أثار إعلان المجلس الرئاسي في طرابلس عن تأسيس «الهيئة العليا للرئاسات» موجة واسعة من ردود الفعل السياسية والقانونية، بين من اعتبر الخطوة محاولة لتوحيد القرار الوطني في ظل انسداد المسار السياسي، ومن وصفها بأنها جسم مستحدث بلا سند دستوري يفاقم الانقسام ويهدد استقرار الدولة.
وجاءت هذه الردود كصدى على بيان كشفه اجتماع رفيع المستوى ضم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبيه، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، إلى جانب عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي. ويبدو أن الإعلان غير المسبوق وضع المشهد الليبي أمام مواجهة سياسية جديدة، في وقت تتزايد فيه الضغوط لاستئناف العملية الانتخابية ومعالجة التوترات الأمنية والاقتصادية.
فقد أعلن المجلس الرئاسي، خلال اجتماع عقد الخميس في العاصمة طرابلس، عن تأسيس «الهيئة العليا للرئاسات» لتنسيق القرار الوطني وتوحيد مواقف القيادات العليا للدولة في الملفات الكبرى وبحسب البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي، تأتي الخطوة ضمن «مقاربة وطنية مشتركة تهدف إلى توحيد القرار الوطني وتعزيز الانسجام المؤسسي بين السلطات»، دون إنشاء أي كيان إضافي أو تحميل الدولة أعباء هيكلية جديدة.
وأوضح البيان أن الهيئة ستضم أعضاء المجلس الرئاسي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، وستتولى تطوير منهجية موحدة لصنع القرار السياسي والاقتصادي والأمني، وتنسيق المواقف الرسمية في القضايا الحسّاسة التي تستوجب صوتًا وطنيًا موحدًا يحفظ سيادة ليبيا ووحدة أراضيها واستقرارها كما أكدت القيادات المجتمعة التزامها بتجاوز الانقسامات والعمل بروح المسؤولية الوطنية، مشيرة إلى أن تأسيس الهيئة جاء استجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة وما تفرضه من تحديات متراكمة.
وشدد البيان على أن الهيئة ستعمل على توحيد الرسائل الرسمية، ومعالجة التحديات المشتركة، و»صون المصالح العليا للدولة الليبية»، داعيًا بقية المؤسسات السيادية إلى الانضمام إلى هذا المسار التنسيقي، بما يعزز الاستقرار ويقوّي الجبهة الداخلية، كما أشار إلى أن الهيئة لا تمس اختصاصات أي من السلطات الدستورية، وأنها تعتمد على شرعية القيادات التي تضمها في إطار ما وصفه البيان بـ»توحيد الجهود الوطنية».
لكن الإعلان قوبل برفض واضح من الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، التي اعتبرت التأسيس «تجاوزًا خطيرًا للصلاحيات» و»خطوة منعدمة السند القانوني»، وأكدت الحكومة في بيان أنها ترفض بشكل قاطع ما وصفته بـ»إنشاء أجسام موازية» خارج إطار الإعلان الدستوري الذي يعد المرجعية الوحيدة لتنظيم السلطات في ليبيا وقالت إن أي تعديل في الهيكل القيادي للدولة أو استحداث كيانات عليا يبقى اختصاصًا حصريًا لمجلس النواب، ولا يجوز لأي جهة تنفيذية أو استشارية الانفراد به.
وأضاف بيان الحكومة المكلفة أن المجلس الأعلى للدولة هو جسم استشاري وليس تشريعيًا، وأن الإشارة إلى إشراك السلطة القضائية في هذا الإطار «تمس استقلال القضاء». واعتبرت أن الخطوة تهدد وحدة المؤسسات وتعطل المسار الانتخابي، وقد تفتح الباب أمام أزمة دستورية عميقة كما وصفت «الهيئة العليا للرئاسات» بأنها جسم «باطل» لا يتمتع بأي مركز قانوني ولا صفة أمام مؤسسات الدولة، مؤكدة رفضها الاعتراف بأي قرارات تصدر عنه.
وفي ظل هذا الجدل، خرج وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية في حكومة الوحدة الوطنية، وليد اللافي، ليدافع عن الخطوة، معتبرًا أن الهيئة «سلطة سيادية عليا» تستمد مشروعيتها من شرعية الأجسام القيادية المشاركة فيها.
وأوضح اللافي، في مداخلة تلفزيونية، أن تأسيس الهيئة جاء استجابة لتحديات المرحلة الحالية، مع تعطّل المسار السياسي وتأخر الانتخابات وتصاعد التهديدات الأمنية والاقتصادية والعسكرية. وبيّن أن الهيئة ليست جسمًا إداريًا جديدًا ولا تمثل عبئًا على مؤسسات الدولة، بل إطار تنسيقي لتوحيد القرارات والمواقف، مع احتفاظ كل طرف بصلاحياته الدستورية.
وأشار اللافي إلى أن الهيئة ستعتمد نظامًا داخليًا لتنظيم آليات عملها وجدول اجتماعاتها، مع عقد جلسات دورية وأخرى طارئة عند الحاجة. كما أكد انفتاحها على انضمام السلطة القضائية ورئاسة مجلس النواب، موضحًا أن غياب نائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني كان لأسباب طارئة، وأنه أبدى ملاحظاته حول البيان وسيكون حاضرًا في الاجتماعات المقبلة.
وفي سياق التعليقات المعارضة، اعتبر عضو مجلس النواب سعيد امغيب أن تأسيس الهيئة «بدعة سياسية جديدة» و»محاولة بائسة لإضفاء شرعية على أجسام منتهية الولاية». وقال إن الاجتماع يكشف عن حالة «ارتباك ومحاولة لإعادة إنتاج أنفسهم تحت شعارات زائفة لا تقنع أحدًا»، مضيفًا أن التحالف الذي نشأ حول هذا الإعلان «لا يمثل إرادة الليبيين بل يخدم أجندات خارجية».
كما علّق الناشط الحقوقي أحمد حمزة معتبرًا أن ما تسمى «الرئاسات» لا تمتلك شرعية انتخابية حقيقية، وأن إنشاء الهيئة يعكس «استمرار سلطات الأمر الواقع في مصادرة إرادة الشعب». وقال إن هذه الخطوة تهدف إلى «التشويش على مسار الحوار المهيكل» الذي ترعاه الأمم المتحدة، معتبرًا أنها محاولة جديدة لعرقلة التغيير السياسي.
وبين مؤيد يراها إطارًا مطلوبًا لتنظيم القرار السيادي، ورافض يعتبرها تجاوزًا دستوريًا يكرس الانقسام، يقف المشهد الليبي أمام محطة سياسية جديدة قد تعيد رسم العلاقة بين السلطات، أو تزيد حدة التوتر بين الشرق والغرب. وفي ظل غياب مسار انتخابي واضح، تبدو تداعيات تأسيس «الهيئة العليا للرئاسات» مفتوحة على احتمالات متباينة، ما يجعل الأيام المقبلة حاسمة في تحديد اتجاهات التفاعل السياسي والمؤسسي مع هذه الخطوة.
جدل واسع في ليبيا بعد إعلان تأسيس الهيئة العليا للرئاسات

تعليقات الزوار
لا تعليقات