أخبار عاجلة

المحكمة الموريتانية العليا تحدد موعداً للنطق بالحكم في ملف بارون المخدرات محمد ولد عبد العزيز

عادت الأضواء مجدداً إلى قاعة المحكمة العليا الموريتانية في مشهدٍ يختصرُ جدلية التجاذب بين السلطة والعدالة في موريتانيا، حيث حدد الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل موعدًا للنطق بالحكم في واحدٍ من أكثر الملفات إثارةً للجدل في التاريخ السياسي والقضائي الحديث للبلاد؛ بين من يرى القضية لحظةً فارقة في مسار مكافحة الفساد، ومن يعتبرها تصفيةً سياسية مغطاة بلبوس القانون.
ويقف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أمام القضاء في هذا المشهد الصعب، بينما واصل دفاعه الإصرار على «أنّ قضيته تتجاوز أروقة العدالة إلى مساحات النفوذ والتجاذب السياسي».
وجاء هذا الإعلان عقب بدء مداولات المحكمة مساء الثلاثاء، في ختام جلسة شهدت تطورًا لافتًا تمثّل في انسحاب جماعي لهيئة الدفاع عن الرئيس السابق، في خطوة أثارت تساؤلات واسعة في الأوساط القانونية والسياسية الموريتانية.
وبمجرد الإعلان عن انعقاد الجلسة المخصصة للنظر في ملف ولد عبد العزيز، تحول محيط مقر المحكمة العليا إلى منطقة أمنية مغلقة، حيث انتشرت وحدات من الشرطة وأغلقت جميع الشوارع المؤدية إلى المبنى، في مشهد عكس الطابع الاستثنائي للقضية.
وقال شهود عيان إن قوات الأمن فرضت إجراءات تفتيش صارمة على المحامين، شملت مصادرة الهواتف المحمولة قبل السماح لهم بالدخول. ووسط هذه الأجواء المشحونة، دخل رئيس المحكمة العليا القاعة بشكل مفاجئ وتولى رئاسة الجلسة، بدلاً من القاضي أحمد ولد باب، الذي كان من المقرر أن يرأس تشكيلة الغرفة الجزائية، ما أثار اعتراض الدفاع ودفعه إلى الانسحاب الفوري من الجلسة.
وأوضحت هيئة الدفاع عن ولد عبد العزيز أن «قرارها بالانسحاب جاء احتجاجًا على رئاسة الجلسة من قبل رئيس المحكمة العليا، الشيخ أحمد ولد سيدي أحمد»، معتبرة «أن حياده موضع شك بعد ظهوره مؤخرًا في نشاط ذي طابع سياسي»، على حد تعبيرها.
وأكد محامو الرئيس السابق «أن هذه المعطيات تثير شكوكًا جدية حول نزاهة الإجراءات»، وأن موكلهم «يتعرض لمحاكمة سياسية بامتياز» تهدف، بحسب قولهم، إلى «تصفية حسابات مع مرحلة حكمه».
وفي بيان أصدرته هيئة الدفاع عقب انسحابها، أوضحت أن تشكيلة الغرفة الجزائية محددة مسبقًا بقرار من المجلس الأعلى للقضاء، وأن ترؤس رئيس المحكمة العليا للجلسة لا يُبرَّر إلا في «حالة الضرورة»، مثل غياب رئيس الغرفة أو إعاقته القانونية أو الواقعية.
وأكد محامو ولد عبد العزيز أن موكلهم «يُحاكم في ملف ذي طابع سياسي واضح»، مشيرين إلى أن «مسار المحاكمة بأكمله يكشف عن تصفية حسابات سياسية مع مرحلة حكمه».
وجاء في البيان: «نربأ بأنفسنا أن نكون شهودًا على محاكمة سياسية جديدة كنا نأمل أن تُدار وفق مقتضيات القانون والعدالة، بعيدًا عن الإملاءات السياسية والممارسات الانتقائية».
وتعد «قضية العشرية» أضخم ملف فساد في تاريخ موريتانيا، إذ شملت التحقيقات فيها عشرات الشخصيات السياسية والإدارية والاقتصادية. وتدور الاتهامات حول قضايا استغلال النفوذ، وتبديد أموال عمومية، وإثراء غير مشروع، جرى خلالها تفكيك شبكات مالية معقدة يُعتقد أنها نشأت خلال فترة حكم ولد عبد العزيز.
وكانت محكمة مكافحة الفساد قد أصدرت حكمها الابتدائي قبل أشهر، وهو الحكم الذي استؤنف أمام محكمة الاستئناف لتُحال القضية إلى المحكمة العليا، التي تعتبر محطّ الأنظار في الشارع الموريتاني لما تمثله من اختبار لمصداقية واستقلالية القضاء في البلاد.
ويتابع الموريتانيون عن كثب العدّ التنازلي ليوم 4 تشرين الثاني/نوفمبر، الذي يُرتقب أن يشهد صدور الحكم النهائي في هذا الملف الذي شقّ الرأي العام الموريتاني إلى معسكرين: أحدهما يرى في المحاكمة خطوة شجاعة لترسيخ مبدأ المساءلة، والآخر يعتبرها «محاكمة سياسية» تستهدف تهميش الرئيس الأسبق وتيارَه السياسي.
ويرى مراقبون أن الحكم المنتظر في قضية ولد عبد العزيز، ستكون له انعكاسات مباشرة على المشهد السياسي والقضائي في موريتانيا، سواء من حيث مستقبل الرئيس الأسبق، أو من حيث صورة القضاء أمام الرأي العام.
ويؤكد محللون أن «قضية العشرية» لم تعد مجرد محاكمة جنائية، بل أصبحت منعرجًا حاسمًا في مسار العدالة ومكافحة الفساد في موريتانيا، في ظل دعوات متصاعدة لإصلاح المنظومة القضائية وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة. وتُعد «قضية العشرية» أضخم ملف قضائي في تاريخ موريتانيا، إذ تشمل تحقيقات موسعة في ملفات تهم الفساد واستغلال النفوذ وتبديد ممتلكات الدولة، وجرى خلالها استدعاء واستجواب عشرات المسؤولين السابقين، بينهم وزراء ورجال أعمال بارزون.
وقد بدأت فصول القضية في آذار/مارس 2021 عندما أُحيل ولد عبد العزيز إلى العدالة بناءً على تقرير صادر عن لجنة تحقيق برلمانية، قبل أن تُحال القضية لاحقًا إلى محكمة مكافحة الفساد التي أصدرت حكمها الابتدائي، ليتم الطعن فيه أمام المحكمة العليا التي تنظر حاليًا في الملف.
ويترقب الرأي العام الموريتاني بفارغ الصبر الحكم المنتظر في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، والذي يُتوقع أن يشكل منعطفًا حاسمًا في مسار العدالة ومحاربة الفساد في البلاد.
ويرى مراقبون أن القرار المرتقب سيكون له تأثير كبير على المشهد السياسي الموريتاني، سواء من حيث موقع الرئيس الأسبق ومستقبله، أو من حيث مصداقية المؤسسات القضائية الموريتانية في معالجة قضايا الفساد الكبرى.
ويُجمع المتابعون على أن «قضية العشرية» تجاوزت حدود القضاء لتتحول إلى اختبار حقيقي لاستقلالية العدالة الموريتانية، ولقدرتها على الفصل بين مقتضيات المحاسبة وسياسة تصفية الحسابات، في بلد يشهد منذ سنوات نقاشًا واسعًا حول إصلاح المنظومة القضائية وتعزيز الشفافية في تسيير الشأن العام.
ومع اقتراب لحظة الحسم، تتجه أنظار الداخل والخارج إلى ما ستحمله جلسة الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر من مفاجآت؛ فالحكم المنتظر لن يكون مجرد قرار قضائي في ملفٍ شائك، بل قد يشكّل نقطة تحول في علاقة السلطة بالمؤسسات القضائية، وفي مستقبل التوازن بين منطق الدولة وهيبة القانون.
وبين رهان الإنصاف ومخاوف التسييس، يبقى السؤال معلّقًا: هل سيطوي الحكم صفحةً من الصراع أم أنه سيفتح فصلاً جديدًا في قصةٍ ما زالت فصولها تتوالى؟

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات