حذر سليمان زرقاني نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري، احتمال تطور التوتر الحالي بين بلاده وفرنسا إلى قطع العلاقات الاستراتيجية وهي علاقات متداخلة ومتجذرة لعقود، لكن محللين استبعدوا هذا السيناريو لعدة أسباب، مرجحين أن التوتر قد يستمر وأن لا تغادر العلاقات مربع التذبذب لفترة طويلة خاصة إذا استمر العناد من الطرفين وغابت المعالجة الواقعية والدبلوماسية للأزمة.
وجاءت أحدث خطوة تصعيدية من فرنسا حين أعلن الرئيس امانويل ماكرون أنه كلف وزير الخارجية جان نويل بارو بإبلاغ الجزائر تعليقا رسميا لاتفاقية عام 2013 التي تسمح لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والرسمية بدخول فرنسا دون تأشيرة، في خطوة ردت عليها الجزائر بالمثل.
ونقلت وكالة نوفستي الروسية عن زرقاني قوله "قد تتحول العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى شبه قطع للروابط الاستراتيجية، لكنها ستصبح علاقات عادية بين دول تعتمد على المصالح المتبادلة والمساواة الكاملة، متجاهلة الروابط التاريخية والشراكة التي لم تعد موجودة إلا في الخطابات الرسمية".
وتابع "الجزائر لا تسعى للقطيعة لكنها لم تعد تخشى العواقب، الكرة الآن في ملعب فرنسا: إما أن تقبل شراكة مع جزائر مستقلة، أو تفقد حليفا استراتيجياً في منطقة جنوب المتوسط إلى الأبد".
ويشهد التوتر بين فرنسا والجزائر تصعيدا متزايدا في الآونة الأخيرة، لدرجة أن بعض المحللين وصفوا الأزمة بأنها الأسوأ منذ عقود. ومع ذلك، فإن فكرة قطع العلاقات الاستراتيجية بشكل كامل تظل صعبة ومستبعدة إلى حد كبير، وذلك لعدة أسباب جوهرية من بينها الارتباطات التاريخية العميقة.
ولا يمكن تجاهل التاريخ الطويل والمعقد بين البلدين، بما في ذلك فترة الاستعمار. وقد ترك هذا التاريخ بصمات عميقة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، مما يجعل فك الارتباط الكامل أمرًا في غاية الصعوبة.
وهناك علاقات تجارية قوية بين فرنسا والجزائر، حيث تعد باريس شريكًا اقتصاديًا مهمًا للجزائر، لا سيما في مجالات الطاقة، وقد تستبعد الجزائر فرنسا من بعض المناقصات، ولكن العلاقات الاقتصادية لا تزال حيوية لكلا البلدين.
وتمثل الجالية الجزائرية الكبيرة في فرنسا والتي تضم مئات الآلاف من الأشخاص، جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي الفرنسي. وأي قطع للعلاقات سيكون له تأثيرات عميقة على هذه الجالية وعلى العلاقات الأسرية والاجتماعية بين البلدين.
ويتعاون البلدان في قضايا أمنية مهمة، خصوصًا في منطقة الساحل. وهذا التعاون الأمني ضروري لمواجهة التهديدات المشتركة، مثل الإرهاب، وأي قطع للعلاقات قد يضر بالأمن الإقليمي والدولي.
ويستخدم القادة في كلا البلدين ورقة "العلاقات مع الآخر" أحيانًا في سياقات سياسية داخلية، ففرنسا، لا سيما في ظل صعود اليمين المتطرف، قد تتخذ مواقف أكثر صرامة بشأن ملفات الهجرة، في حين قد تستخدم الجزائر هذا التوتر لتعزيز خطابها السيادي.
وفي حين أن التوتر الحالي قد يتسبب في خطوات تصعيدية مثل سحب السفراء، أو تقييد التأشيرات، أو تجميد بعض الاتفاقيات، فإن قطع العلاقات الاستراتيجية بشكل كامل يعتبر خطوة جذرية قد لا تخدم مصالح أي من الطرفين على المدى الطويل. وبدلًا من ذلك، من المرجح أن تستمر العلاقة في التذبذب بين فترات التوتر والتهدئة، مع محاولات لإيجاد أرضية مشتركة لتجاوز الأزمات.
تعليقات الزوار
لا تعليقات