أعلنت “قمة الشعوب العربية”، الجمعة، رفضها مخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إزاء قطاع غزة، مؤكدة أن “فلسطين ليست للبيع”.
وتحت شعار “من وعد بلفور إلى وعد ترامب: فلسطين ليست للبيع”، انعقدت القمة افتراضيا بتنظيم من “المجلس العربي” (منظمة غير حكومية)، وبمشاركة واسعة ضمت نخبة من السياسيين والمفكرين والحقوقيين العرب من مختلف الدول.
وأفاد البيان الختامي أن “هذه القمة تأتي في لحظة مفصلية وخطيرة، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى فرض مرحلة جديدة من الاحتلال، عبر دعمها العلني لخطط ترامب، التي تهدف إلى احتلال غزة وتهجير سكانه الأصليين”.
وحذر البيان من أن مخطط ترامب يرمي إلى “تصفية الوجود الفلسطيني بغزة واستبداله بسكان جدد من مختلف أنحاء العالم”، “تحت ذريعة تطهير القطاع وإعادة إعماره ليصبح ريفييرا الشرق الأوسط”.
ورغم تفاؤل أولي ساد العالم بضغوط لترامب سهلت التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة، بما يشمل صفقة لتبادل الأسرى، في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، فإن مواقف الأخير المنحازة كليا إلى إسرائيل إثر توليه مهامه رسميا بعد ذلك بيوم واحد أدت إلى تحول هذا التفاؤل إلى تشاؤم.
ومن أبرز هذه المواقف، إعلانه خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 4 فبراير/ شباط الجاري، نية الولايات المتحدة الاستيلاء على غزة بعد تهجير الفلسطينيين إلى الخارج، وخاصة إلى مصر والأردن، وهو ما قوبل برفض واسع على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية.
كما حذر البيان الختامي لـ”قمة الشعوب العربية” من أن المخططات الأمريكية “لم تتوقف عند غزة، بل امتدت إلى الضفة الغربية، حيث بدأت إدارة ترامب بإعادة تسميتها رسميا إلى يهودا والسامرة”، وهي التسمية العبرية لها.
وذكر البيان أن “ترامب أكد مرارا أن مصر والأردن سيقبلان إعادة توطين الفلسطينيين (من غزة)، مع طرح سيناريوهات أخرى لتوطينهم في السعودية أو المغرب، في محاولة لفرض واقع جديد يهدف إلى محاصرة الهوية الوطنية الفلسطينية والقضاء عليها”.
وأعرب المشاركون في قمة الشعوب العربية عن رفضهم القاطع لهذا المخطط، الذي وصفوه بـ”وعد ترامب” لليهود.
وقالوا إن وعد ترامب يشكل “جريمة ضد الإنسانية، تهدد الأمن والسلم الدوليين، وتكرّس الاستعمار والعنصرية، في تحدٍ سافر للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية”.
واعتبروا أن هذا الوعد “امتدادا لوعد بلفور، ويهدف إلى إعادة هندسة الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية لخدمة المشروع الصهيوني، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والشرعية الدولية”.
و”وعد بلفور” هو رسالة بعث بها وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور عام 1917 إلى اللورد ليونيل روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة، وتعهدت فيها الحكومة البريطانية بإقامة دولة لليهود في فلسطين.
وجدد البيان الختامي لقمة الشعوب العربية “التأكيد على أن الصراع في فلسطين لم يبدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بل بدأ منذ احتلال فلسطين واغتصاب أرضها واقتلاع شعبها، وأن المقاومة حق مشروع للشعوب الواقعة تحت الاحتلال”.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير/ كانون الثاني 2025، إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
وقف التطبيع
ودعت القمة “الأنظمة العربية إلى وقف كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، واتخاذ مواقف حاسمة وجادة تجاه هذه التهديدات، ودعم صمود الشعب الفلسطيني بشكل عاجل، ورفض الحصار الصهيوني الجائر على غزة، ووقف سياسات التدمير والتهويد في الضفة الغربية، وفتح المجال أمام الشعوب العربية لدعم الفلسطينيين شعبيًا وماديًا وسياسيًا”.
كما طالبت “المجتمع الدولي، حكومات وشعوبا ومنظمات، بالتصدي لهذه السياسات العدوانية، التي لا تهدد فلسطين وحدها، بل تهدد الاستقرار العالمي والنظام الدولي، وقد تقود إلى تصاعد الصراعات والحروب من أجل السيطرة على الأراضي والموارد، ما قد يؤدي إلى انهيار النظام العالمي”.
واختتم البيان بالتشديد على أن “القضية الفلسطينية ستظل قضية العرب الأولى، وأن الشعوب العربية لن تقبل بأي حلول تُفرض على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، فلسطين ليست للبيع، ولن تكون كذلك أبدا”.
“صفعة للحالمين بالعدل الأمريكي”
وشهدت “القمة العربية للشعوب” سلسلة من الكلمات لشخصيات سياسية بارزة من عدة دول عربية، والتي اتفقت على الرفض القاطع لمخطط ترامب إزاء غزة، والتأكيد على دعم “المقاومة الفلسطينية”، والتمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
حيث قال أيمن نور، نائب رئيس “المجلس العربي”، إن القمة تمثل لحظة فارقة في زمن “تتهاوى فيه الأقنعة وتنفضح الحقائق، وتنكشف كل الحقائق من وعد بلفور الذي غرس كخنجر في خاصرة أمتنا قبل قرن، إلى وعد ترامب الذي لا يزال صداه يُجلجل كصفعة على وجوه الحالمين بالعدل الأمريكي وهو أبشع من الظلم ذاته”.
وأضاف: “هذه الجلسة ليست مجرد لقاء عابر، بل هي صرخة تتردد بصدى صوت الشعوب العربية، ورسالة مكتوبة بالدم وبحبر المعاناة والدموع لغزة وأبطال غزة العظام”.
وتابع: “رسالتنا اليوم إلى عالم اعتاد أن يستمع فقط إلى أصوات الحكام ويصمُّ آذانه تجاه أصوات الشعوب، نقولها واضحة كالشمس التي لا تحجبها الغيوم: لن ننسى، لن نفرّط، لن نخون”.
“تصريحات عبثية”
ومن تونس، أكد الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، أن التصريحات الأمريكية بشأن تهجير فلسطينيي غزة “عبثية ولا تستحق حتى النقاش”، كما وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وشدد على أن الرد الوحيد المناسب عليها هو “لا ثم لا”، لكنه حذر مع ذلك من خطورة الاستهانة بهذا الموقف الأمريكي “لأنه فعلا يُحضر لأشياء بالغة الصعوبة وبالغة الخطورة على شعب غزة وعلى الشعب الفلسطيني”.
وأضاف المرزوقي: “ليس لدينا خيار سوى المقاومة فالمقاومة ثم المقاومة”، معتبرا أن “دعم المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية واجب علينا جميعًا كمثقفين وسياسيين ومواطنين”.
“نكبة جديدة”
ومن البحرين، قال البرلماني السابق ورئيس “منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان” (غير حكومية) جواد فيروز: “لم نعش أيام وعد بلفور عام 1917، وزمن النكبة عام 1948، والنكبة الأخرى عام 1967، فنحن اليوم نواجه نكبة جديدة، ما يحتم علينا تفعيل كل الأدوات والوسائل الدولية المشروعة لمناهضة هذا القرار الجائر”.
“الأمة في أخطر مرحلة”
ومن لبنان، حذر وزير الخارجية الأسبق عدنان منصور، من أن “الأمة العربية تمر بأخطر مرحلة في تاريخها، إذ تواجه مشاريع استعمارية وصهيونية تهدد وجودها وأمنها القومي ووحدة شعوبها”، مضيفًا أن “وعد ترامب هو أسوأ من وعد بلفور”.
وأكد أن “هذه النكبة الكبرى تزحف إلينا على يد قرصان العصر وإسرائيل (رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو)، وإن لم نتصرف سريعا اليوم قبل الغد، فإن طوفان النكبة سيغرقنا جميعا. حان وقت العمل واتخاذ خطوات عملية”.
“تطهير عرقي”
ومن المغرب، وصف رئيس الوزراء السابق سعد الدين العثماني، تصريحات ترامب بأنها “عبثية وغير منطقية وغير عقلانية وغير قانونية، وتساوي التطهير العرقي تماما”.
وأكد أن “أحد أهداف هذه القمة هو رفع أصوات الشعوب رفضًا لمخطط تهجير الفلسطينيين من غزة وفلسطين”.
“فلسطين ليست للبيع”
ومن فلسطين، قال القيادي في حركة حماس محمود مرداوي: “فلسطين ليست للبيع، ولن تكون يومًا ريفييرا المحتل”.
وشهدت القمة كلمات أخرى من ممثلين عن مختلف الدول العربية، جميعها شددت على رفض تصريحات ترامب، وإدانة حملات التهجير القسري، والتأكيد على أن فلسطين ليست للبيع، في موقف موحد يعكس إرادة الشعوب العربية في مواجهة المخططات الرامية لتصفية القضية الفلسطينية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات