قال عبد العزيز رحابي، السفير والوزير الجزائري السابق، إن الأزمات بين الجزائر وفرنسا ذات طبيعة دورية، متهماً باريس بتحويل الجزائر إلى ورقة في سياستها الداخلية، حيث يدور النقاش اليوم في فرنسا حول الإسلام والجزائر، معتبراً أن المسؤولين الفرنسيين “لا يعرفون الجزائريين”.
وأوضح السفير الجزائري السابق في مدريد في حوار مطول مع صحيفة “إل اندبندنتي” الإسبانية أن هناك اتفاقاً للهجرة بين البلدين، لكن إذا لم تحترمه فرنسا فإن الجزائر مستعدة لفسخه لأنه لا يقدم لها أي فائدة، مشيراً إلى أن حدة الأزمة مع باريس لن تخف قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لأن الخطاب الحالي يخدم اليمين بكافة أطيافه.
واستذكر أن الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان تبنى موقفاً مشابهاً، لكن الجزائر صمدت ودعمت فرانسوا ميتران في الانتخابات التالية حتى فاز وانتهى الأمر، لافتاً إلى أن جيسكار اعترف في مذكراته بأنه كان من أنصار “الجزائر الفرنسية” ولم يقبل استقلالها.
وأضاف رحابي أن فرنسا في عهد جاك شيراك هي التي صاغت سنة 2006 خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية من دون أي مشاركة مغربية، بهدف تسويق مشروع من إعدادها، وحاولت بيعه لأوروبا، فيما أبلغ دبلوماسيون أجانب الجزائر بأن حكوماتهم تلقت تعليمات بدعم الطرح المغربي.
وأرجع ذلك إلى العلاقة الخاصة التي جمعت شيراك بالملك الحسن الثاني، والتي جعلته حسبه، “وصياً” على نجله الملك الحالي، مشيراً إلى أن دعم نيكولا ساركوزي للمغرب كان بدافع المصلحة، وأنه لا يزال أبرز داعم للمغرب في فرنسا رغم أن وزيرة العدل الحالية رشيدة داتي هي الواجهة حاليا.
وفي موضوع العلاقات الجزائرية الإسبانية، ذكر المتحدث أنها لم تعد في مرحلة التجميد، رغم استمرار حالة عدم الثقة، خاصة تجاه حكومة بيدرو سانشيز. ولفت إلى أن مؤشرات الانفراج بدأت تظهر، منها استقبال رئيس مجلس الأمة الجزائري للسفير الإسباني في الجزائر، ولقاء الوزير الأول الجزائري مع سانشيز في إشبيلية قبل أسابيع، غير أن هذه الإشارات لا تزال في بداياتها، وبعيدة عن سرعة انتعاش المبادلات التجارية التي شهدتها العلاقات بعد رفع الجزائر للقيود في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وأكد رحابي أن ملف الصحراء الغربية، الذي تعتبره الجزائر امتداداً لدعمها حركات التحرر وإنهاء الاستعمار، يبقى العقبة الرئيسية أمام تسوية الأزمة، مشيراً إلى أن الجزائر ما زالت ترفض بشدة مواقف سانشيز ووزير خارجيته خوسيه مانويل ألباريس حول التحول التاريخي في موقف مدريد لصالح الأطروحة المغربية، معتبراً أن في الجزائر يُنظر باهتمام إلى احتمال تغيّر الحكومة الإسبانية كعامل قد يفتح آفاقاً جديدة.
وشدد الوزير السابق على أن الدبلوماسية الجزائرية تقوم على مبدأ عدم قطع العلاقات بشكل كامل حتى في ظل الخلافات، لأن ذلك لا يساعد على تغيير المواقف أو دعم العاملين بين البلدين. ورفض أي تفسير لتحسن العلاقات على أنه قبول بالموقف الإسباني، مؤكداً أن الجزائر تفرّق بين تحسين العلاقات والحفاظ على موقفها الرافض، مقدما مثالاً بعلاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة رغم الخلافات. وكشف أن قضية الصحراء قد تشهد تطورات في أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر، داعياً لمتابعة أعمال مجلس الأمن.
وحول موقف إسبانيا من العدوان على غزة، اعتبر رحابي أن ما بدر عن مدريد ساعد كثيراً في التقارب، خاصة لدى الرأي العام الجزائري المتابع باهتمام لكل ما يتعلق بفلسطين، واصفاً موقف مدريد بالشجاع لمقاومتها ضغوط الولايات المتحدة وحلفائها، رغم ما قد يراه البعض ازدواجية سياسية مقارنة بموقفها في الصحراء الغربية.
العلاقات مع المغرب
ومن موقعه كخبير في الشأن الإسباني، انتقد رحابي ما اعتبره تناقضا يميز الاشتراكيين الذين يفترض فيهم أن يكونوا في طليعة مساندة الصحراويين. وقال عن رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو (بدأ في وقته ميل اسبانيا للطرح المغربي)، إنه يتسم بالبساطة والاندفاع، ويفتقر إلى المعلومات والمعرفة السياسية، وهو رجل “جهاز” صعد داخل الحزب حتى رئاسته، يعتقد أن استقرار المغرب ينعكس على استقرار إسبانيا، بينما يعتبر رحابي أن استقرار المغرب يرتبط بطبيعة نظامه السياسي. وذكر أنه سمع هذا الطرح كثيراً في مدريد وحتى من الملك الإسباني السابق خوان كارلوس، وأن الاعتقاد بأن الملكية العلوية هي الخيار الوحيد يعطل البحث عن بدائل أخرى.
وأكد رحابي أن الجزائر لا تتدخل في طبيعة النظام المغربي، وأن علاقات المغرب الجيدة مع إسبانيا لا تؤثر على الجزائر طالما يتم احترام قواعد القانون الدولي، معتبراً أن طبيعة النظام في المغرب شأن داخلي يخص المغاربة، وأن الإسبان يعرفون المغرب جيداً وهم أيضاً ضحايا سياساته مثل فرنسا، على حد قوله.
وبشأن موقف الحزب الشعبي الإسباني (يمثل تيار اليمين) من قضية الصحراء الغربية، قال رحابي إن العلاقات مع هذا الحزب كانت دائماً جيدة، لافتا إلى أنه “على الرغم من أن التعاطف الشعبي مع القضية الصحراوية في إسبانيا يتركز بين قواعد الحزب الاشتراكي، لكن موقف الحكومة يختلف”.
وأوضح أن الحزب الشعبي يرى في القضية الصحراوية واجباً لتصحيح التاريخ واستعادة حقوق الصحراويين، وأنه عند وصوله إلى السلطة سيكون من الضروري الحوار معه. وأبرز أن الحكومة الإسبانية في فترة هذا الحزب خاصة أثناء قيادة الوزير الأول خوسيه ماريا أثنار، فتحت جميع الأبواب أمام الجزائر في مجالات مدنية وعسكرية وتجارية، في فترة كانت صعبة على الجزائر، حيث قدّم الحزب الشعبي دعماً كبيراً رغم معارضة مسؤولين كبار في الخارجية الإسبانية، على رأسهم ميغيل آنخل موراتينوس الذي كان “يتحرك تحت التأثير الفرنسي”.
وأبدى رحابي ثقته بإمكانية إعادة إحياء علاقة مميزة مع الحزب الشعبي، مستشهداً بالعلاقات الجيدة التي جمعت أثنار بالرئيس الجزائري الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، وبموقف الحزب من الصحراء الغربية، حتى وإن كانت إسبانيا قد فقدت حسب السفير السابق، دورها كوسيط بين الدول المغاريية، وهو دور لا يمكن لأي دولة أخرى تعويضه، بما في ذلك إيطاليا التي عززت علاقاتها مع الجزائر بشكل براغماتي بحكم حاجتها للغاز وحاجة الجزائر للتكنولوجيا.
وعن الأزمة بين الجزائر والمغرب، قال رحابي إنها جزء من “استراتيجية التوتر الدائم” التي ينتهجها المغرب منذ 1963، حيث يراهن الملك المغربي على الضغط المستمر، بينما تمتلك الجزائر سبع حدود مع دول تعاني من صراعات وحروب، ما يفرض عليها التسلح المكثف لحماية حدودها.
واستبعد رحابي احتمال اندلاع حرب، مؤكداً أن الحرب لا تحل المشكلات، لكنه تساءل عن دوافع المغرب للتسلح في ظل دعم خاصة الإمارات، متهماً الرباط بقيادة حملة دولية تستهدف التشكيك في تاريخ الجزائر واتهامها بالتحالف مع إيران واعتبار جبهة البوليساريو جناحاً مسلحاً لإيران.
تعليقات الزوار
لا تعليقات