أخبار عاجلة

المعارضة الموريتانية توقّع وثيقة موحدة تتضمن رؤيتها للحوار المرتقب مع الرئيس الغزواني

 في تطوّر سياسي لافت يعيد رسم ملامح المرحلة المقبلة، خطت المعارضة الموريتانية خطوة جديدة نحو توحيد رؤيتها للحوار المرتقب، معلنة أمس خلال مؤتمر صحافي عن توقيعها على وثيقة مشتركة تحدد إطارًا موحدًا لموقفها الجماعي.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا التوافق المعارض الذي يأتي بعد أسابيع من مشاورات مكثفة، إلى فتح الباب أمام لحظة سياسية حاسمة، خاصة مع إعلان المعارضة الموريتانية عن لقاء وشيك وحاسم سيجمع ممثليها بالرئيس محمد ولد الغزواني.
وأشارت المعارضة إلى أن لقاءها المرتقب مع الرئيس الغزواني سيكون مفصليًا في تحديد مستقبل العملية السياسية برمتها وكذا في مستقبل الحوار المنتظر.
وبين وثيقة تحمل رؤيا مشتركة، وموعد سياسي يقترب بسرعة، تدخل موريتانيا منعرجًا حساسًا قد يُعيد تشكيل موازين القوة أو يُكرّس مسارًا جديدًا للحوار الوطني المنتظر.
وتتضمن الوثيقة رؤية المعارضة الشاملة لموضوعات الحوار، مقترحةً محاور تفصيلية وحلولًا لمجموعة من الإشكالات التي ترى أنها ينبغي أن تكون في صلب النقاش الوطني المرتقب.
وتأتي هذه الخطوة بعد أشهر من المشاورات الداخلية بين مكونات المعارضة التي تقول إنها تسعى إلى مقاربة موحدة وواضحة قبل الدخول في أي جولة تفاوضية أو مشاورات مع السلطة.
وأوضحت النانة بنت شيخن، عضو اللجنة الفنية للجمعية العامة لأحزاب ومكونات المعارضة، أن المؤتمر الصحافي مخصَّص فقط للتوقيع على الوثيقة بعد اكتمال صياغتها، مؤكدةً أن إعدادها استغرق عدة أشهر بل قرابة سنة كاملة من النقاش والتنسيق بين مختلف التشكيلات المشاركة.
وأوضحت «أن المعارضة ستخصص لاحقًا بعد لقاء قادتها مع الرئيس الغزواني، موعدًا آخر لعرض الوثيقة على وسائل الإعلام، وشرح مضامينها للرأي العام، قبل الدخول في النقاش السياسي المباشر». وتعود أهمية الوثيقة إلى كونها أوّل مقترح شامل مكتوب تقدّمه المعارضة منذ إعلان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، قبل أسابيع، عن مضيه قدماً في إطلاق حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف؛ ويهدف -بحسب تعبيره- إلى «تعزيز الثقة، وترسيخ الوحدة الوطنية، وتحسين أداء المؤسسات، في ظل ظروف إقليمية وسياسية حساسة تتطلب، وفق تعبيره، تماسك الجبهة الداخلية».
وتضمنت الوثيقة المعارضة جملةً واسعة من المحاور المقترحة، في مقدمتها قضايا الوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي، وهو موضوع ظل في صدارة النقاش السياسي الموريتاني خلال السنوات الماضية، لما يرتبط به من ملفات الإرث الإنساني، والتماسك الاجتماعي، وسياسات الإدماج.
كما تضمّنت الوثيقة، وفقاً لمصادر في المعارضة، محور دولة القانون والديمقراطية التعددية، إلى جانب الحكامة الرشيدة ومحاور أخرى تتعلق بالقطاعات الحيوية في الدولة كالقضاء، والتعليم، والصحة، والاقتصاد، والدفاع والأمن، وقضايا الجاليات والهجرة.
وتؤكد المعارضة أن هذه المحاور تمثل «الحد الأدنى» من الملفات التي يجب أن يتناولها الحوار، وسط دعوات متزايدة بأن يكون الحوار شاملًا للعمق، لا مقتصرًا على الشكل أو التقنيات الانتخابية.
وبحسب القيادية النانة بنت شيخن، فإن المعارضة بانتظار لقاء مرتقب مع الرئيس الغزواني، سيتم فيه عرض الوثيقة بشكل رسمي، ومناقشة رؤيتها، قبل اتخاذ أي خطوة نحو النقاشات الفنية أو السياسية التفصيلية، مضيفة «أن المعارضة ترى أن الحوار يجب أن يقوم على تكافؤ المسؤوليات، وضمانات واضحة لشفافية مساره وتنفيذ مخرجاته».
وكان الرئيس الغزواني قد دعا في عدة مناسبات إلى الحوار، مؤكدًا أن الباب مفتوح أمام جميع الفاعلين السياسيين والمدنيين، وأن الدولة «ستتعامل مع الحوار كمسار وطني جامع، لا كآلية تفاوضية ظرفية».
وتقول مصادر سياسية وثيقة الصلة بهذا الشأن: «إن الرئاسة تعكف حاليًا على وضع اللمسات الأخيرة على الإطار المرجعي للحوار الذي تمخضت عنه مشاورات دامت سبعة أشهر بين المنسق الوطني للحوار وقادة الأحزاب ورؤساء منظمات المجتمع المدني».
وأوضحت «أن وثيقة المعارضة ستكون جزءًا من الوثائق التي ستُناقش في المرحلة التحضيرية الجارية حاليا».
وشملت لائحة الأحزاب والهيئات الموقعة على وثيقة المعارضة، كلاً من الحركة الشعبية التقدمية، وحزب النهضة من أجل العيش المشترك، وحركة الحر، وحزب العمل من أجل التغيير، وحزب موريتانيا إلى الأمام، والتحالف الشعبي التقدمي، واتحاد قوى الشعب، وحزب تجمع الديمقراطيين التقدميين، وحزب التناوب الديموقراطي، وحزب اتحاد قوى التقدم.
وتعكس هذه القائمة حجم التنوع داخل المعارضة، إذ تجمع بين أحزاب سياسية تاريخية، وتيارات مدنية، ومكونات ناشطة في ملفات العدالة الاجتماعية، والتنمية، والديمقراطية.
ويرى مراقبون أن توقيع هذه الوثيقة سيُسهم في تسريع وتيرة التحضير للحوار، خصوصًا في ظل رغبة الأطراف السياسية في حسم الملف قبل الدخول في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
كما تأتي الخطوة في سياق مناخ سياسي يتسم بعودة الحيوية إلى الساحة بعد أشهر من الفتور، وفي وقت يشهد فيه الشارع حالة ترقب واسعة لما سيؤول إليه الحوار الوطني.
وبينما تؤكد السلطة التزامها بإطلاق «حوار غير مسبوق»، تشدد المعارضة على ضرورة «توفير ضمانات لاحترام مخرجاته»، وعلى أن يكون الحوار قادرًا على معالجة جذور الإشكالات الوطنية لا مظاهرها فقط.
ويبدو أن موريتانيا تتجه نحو مرحلة جديدة من النقاش السياسي الواسع؛ فمع توقيع المعارضة على وثيقة رؤيتها، ووجود استعداد معلن من السلطة، يشكل الحوار الوطني فرصة لإعادة ترتيب الأولويات وبناء أرضية مشتركة بين الفرقاء. لكن نجاح هذا المسار سيظل مرهونًا بمدى استعداد الجميع لتقديم تنازلات، والالتزام بروح الحوار، والتعامل مع المرحلة بوصفها جزءًا من مستقبل البلاد لا من حساباتها السياسية الضيقة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات