تأهل المنتخب المغربي لكرة القدم للشباب إلى نهائي كأس العالم تحت 20 عامًا المقامة حاليًا في تشيلي، بعد فوزه المثير على نظيره الفرنسي 5-4 بركلات الترجيح، إثر انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل 1-1، في مواجهة اتسمت بالإثارة والندية على استاد فينا ديل مار.
ويُعد هذا التأهل إنجازًا تاريخيًا هو الأول من نوعه للمنتخب المغربي في فئة الشباب، والثاني عربيًا بعد قطر عام 1981، ليواصل "أشبال الأطلس" كتابة فصل جديد في مسيرة الكرة المغربية، التي تشهد في السنوات الأخيرة طفرة نوعية على صعيد المنتخبات السنية والبنية التحتية الكروية.
بداية قوية وتقدم مغربي
دخل المنتخب المغربي المباراة بثقة واضحة، معتمدًا على الضغط العالي والتمريرات القصيرة لبناء الهجمات من الخلف. وكانت أولى المحاولات الخطيرة في الدقيقة 12 عبر عثمان ماعما الذي سدد كرة قوية مرت فوق المرمى، قبل أن يرد الفرنسي ميسم بن نعمة بتسديدة أبعدها الحارس المغربي يانيس بن شاوش في الدقيقة التالية.
وفي الدقيقة 31، احتسب الحكم ركلة جزاء لصالح المغرب بعد عرقلة إسماعيل بختي داخل المنطقة من قبل المدافع الفرنسي أندريا لو بورنيه. وتولى ياسر زابيري تنفيذ الركلة لتصطدم بالقائم الأيسر وتعود لترتد من ظهر الحارس الفرنسي أولميتا إلى الشباك، معلنة تقدم المغرب بهدف دون رد، في لقطة أظهرت حظًا ومثابرة في آن واحد.
وكاد المغرب أن يضيف الهدف الثاني في الدقيقة 40 بعد هجمة منظمة قادها ماعما من الجهة اليمنى، مررها إلى فؤاد الزهواني الذي سدد بجوار القائم، بينما تصدى الحارس بن شاوش في الوقت بدل الضائع لتسديدة قوية من إيلان توري، محافظًا على تقدم فريقه حتى نهاية الشوط الأول.
عودة فرنسية وضغط متواصل
ومع بداية الشوط الثاني، كثّف المنتخب الفرنسي ضغطه عبر الأجنحة، ليتمكن في الدقيقة 58 من تعديل النتيجة عن طريق لوكا ميشال الذي استغل عرضية محكمة من الجهة اليمنى وسددها داخل المرمى. وكاد اللاعب نفسه أن يسجل مجددًا بعد ثلاث دقائق لكن الحارس بن شاوش تصدى للمحاولة ببراعة، قبل أن يتعرض لإصابة أجبرته على مغادرة الملعب في الدقيقة 64، ليشارك بدلًا منه الحارس إبراهيم جوميز.
وحاول الفرنسيون استغلال حالة الارتباك التي أعقبت التبديل، لكن الدفاع المغربي بقيادة القائد ياسين جسيم نجح في امتصاص الضغط، فيما اعتمد المغرب على الهجمات المرتدة السريعة. وفي الدقيقة 87، توغل ماعما داخل المنطقة وسدد كرة قوية تصدى لها الحارس الفرنسي أولميتا، لتنتهي المباراة بالتعادل الإيجابي 1-1.
صمود مغربي وشجاعة تكتيكية
وفي الوقت الإضافي، تبادل الفريقان السيطرة من دون أن يتمكنا من التسجيل، قبل أن يتعرض الفرنسي رابي نزينجولا للطرد في الدقيقة 112 إثر حصوله على الإنذار الثاني بعد شد قميص ياسين جسيم. ومع اقتراب المباراة من نهايتها، أقدم المدرب المغربي محمد وهبي على خطوة جريئة بإدخال الحارس الثالث حكيم مصباح خصيصًا لركلات الترجيح، مستندًا إلى معطيات فنية من تدريبات سابقة.
وخلال ركلات الترجيح، أظهر اللاعبون المغاربة رباطة جأش لافتة، حيث نجحوا في تسجيل خمس ركلات متتالية، قبل أن يتألق الحارس مصباح في التصدي للركلة السادسة لفرنسا، ليمنح المغرب فوزًا تاريخيًا وتأهلًا غير مسبوق إلى النهائي.
صدى إعلامي واسع
ووصفت صحيفة ليكيب الفرنسية فوز المغرب بأنه "صفعة رياضية مدهشة لمنتخب الديوك"، مشيدة بقدرة اللاعبين المغاربة على التحمل النفسي والبدني حتى اللحظات الأخيرة. وأضافت الصحيفة أن "قرار إدخال الحارس الثالث للركلات كان مجازفة مدروسة أعادت للأذهان خيارات مشابهة في كأس العالم 2014 عندما فعلها لويس فان خال مع هولندا".
أما موقع "FIFA" الرسمي، فأشار إلى أن “المنتخب المغربي أثبت أن الانضباط التكتيكي والثقة بالنفس يمكن أن يهزما الفوارق التاريخية”، لافتًا إلى أن المدرب محمد وهبي “تمكن من توظيف لاعبيه بطريقة مرنة توازن بين الدفاع المتماسك والهجوم السريع".
وفي تغطيتها، كتبت قناة "فرانس 24" أن "المغرب واصل تأكيد صعوده في الكرة العالمية"، مشيرة إلى أن هذا النجاح في الفئات السنية يأتي بعد إنجاز المنتخب الأول في كأس العالم قطر 2022، ما يعكس رؤية استراتيجية في التكوين الرياضي.
ردود الفعل العربية والمغربية
وفي المغرب، احتفت الصحف المحلية بالإنجاز، حيث عنونت صحيفة المنتخب: "أشبال الأطلس يصنعون التاريخ"، فيما وصفت وكالة الأنباء المغربية التأهل بأنه “ثمرة سنوات من العمل الممنهج داخل الأكاديميات الوطنية".
وصرّح رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، أن هذا التأهل “يؤكد أن الاستثمار في التكوين بدأ يعطي ثماره، وأن كرة القدم المغربية تسير في الطريق الصحيح نحو العالمية".
كما أشاد محللون عرب بالأداء الجماعي للمنتخب، معتبرين أن "جيل 2025" يمثل نموذجًا للانضباط الفني والتكوين الذهني المتوازن، في وقت تشهد فيه الكرة العربية تطورًا ملموسًا على مستوى الشباب.
التحدي المقبل
وسيواجه المغرب في المباراة النهائية المنتخب الأرجنتيني، صاحب الرقم القياسي في عدد ألقاب البطولة، في لقاء مرتقب يُقام مساء السبت على ملعب سانتياغو الوطني. ويرى مراقبون أن اللقاء سيشكل اختبارًا حقيقيًا للكرة المغربية أمام أحد أعتى المدارس الكروية في العالم.
ويرى مدرب المغرب محمد وهبي أن فريقه “جاهز بدنيًا وذهنيًا لخوض النهائي”، مضيفًا أن “ما تحقق حتى الآن فخر للأمة المغربية، لكن الهدف لم يتحقق بعد”.
وبهذا الإنجاز، يواصل المغرب تعزيز مكانته كأحد أبرز القوى الصاعدة في كرة القدم العالمية، مؤكدًا أن روح المثابرة والتكوين القاعدي يمكن أن تفتح الطريق أمام إنجازات أكبر في المستقبل القريب.
تعليقات الزوار
لا تعليقات