في خطوة تُجسّد مسار الإعمار والاستقرار في شرق ليبيا، أعادت السلطات اليوم السبت فتح مطار خليج سرت الدولي بعد توقف دام اثني عشر عاماً بسبب الصراعات وعدم الاستقرار الذي شهدته البلاد. ويُعد هذا الافتتاح حدثاً مهماً يعيد الأمل إلى سكان المنطقة الوسطى، ويُخفف عنهم مشقة السفر الطويل إلى المدن الكبرى، كما ينعش الحركة الاقتصادية ويعيد الحياة إلى مرافق كانت متوقفة منذ سنوات.
ويُنظر إلى إعادة افتتاح مطار خليج سرت باعتبارها رسالة من حكومة الشرق الليبية تؤكد قدرتها على تنفيذ مشاريع الإعمار وتطوير البنية التحتية، في وقت يشهد فيه المشهد الليبي تنافسا بين سلطتي الشرق والغرب على إثبات الكفاءة في إدارة الخدمات العامة.
وبما أن مدينة سرت تقع في قلب الساحل الليبي، فإن تطوير مطارها يمنحها موقعاً محورياً كمركز لوجستي استراتيجي بين الشرق والغرب والجنوب، ما يعزز فرصها في أن تكون حلقة توازن لأي ترتيبات سياسية أو اقتصادية مستقبلية.
من الدمار إلى الإقلاع مجدداً
وتوقّف المطار عن العمل منذ عام 2013 مع تدهور الأوضاع الأمنية عقب الإطاحة بنظام معمر القذافي، وتعرّض لاحقاً لدمار واسع أثناء سيطرة تنظيم "داعش" على المدينة بين عامي 2015 و2016، حيث أُتلفت المدارج وصالات الركاب وبرج المراقبة بالكامل.
إلا أن جهود الإعمار التي بدأت فعليا عام 2024 نجحت في إعادة الحياة إلى المرفق الحيوي، بفضل الجهاز الوطني للتنمية والإعمار الذي تولّى المشروع بالتعاون مع شركات محلية وأخرى من مالطا والإمارات.
وقال المدير العام للجهاز، محمود الفرجاني، إن المشروع مثّل "إعادة بناء شاملة من الصفر"، واستُكمل في 11 شهراً رغم التحديات اللوجستية، مشيراً إلى أن تكلفة المشروع بلغت نحو 70 مليون دولار. وأضاف أن الأعمال شملت تأهيل مدرجين بطول 3.6 كيلومتر لكل منهما، وبناء برج مراقبة جديد، وصالتين للركاب، إلى جانب مباني الإدارة والجمارك ومركز شرطة المطار.
وأوضح الفرجاني أن المطار يمتد على مساحة تبلغ حوالي 25 كيلومتراً مربعاً، بطاقة استيعابية تصل إلى ألف مسافر يومياً، مؤكداً أن المشروع "يشكل ركيزة أساسية لتعزيز قطاع النقل الجوي وربط المناطق الليبية ببعضها".
خطة شاملة لتطوير قطاع الطيران
وأشار الفرجاني إلى أن مطار خليج سرت يأتي ضمن خطة وطنية لتطوير ثلاث مطارات رئيسية هي: خليج سرت، الجفرة، وسرت – سابق (سارة)، في إطار برنامج شامل لإحياء البنية التحتية للطيران المدني في البلاد. واعتبر أن “إعادة تشغيل هذه المرافق تمثل استثماراً مباشراً في الاستقرار والتنمية، وتعبيراً عن التزام الحكومة بإعادة بناء ما تهدم بفعل الحروب”.
بدوره، قال عميد بلدية سرت مختار المعداني إن المطار يتمتع بموقع استراتيجي في قلب منطقة تمتد من رأس لانوف شرقاً حتى الجفرة جنوباً، ما يجعله مرفقاً خدمياً مهماً لسكان المنطقة الوسطى كافة. وأوضح أن افتتاح المطار سيخفف المعاناة عن السكان الذين اضطروا طوال السنوات الماضية إلى استخدام مطارات بعيدة مثل بنغازي ومصراتة.
وأضاف المعداني أن تشغيل المطار سيُعيد لسرت مكانتها الاقتصادية، مشيراً إلى أن شركات الطيران الليبية بدأت بالفعل بتسيير رحلات تجريبية، منها طيران البراق وسماء المتوسط (ميد سكاي) وبرنيق للطيران، على أن تُعلن قريباً الجداول الرسمية للرحلات الداخلية والدولية، مع توقعات بفتح خطوط نحو السعودية وتونس في مرحلة لاحقة.
ارتياح شعبي وآمال جديدة
وفي أوساط السكان، لقيت الخطوة ارتياحاً واسعاً. فقد عبّر المواطن عادل الربيعي (45 عاماً) عن سعادته قائلاً إن "إعادة تشغيل المطار خطوة مهمة لسكان سرت، بعد سنوات من صعوبات السفر إلى طرابلس أو بنغازي"، فيما رأى رجب محمد (47 عاماً) أن “عودة المطار للعمل تؤكد أن المدينة استعادت أمنها واستقرارها، وتمثل فرصة لانتعاش النشاط التجاري”.
وتُعد عودة مطار خليج سرت إلى الخدمة مؤشراً عملياً على بداية مرحلة جديدة من إعادة الإعمار في شرق ليبيا، وعلى توجه حكومي يسعى إلى إحياء المرافق العامة وتهيئة بيئة اقتصادية أكثر توازناً.
فالمطار ليس مجرد منشأة نقل، بل رمزٌ لعودة الثقة في قدرة المؤسسات المحلية على الإنجاز، ولإرادة مجتمعية تتطلع إلى تجاوز سنوات الحرب والانقسام.
وبينما تستعد طائرات الركاب الأولى للإقلاع من سرت نحو مدن أخرى داخل البلاد، يرى كثيرون أن هذا الحدث يمثل أكثر من مجرد تشغيل لمطار، بل رسالة بأن شرق ليبيا ماضٍ في طريق البناء والتنمية بخطى ثابتة ومسؤولة.

تعليقات الزوار
لا تعليقات