شهدت لجنة القطاعات الاجتماعية في مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان المغربي) أجواء مشحونة، بعد تفجّر اتهامات ثقيلة تتعلق بما وصفه البرلماني عبد الله بووانو بـ”وزير يعطي صفقة لوزير”، في إشارة إلى مزاعم بوجود صفقات مرتبطة بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية. وقد فجّرت هذه الاتهامات نقاشاً سياسياً حاداً، ودَفعت وزير الصحة، أمين التهراوي، إلى تقديم عرض مطوّل ردّ فيه على كل الادعاءات، مؤكداً احترام وزارته للقانون ولمبادئ الشفافية.
وقال عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” المعارض، خلال اجتماع اللجنة، إن الشركة التي فازت بصفقات مهمة لوزارة الصحة يديرها شقيق وزير التربية الوطنية، في إشارة إلى شركة “فارما بروم”. وأضاف أن الأمر يتعلق بصفقات بلغت قيمتها 32 مليون درهم (حوالي 3.1 مليون دولار)، إضافة إلى ما بين 7 و50 مليون درهم (نحو 680 ألف دولار و4.85 مليون دولار) مع المراكز الاستشفائية الكبرى. وأكد أن فريقه النيابي أعدّ مقترح قانون خاص بتضارب المصالح، داعياً رجال الأعمال الذين يمارسون السياسة إلى احترام القانون.
ورغم تأكيده أنه ليست لديه مشكلة مع المستثمرين المنخرطين في العمل السياسي، شدّد بووانو على أن “هذا المستوى من تضارب المصالح لم يسبق أن سُجّل في أي حكومة سابقة”، مستحضراً وزراء رجال أعمال سابقين مثل كريم العمراني وإدريس جطو ومولاي حفيظ العلمي، دون تسجيل مثل هذه الحالات، وفق تعبيره.
وبالتوازي مع هذه الاتهامات، تقدّم البرلماني مصطفى الإبراهيمي، عن المجموعة النيابية نفسها، بطلب رسمي لإحداث لجنة لتقصي الحقائق حول تضارب المصالح وملف صفقات الأدوية، معتبراً أن وزارة الصحة “تحوّلت إلى وزارة للصفقات” على حد وصفه، ومشيراً إلى وجود “اختلالات في تفويت صفقات الأدوية”.
في المقابل، اعتبر محمد شوكي، رئيس فريق “التجمع الوطني للأحرار” ـ الحزب القائد للائتلاف الحكومي ـ تصريحات بووانو “خطيرة وغير دقيقة”. وقال خلال الاجتماع: “لا يوجد أي قانون يمنع رجال الأعمال من ممارسة السياسة، وإذا كان هناك من لديه حساسية من هذا الأمر فليقترح تعديله”. كما استنكر ما اعتبره “استغلال البرلمان لنشر ادعاءات غير صحيحة”.
وبخصوص الاتهامات الموجهة لوزير التربية الوطنية، أوضح شوكي أن الشركة موضوع الجدل شركة مساهمة، تُعامل بصفتها كياناً مستقلاً له شخصية معنوية وذمّة مالية خاصة، ولا يمكن قانونياً ربط نشاطها بصفة أحد المساهمين، مهما كانت مكانته الحكومية أو السياسية.
ومع استمرار تبادل الاتهامات والتوضيحات، يبدو أن ملف تضارب المصالح في الصفقات العمومية سيظل من الملفات الساخنة داخل المؤسسة التشريعية، في ظل مطالب متزايدة بتعزيز آليات الشفافية والرقابة على تدبير الصفقات، وبالنظر إلى حاجة القطاع الصحي إلى تعزيز الثقة المؤسساتية.
وفي سياق الرد على هذه الاتهامات، حرص وزير الصحة أمين التهراوي على تقديم عرض شامل خلال الاجتماع ذاته، مؤكداً بداية أن حضوره أمام اللجنة “ليس إجراءً شكلياً”، بل رسالة واضحة بأن الوزارة تعتمد الشفافية ولا تخفي أي معطيات. وشدّد على أن النقاش داخل اللجنة يجب أن يتم بعيداً عن المزايدات السياسية، لأن “ملف الأدوية والصفقات العمومية يخضع لمساطر دقيقة ومراقبة متعددة المستويات”.
وأوضح الوزير أن إصلاح المنظومة الصحية يمثل أولوية وطنية واستراتيجية في إطار بناء الدولة الاجتماعية، وأن تطوير السياسة الدوائية أصبح اليوم رهانا أساسياً لتحقيق السيادة الدوائية وتقليص التبعية للأسواق الخارجية، خاصة في ظل الأزمات الدولية المتكررة التي تؤثر على سلاسل التوريد.
وفي ما يتعلق بصفقات الأدوية، شدّد التهراوي على أن جميع عمليات الاقتناء تتم حصرياً في إطار القانون، عبر مساطر الصفقات العمومية المنشورة مسبقاً على البوابة الوطنية للصفقات عبر الإنترنت، وتخضع لرقابة صارمة من وزارة المالية. وأكد أن القرارات التقنية المتعلقة بالأدوية لا تخضع لاجتهادات شخصية، بل لمساطر قانونية واضحة وشفافة.
وبخصوص الاتهامات المتعلقة بشركة “البوتاسيوم”، أكد الوزير أن الصفقة أُسندت لشركة محلية منتجة بناءً على طلب عروض قانوني، وليس لشركة مستوردة ذات ترخيص مؤقت كما تم الترويج له.
وفي ما يتعلق بتضارب المصالح، قال التهراوي إن الصفقات العمومية تُبرم مع شركات تجارية لها شخصية معنوية مستقلة، وليست مع أشخاص ذاتيين، مؤكداً أن تطوير إطار قانوني خاص بتضارب المصالح “مسألة تشريعية” يعهد للبرلمان بتحديدها. وأشار إلى أن وزارته لا تستثني أي جهة من تطبيق القانون الحالي.
كما ذكّر الوزير بأن النظام القديم للتراخيص الدوائية كان موضوع تقارير رقابية سابقة أوصت بإحداث وكالة وطنية مستقلة. وقال إن الحكومة نفّذت هذه التوصيات بإحداث “الوكالة الوطنية للأدوية والمنتجات الصحية” بموجب القانون 22.10، وإن تعيين مديرها العام بظهير ملكي يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع.
وختم الوزير مداخلته بإحالة الكلمة إلى المدير العام للوكالة، ليقدّم عرضاً تقنياً مفصلاً حول المساطر القانونية والتنظيمية التي تشرف عليها الوكالة في منح التراخيص وتتبع جودة وسلامة الأدوية.

تعليقات الزوار
لا تعليقات