمخدرات بين الشباب المتسببين في الحوادث.

تحسين ظروف السياقة

وفي جانب آخر، أوضح الخبير أن أسطول النقل العمومي يعاني من تهالك واضح، حيث يتجاوز عمر آلاف الحافلات 30 سنة، ما يحوّلها إلى قنابل موقوتة بفعل الأعطاب الميكانيكية ونقص تجهيزات السلامة. وأبرز أن تجديد هذا الأسطول بحافلات عصرية مزودة بتقنيات مراقبة وأنظمة معلوماتية سيقلّص من الحوادث ويعيد الثقة في النقل العمومي.

وأشار المتحدث إلى أن الرقمنة تعد اليوم ركيزة أساسية في منظومة السلامة المرورية، إذ تسمح بإنشاء قاعدة بيانات وطنية موحدة تربط بين رخص السياقة، المراقبة التقنية، وحوادث المرور. 

هذا الربط الرقمي، يضيف شقيان، يضمن متابعة دقيقة لمسار كل سائق ومركبة، ويمنع التلاعب أو التزوير في الوثائق. كما أن الرقمنة تسهّل مراقبة المخالفات في الوقت الحقيقي عبر الكاميرات الذكية والرادارات الثابتة والمحمولة، وتوفر معطيات إحصائية دقيقة تساعد السلطات على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات علمية. واعتبر أن الجزائر بحاجة إلى تسريع هذا التحول الرقمي، لأنه يمثل أداة ردع فعالة، ووسيلة تنظيمية حديثة تسهم في خفض الحوادث بشكل ملموس.

وفي الحديث عن رخصة السياقة بالتنقيط، قال المتحدث أنه أصبح ضرورة قصوى، لما يوفره من سجل وطني رقمي يسمح بمتابعة السائقين المخالفين بشكل صارم، معتبرًا أن هذا النظام وسيلة للتربية المرورية وليس مجرد إجراء ردعي.

وختم مشيرًا إلى أن تحسين البنية التحتية لا يقل أهمية عن الاستثمار في العنصر البشري، مبرزًا أن العديد من الولايات لا تزال تعاني من طرق ضيقة ونقاط سوداء خطيرة. كما دعا إلى تفعيل الرقمنة في شبكة الطرق عبر كاميرات المراقبة والإشارات الذكية، وإشراك المواطن في التبليغ عن النقاط السوداء والمخالفات، بما يضمن بيئة مرورية آمنة ومستدامة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات