أخبار عاجلة

تحركات حفتر الجديدة في الجنوب تعكس سباق النفوذ الإقليمي

يشير تقرير صادر عن «أفريكا إنتلجنس» إلى مرحلة جديدة من إعادة هيكلة القوات التابعة لخليفة حفتر في جنوب ليبيا، في خطوة تعكس حجم التحولات المتسارعة في الإقليم، وتداخلها مع الحرب في السودان وتنامي الدور الإماراتي في المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان ومصر.
ويكتسب هذا التحرك أهميته من كون الجنوب الليبي أصبح خلال العامين الأخيرين نقطة ارتكاز لوجستية لصراعات تتجاوز الحدود الوطنية، وهو ما يجعل أي إعادة انتشار أو إعادة تنظيم داخل فزان جزءًا من مشهد إقليمي متشابك، وليس مجرد خطوة عسكرية داخلية.
فوفق التقرير، بدأت قيادة قوات حفتر قبل ثلاثة أسابيع عملية إعادة تنظيم واسعة لهياكلها الأمنية والعسكرية المنتشرة جنوبًا، في محاولة لإعادة توزيع مراكز القوة داخل فزان، والحد من احتكار كتيبة سبل السلام للقرار الأمني في المنطقة.
وتعكس الخطوة، كما يصفها التقرير، مزيجًا من الضغوط الإقليمية والتحديات الداخلية التي تواجه نفوذ قوات الشرق في المناطق الصحراوية الممتدة نحو الحدود السودانية والتشادية. وتعدّ عملية تقليص اعتماد حفتر على كتيبة سبل السلام مؤشرًا لمرحلة جديدة، خاصة بعد إدخال تشكيلات أخرى مثل كتيبة 166 بقيادة أيوب الفرجاني، واللواء 87 بقيادة محمد مزوغي الذي تلقى تدريبًا في بيلاروسيا ويعد من الضباط المقربين للإمارات.
وتعيد هذه المعطيات التأكيد على الخلفية التي تناولناها في تقارير سابقة حول تزايد تحركات حفتر في الجنوب، وسعيه إلى استغلال هشاشة الحدود، لا سيما عقب توسع الحرب في السودان واتساع شبكات التهريب والإمداد. فقد أوضحنا سابقًا أن فزان لم تعد مساحة مهملة، بل تحولت إلى مسرح تنافس بين قوات حفتر ومجموعات أخرى، ضمن سباق على السيطرة على الطرق الصحراوية التي تربط ليبيا بعمق السودان وتشاد.
وفي السياق ذاته، جاءت التقارير السابقة التي تناولت التحركات داخل الجنوب باعتبارها جزءًا من محاولة حفتر تثبيت وجوده في منطقة شاسعة أصبحت ذات قيمة إستراتيجية متصاعدة.
ويكشف التقرير الجديد أن أهمية كتيبة سبل السلام بالنسبة لقيادة الشرق لم تتراجع رغم تقليص احتكارها، إذ تستمد قوتها من امتدادها القبلي داخل مدينة الكفرة وانتمائها لقبيلة الزوي التي تُعد من أقوى المكونات في المنطقة. كما تلعب هذه الكتيبة دورًا محوريًا في تأمين منطقة «مثلث السارة»، التي تشهد عمليات إعادة تأهيل لقاعدة جوية بإشراف إماراتي، ما يعزز بصورة مباشرة نفوذ أبوظبي التي تتحرك منذ سنوات في الجنوب الليبي عبر أدوات مالية وعسكرية وبشرية.
ويربط التقرير بين التحركات داخل فزان وما يحدث في السودان، مشيرًا إلى سيطرة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي» على مثلث السارة في يونيو الماضي، اعتمادًا على خطوط الإمداد القادمة من الكفرة. وقد وثّق التقرير غارة جوية استهدفت قافلة تابعة لسبل السلام داخل الأراضي السودانية في نوفمبر، حمّلت أطراف ليبية مسؤوليتها للجيش المصري. وتسببت هذه الغارة في تغيير قواعد الاشتباك، إذ دفع الحادث عدداً من المجموعات الليبية للتراجع عن المشاركة في عمليات النقل والإمداد خشية التعرض لقصف جديد.
وتتقاطع هذه التطورات مع ما سبق ذكره من تقارير سابقة حول المخاوف المصرية المتنامية من احتمالات تقسيم السودان عقب سقوط الفاشر واتساع مناطق نفوذ الدعم السريع. فالقاهرة التي تجنبت التدخل المباشر خلال المرحلة الماضية باتت أكثر قلقًا من انهيار المشهد السوداني، وهو ما يجعل الجنوب الليبي نقطة مراقبة حساسة بالنسبة لها، خاصة أن مسارات الإمداد التقليدية المرتبطة بالكفرة بدأت تتحول تدريجيًا نحو الحدود التشادية في الأسابيع الأخيرة.
ويتوقف التقرير أيضًا عند إعلان صدام حفتر والرئيس التشادي محمد إدريس ديبي منتصف تشرين الثاني / نوفمبر تشكيل قوة مشتركة لتأمين الحدود، وهي خطوة وصفها التقرير بأنها امتداد لشبكة تحالفات إقليمية ترعاها الإمارات، الداعم الرئيسي لقيادة الجيش الليبي شرق البلاد. وتنسجم هذه الخطوة مع ما تناولناه سابقًا حول تفورين حفتر وزياراته الخارجية، حيث أشارت التقارير السابقة إلى أن تحركات صدام حفتر تمثل مسارًا موازيًا للتحركات العسكرية في الجنوب، وتعبّر عن رغبة قيادة الرجمة في تثبيت امتدادات خارجية لها داخل فضاء الساحل والصحراء.
كما يكشف التقرير الحديث عن نشاط إماراتي دبلوماسي وعسكري متزايد خلف الكواليس، تمثّل في هبوط طائرة خاصة مرتبطة بعائلة حفتر في مطار بنينا قادمة من دبي، إضافة إلى زيارات سرية لضباط إماراتيين إلى الرجمة ولقاءات جمعت حفتر بمسؤولين استخباراتيين من أبوظبي. وتأتي هذه التحركات في سياق سباق نفوذ إقليمي لا تخفيه الإمارات، خاصة في ظل تراجع قدرة أطراف أخرى على الاستثمار في هذه المساحة من الساحل والصحراء.
وتتداخل هذه التطورات مع المشهد السياسي والشعبي في الشرق الليبي الذي شهد مؤخرًا موجة احتجاجات تطالب بإنهاء الانقسام والإسراع في إجراء الانتخابات. وقد أشرنا في التقرير السابق إلى أن هذه الاحتجاجات تعكس ضغطًا شعبيًا على سلطات الشرق، وتضع حفتر أمام معادلة معقدة بين توسع نفوذه العسكري في الداخل والانخراط في ترتيبات سياسية لم تتضح ملامحها بعد. وفي هذا السياق، تبدو إعادة هيكلة الجنوب إحدى الأدوات التي يستخدمها حفتر لتعزيز موقعه في أي مفاوضات سياسية قادمة.
ويخلص تقرير «أفريكا إنتلجنس» إلى أن عملية إعادة الانتشار في الجنوب تجري تحت متابعة دقيقة من الإمارات، وسط تزايد أهمية فزان كعقدة استراتيجية تربط الملفات الليبية بالسودانية والتشادية، وبالتحركات الإقليمية التي تتنافس فيها عدة دول على النفوذ داخل قلب الصحراء. وتؤكد هذه الخلاصة ما ذهبنا إليه في تقاريرنا السابقة: أن الجنوب لم يعد مسرحًا محليًا، بل ساحة دولية تتحرك فيها الأطراف الإقليمية بإيقاع أسرع من قدرة المؤسسات الليبية على الاستجابة، وهو ما يجعل مستقبل فزان مرتبطًا مباشرة بمشاريع النفوذ العابرة للحدود

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات