تشهد موريتانيا هذه الأيام جدلًا داخليًا واسعًا حول طريقة تعاطي الحكومة مع المهاجرين المتواجدين داخل البلاد، بعد سلسلة إجراءات اتخذتها السلطات الأمنية الموريتانية بهدف فرض احترام قوانين الإقامة وتنظيم الوجود الأجنبي.
وقد تسببت هذه الإجراءات في انقسام واضح بين من يعتبرها ضرورة سيادية لحماية البلد، وبين من يرى فيها تجاوزات تمسّ كرامة المهاجرين، وهو ما دفع حركة «إيرا» الحقوقية إلى الإعلان عن نيتها تقديم شكوى ضد وزير الداخلية محمد أحمد محمد الأمين أمام منظمات دولية، في حين قوبلت هذه الخطوة بموجة تضامن واسعة مع الوزير على شبكات التواصل الاجتماعي.
وأكدت السلطات الموريتانية «أن ما يحدث ليس حملة ظرفية ولا إجراء مباغتًا، بل سياسة دولة بدأت منذ أشهر وتواصلت في الأسابيع الأخيرة بوتيرة أكبر بعد ملاحظة ارتفاع حالات الإقامة غير النظامية وتزايد الأنشطة المخالفة للقانون في بعض الأوساط».
وجدد الناطق باسم الحكومة، الحسين ولد مدو، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي تأكيده على «أنّ محاولات التشكيك في جهود موريتانيا بخصوص ملف المهاجرين «لا تعتمد على أي مصداقية»، وأن البلد يظل منفتحًا أمام الجميع، لكنه في الوقت ذاته يمارس حقه الطبيعي في مطالبة المقيمين، مواطنين كانوا أو أجانب، باحترام القوانين المنظمة للإقامة والعمل والتحرك داخل التراب الوطني».
وقال ولد مدو إن الدولة «اضطلعت خلال الفترة الماضية بجهود كبيرة لضمان تصالح المهاجرين مع المتطلبات القانونية»، معتبرًا «أن هذه الإجراءات تحمي البلد، وتحفظ كرامة المقيمين، وتساهم في ضبط وضعيات مهنية وسكنية تُخفي في بعض الأحيان ممارسات ضارة بالأمن العام».
وأضاف الوزير «أن عمليات ترحيل المقيمين غير النظاميين تمت وفق أعلى المساطر القانونية وبالتشاور مع البلدان المعنية، وأن الحكومة لم تفعل سوى ممارسة حق سيادي يفترض عدم تحويله إلى مادة للمزايدات أو الابتزاز الحقوقي».
وترى وزارة الداخلية الموريتانية «أن موريتانيا تواجه تحديات متزايدة مرتبطة بالهجرة غير النظامية، خصوصًا على السواحل التي تشهد بين الفينة والأخرى محاولات للهجرة السرية نحو أوروبا، بعضها ينتهي بوفاة العشرات، وهو ما يجعل الدولة مطالَبة بالتشدد في منح الإقامات ورقابة الحدود ومتابعة الأنشطة المخالفة».
وفي المقابل، أعلنت حركة «إيرا» الحقوقية عبر القيادي عبد الله با مسؤولها لقضايا الهجرة، عن نيتها تقديم شكوى أمام المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ضد وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين، متهمة السلطات بارتكاب «انتهاكات خطيرة» بحق مهاجرين، وبإجراء عمليات ترحيل «مهينة للكرامة الإنسانية».
وقد وصف عبد الله با الإجراءات الحكومية بأنها «جرائم ضد الإنسانية»، وهي عبارات أثارت ردود فعل واسعة بسبب حدّتها وطابعها الاتهامي المباشر دون تقديم وثائق تدعم المزاعم حسب تعبير جهات رسمية.
وسارعت وزارة الداخلية إلى نفي هذه الاتهامات، مؤكدة أن جميع الترحيلات تمت بحضور ممثلين عن سفارات بلدان المهاجرين، وبما ينسجم مع القانون الوطني والالتزامات الدولية لموريتانيا.
كما شددت الوزارة على «أن موريتانيا لا تستقبل مهاجرين مرحّلين من أوروبا»، خلافًا لما تتداوله بعض المنظمات، وأن التعاون مع الجانب الأوروبي «لا يمسّ السيادة الوطنية بأي شكل من الأشكال».
واللافت أكثر في هذا الملف هو حجم التفاعل الشعبي والرقمي الذي أثارته تصريحات حركة إيرا»؛ إذ تحولت منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية إلى ساحة نقاش واسعة، غلب عليها دعمٌ قوي لوزير الداخلية.
وكتب المدون حميد محمد «»وزير الداخلية ولد احويرثي يحظى بدعم واسع في الشارع الموريتاني في ملف تنظيم المهاجرين غير الشرعيين وفرض سلطة الدولة.»
وبدوره، أكد الدكتور الهادي الطلبة، أن الوزير «يقدم خدمة وطنية في ملف حساس يرتبط بأمن البلد واستقراره».
وذهب المدون عزيز محمد إلى أبعد من ذلك حين اعتبر أن «توشيح وزير الداخلية في عيد الاستقلال المنتظر آخر الأسبوع الجاري مطلب شعبي»، بينما كتب أشريف بابتي أن «خطوات الوزير أفشلت مخططات كانت تسعى لاستغلال المهاجرين لزرع الفوضى داخل البلد».
وأكد الإعلامي السيد ولد سيد أحمد «أن الهجوم الذي تعرض له الوزير زاد ثقة الناس في وطنيته وإخلاصه»، معتبرًا أن «الحملة الأخيرة ليست سوى رد فعل من مجموعات كانت تستفيد من الفوضى التنظيمية».
وفي الاتجاه ذاته، دعا الإعلامي أحمد سالم ولد التباخ في برنامجه «صباح الخير يا وطن» إلى توشيح الوزير تقديرًا لجهوده في «فرض سلطة القانون دون خوف أو حسابات سياسية».
ويرى مراقبو هذا الشأن أن الجدل الجاري يعكس حساسية ملف الهجرة في موريتانيا، حيث تتقاطع فيه عوامل الأمن الداخلي، والضغوط الأوروبية، والمخاوف من شبكات التهريب، إلى جانب البعد الإنساني الذي تدافع عنه منظمات حقوقية محلية ودولية.
وبينما تتمسك الحكومة بحقها في التنظيم، تواصل حركة «إيرا» الحقوقية جسّ نبض الشارع وإحراج السلطة عبر المنابر الدولية.
وفي الوسط، يلعب الإعلام والشبكات الاجتماعية دورًا متزايدًا في تحديد اتجاهات الرأي وتوجيه تأثيرات هذا الملف المعقد.
ومع استمرار تدفق المهاجرين وارتفاع نشاط شبكات التهريب و»نوادي الإقامة غير الشرعية» في المدن الكبرى، يبدو أن النقاش لن يهدأ قريبًا، بل سيظل أحد أبرز الملفات السياسية والأمنية في موريتانيا خلال الفترة القادمة.
حركة «إيرا» الحقوقية تتهم الأمن الموريتاني بانتهاك حقوق المهاجرين

تعليقات الزوار
لا تعليقات